عدوان الاحتلال يطفئ بريق "الذهب الأحمر" في غزة

25 ديسمبر 2024
مزارع يحمل حبات فراولة طازجة في غزة، 1 مايو 2023 (محمود عيسى/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعرض محصول الفراولة في قطاع غزة لتدمير كامل بنسبة 100% بسبب العدوان الإسرائيلي، مما أدى إلى تسريح آلاف العاملين في الزراعة والمهن المرتبطة بها، حيث يعتبر محصول الفراولة من أهم المحاصيل التصديرية في فلسطين.

- تضررت زراعة الفراولة بشكل كبير نتيجة الاستهداف المباشر للأراضي الزراعية وتجريف البنية التحتية، خاصة في شمال قطاع غزة، حيث تتميز المناطق بعذوبة المياه وخصوبة التربة.

- يواجه المزارعون تحديات كبيرة بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يعيق تطوير الزراعة وتصدير المحصول، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد الزراعي في غزة.

 

تعرض محصول الفراولة (التوت الأرضي)، والملقب بالذهب الأحمر للتدمير بنسبة 100% جراء تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ما تسبب بتسريح آلاف العاملين المباشرين في الزراعة، إلى جانب العاملين في المهن المرتبطة به التي تعتمد على إنتاجه السنوي.
والفراولة أحد أهم المحاصيل الزراعية بالنسبة للمزارع الفلسطيني، والذي يعتبر بالأساس محصولا تصديريا مرغوبا به في مختلف أنحاء العالم، ومدراً للدخل واستيراد العملة الصعبة من خارج القطاع، كما أن ثمار الفراولة تتميز بشكل جميل وطعم لذيذ وتقوم عليها صناعات تحويلية عديدة.

تدمير وتجريف

تعرضت مختلف المراحل الخاصة بزراعة الفراولة إلى التدمير جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر للأراضي الزراعية، والتجريف لكافة أساسيات العمل فيها من مشاتل وشيكات ري وآبار ومعدات، علاوة على استهداف المزارعين بشكل مباشر، أو عبر طلبات الإخلاء المتتالية لمختلف محافظات قطاع غزة، وتحديدا المحافظات الشمالية التي تشتهر فيها زراعة محصول الفراولة.
ويعتبر المحصول الأحمر "درة الشمال زراعيا"، حيث تعرف محافظة شمال غزة بزراعة التوت الأرضي في مناطقها، وخصوصا في منطقتي بيت لاهيا وبيت حانون، نظرا لتميز هذه المناطق بعذوبة المياه وخصوبة التربة ومناخها المناسب لنجاح هذا المحصول.

بدأت زراعة الفراولة في غزة خلال ستينيات القرن الماضي بمساحة قليلة وإنتاج وصل الى حوالي 1.5 طن، ومع النجاحات التي حققها المزارعون ازدادت المساحة تدريجيا لتصل إلى نحو 3500 دونم.
ويقول الفلسطيني أسعد زيادة، والذي خصص خمس دونمات لزراعة أرضه بمحصول الفراولة، إنه تعرض لخسارة فادحة منذ بدء العدوان، حيث قصف بيته والمنطقة المحيطة به، فيما لم يتمكن من زراعة محصوله للعام الثاني على التوالي، موضحاً أنّ التجهيز لموسم الفراولة كان يبدأ سنوياً من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، ومن ثم البدء بالزراعة في الشهر التالي.
ويؤكد زيادة لـ"العربي الجديد"، أن خسارة المواسم تزامنت مع تجريف أرضه بكل محتوياتها، من دفيئات وشبكات ري وأسمدة وشتول، فيما لم يتبق له أي مصدر دخل، خاصة بعد اضطراره للنزوح برفقة أسرته نحو مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، بعد اشتداد القصف والأحزمة النارية الإسرائيلية.
ويبين زيادة أن نجاح محصول الفراولة يعتمد على عذوبة المياه والأرض الخصبة والمناسبة، وهي عناصر موجودة بالأساس في أقصى شمال قطاع غزة، وهي مناطق قريبة من الحدود مع الأراضي المحتلة، موضحا أنه لم يتمكن من مواصلة عمله في الزراعة جراء حياة النزوح القاسية وانشغاله الدائم في توفير المتطلبات الأساسية لأسرته.

خسارة الموسم في غزة

أما المزارع الفلسطيني أحمد عبد ربه، فقد اضطر إلى بيع الخضار في سوق النصيرات الشعبي، وسط قطاع غزة، لتوفير مصدر دخل لعائلته بعد فقدانه القدرة على زراعة محصول الفراولة في أرضه، شرقي مدينة بيت لاهيا، شمالي القطاع.
ويبين عبد ربه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن خسارة الموسم والعمل مرت عبر مجموعة مراحل، حيث لم يتمكن منذ بدء العدوان من الوصول إلى أرضه بفعل الاستهداف الإسرائيلي المباشر للمزارعين، فيما تعرضت الأرض للتجريف وخسر كل الأدوات اللازمة للعمل، وصولا إلى النزوح القسري جراء طلبات الإخلاء المتواصلة، والمترافقة مع القصف العنيف.
ويلفت عبد ربه إلى أن الخسارة لم تكن خلال الحرب فقط، وإنما سبقها ضعف في الإنتاج نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 18 عاما والذي تسبب في ضعف الإمكانيات نتيجة عدم السماح بدخول الأدوات اللازمة لتطوير العمل، إلى جانب الإغلاق الإسرائيلي المستمر للمعابر، والذي كان يؤثر في الكثير من الأحيان على تصدير المحصول وتلفه أو تدني أسعاره.
في هذا الإطار، يعتبر الناطق الإعلامي باسم وزارة الزراعة في قطاع غزة محمد أبو عودة أن التوت الأرضي محصول تصديري بامتياز، حيث يصنف من المحاصيل ذات القيمة العالية ويعتبر أحد أهم وأقدم سفراء الإنتاج الزراعي إلى الخارج، إذ يصدر إلى أسواق الضفة الغربية ودول عربية وأوروبية، وقد وصلت كميات التصدير من ثمار الفراولة إلى 5500 طن.

ويقول أبو عودة لـ"العربي الجديد"، إنّ الفراولة تعتبر من أهم المحاصيل الزراعية الاقتصادية، حيث إنها تساهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد الزراعي، عبر تعظيم العائد الاقتصادي للمحصول وزيادة دخل المزارع، إلى جانب قدرته التنافسية العالية نظرا لإنتاجه المبكر وجودته العالية، وإمكانية زراعة محصول آخر عليه بعد انتهاء فترة التصدير، علاوة على وجود أشكال تسويقية مختلفة، مثل التصدير والتسويق المحلي للمنتجات الطازجة والصناعات التحويلية (التفريز والعصير والمربيات)، والسياحة الزراعية مثل مزارع الفراولة المعلقة، ويلفت إلى أن القيمة المالية لإنتاج الفراولة تزيد عن 12.3 مليون دولار، وتبلع قيمة صادرات الفراولة 11 مليون دولار، فيما يساهم بنحو 16.5% من قيمة صادرات الإنتاج النباتي.

تكاليف إنتاج عالية

ويوضح أبو عودة أن تكاليف الإنتاج عالية لهذا المحصول بسبب حساسيته باعتباره منتجاً تصديرياً يحتاج إلى عدد من العمال يصل إلى حوالي عشرة عمال موسميين في الدونم الواحد، وبالتالي قد يصل عدد المزارعين والعاملين ومقدمي الخدمات المساندة فيه إلى حوالي 40 ألف شخص تعطلوا جراء تعطل الموسم، ومن بينهم آلاف النساء، حيث تشارك المرأة بشكل واضح في سلسلة إنتاج الفراولة، لأنها تعتبر ضمن منهجية الزراعة الأسرية.
ويلفت أيضاً إلى مساهمة الجمعيات التعاونية الزراعية للتوت الأرضي والبالغ عددها أربع جمعيات في تعزيز التنمية الزراعية والاقتصادية، حيث تساهم في تحسين جودة المنتجات الزراعية، وتحسين دخل المزارعين وزيادة فرص العمل في هذا القطاع وتطوير المشاريع الزراعية المختلفة التي تساهم في رفع مستوى المعيشة في المجتمعات الريفية والمدنية.
ويبين أبو عودة العديد من التحديات التي أفرزها تواصل العدوان الإسرائيلي، ومنها الاستهداف المتعدد والمتكرر لشمال غزة وحالة النزوح المستمرة وعدم الاستقرار، وندرة المياه في الوقت الذي يستهلك فيه المحصول كميات كبيرة من المياه العذبة، وتدمير الجمعيات الزراعية وثلاجات التخزين، إلى جانب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج لهذا المحصول وتواصل الحصار ومنع إدخال أشتال الفراولة لزراعتها في المشتل ومن ثم الأرض المستديمة.

المساهمون