قفز "باب المندب"، المنفذ اليمني الاستراتيجي على البحر الأحمر، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إلى واجهة الأحداث المتصاعدة في المنطقة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد إعلان الحوثيين استهداف جميع أنواع السفن الإسرائيلية والتي تعمل لصالحها، داعية شركات الشحن العالمية إلى سحب مواطنيها العاملين عليها وتجنب التعامل معها.
إضافة إلى استهداف الحوثي جميع السفن التي تحمل علم إسرائيل، والسفن التي تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، أو تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية، داعيةً دول العالم لسحب مواطنيها العاملين ضمن طواقم هذه السفن، وتجنب الشحن على متنها أو التعامل معها، وإبلاغ سفنها بالابتعاد عنها، حيث استهدفت منذ ذلك الوقت مجموعة من السفن التجارية تؤكد سلطة صنعاء أنها تابعة لإسرائيل أو لدول تتعامل معها.
وأكدت مصادر مسؤولة في صنعاء أن الولايات المتحدة الأميركية فشلت في عسكرة البحر الأحمر في محاولة للسيطرة على الممر المائي اليمني باب المندب، الذي تلتزم بحمايته الدول المشاطئة للبحر الأحمر وفي المقدمة اليمن المخول له قانوناً بحماية أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب.
وأضافت أن الملاحة في البحرين الأحمر والعربي آمنة إلى كل الوجهات باستثناء الكيان الإسرائيلي، وأن العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية في البحرين الأحمر والعربي موجهة فقط ضد سفن إسرائيل والسفن المتوجهة إلى موانئها.
من جانبه، اتهم الناطق باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام في منشور كتبه على موقع "إكس" أميركا وشركائها بتهديد الملاحة الدولية بسبب محاولتها عسكرة البحر الأحمر لتوفير خدمة الأمان للسفن الإسرائيلية.
وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدد الشركات العالمية التي قررت عدم الإبحار في البحر الأحمر تفاديا لضربات الحوثي، أشار الخبير في الملاحة البحرية علي هزاع في حديثة لـ"العربي الجديد"، إلى خطورة الأحداث المتصاعدة في باب المندب والاضطراب الحاصل في أهم الممرات التجارية الدولية في البحر الأحمر، لافتاً إلى تأثر التجارة الدولية واقتصادات الدول ليس فقط إسرائيل بل والدول والشركات التي تسهل مهامها في التجارة الدولية والنقل البحري.
وتؤكد جماعة الحوثي أنها مستمرة في مساندة الشعب الفلسطيني واستهداف السفن الإسرائيلية وسفن الشركات والدول المتعاونة معها بالرغم من محاولة البعض التقليل من عمليات القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر وباب المندب.
إلا أن شركات شحن عالمية غيرت مسار سفنها حتى إشعار آخر، تماشياً مع الواقع الذي تم فرضه في منع مرور السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية ما لم يتم السماح بدخول الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني وتحديداً إلى قطاع غزة، رغم أن بعض هذه الشركات عاد إلى العمل عبر المضيق وإن على حذر، على غرار ما قررت في اليومين الأخيرين "ميرسك" و"سي إم إيه - سي جي إم".
بينما تصر شركات أُخرى، مثل العملاقة "هاباغ لويد إيه جي" الألمانية الأميركية على أنها ستُبقي سفنها بعيدة عن البحر الأحمر، ليبرز أمس الخميس، حظر الأردن تصدير وإعادة تصدير الأرز والسكر والزيوت النباتية بفعل ارتفاع كلفة الشحن جراء هذه الأزمة.
ويقول هزاع إن تبعات ما يحصل في باب المندب والبحر الأحمر يمثل حدثا مفصليا في تطورات الأوضاع والصراع الدولي في المنطقة حيث ستستمر تبعات ذلك بالتصاعد الخطير والواسع حتى بعد توقف الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ قد يشهد العالم صراعا واسعا بين الأقطاب الدولية الكبرى التي ستدفع بالمزيد من الحشود العسكرية والقوات والقطع البحرية والتي ستدفع صراعا خفيا منذ أعوام إلى العلن في ظل ما سترافقه من تحالفات واستقطابات متعددة، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير جذري في التجارة الدولية والاتفاقيات البحرية وارتفاع قياسي في تكاليف التأمين والشحن التجاري والذي سينعكس على الأسواق المحلية في كل دولة.
وجددت سلطة صنعاء أكثر من مرة تحذيرها لكافة السفن الإسرائيلية بأنها سوف تصبح هدفاً مشروعاً في حال مخالفتها لما جاء في البيانات التحذيرية الصادرة عن سلطة صنعاء.
في المقابل، اتهمت واشنطن الحوثيين بتلقي دعم مالي من إيران لتنفيذ هجمات ترى أنها غير مبررة على البنية التحتية المدنية والشحن التجاري، وتعطيل الأمن البحري وتهديد التجارة الدولية.
وأعلنت فرض عقوبات على 13 شخصاً وشركة زعمت أنهم يقدمون عشرات الملايين من الدولارات من بيع وشحن السلع الإيرانية إلى الحوثيين في اليمن. وتمنع العقوبات الوصول إلى الممتلكات والحسابات المصرفية الأميركية وتمنع الأشخاص والشركات المستهدفة من التعامل مع الأميركيين.
كما تسعى لتوسيع الشراكة البحرية بعد استهداف عدد من السفن التجارية وإصابة عدد منها في باب المندب والبحر الأحمر، حيث دعت واشنطن حلفاءها للانضمام إلى القوات البحرية المشتركة التي تعمل على تشكيلها.
الباحث الاقتصادي عصام مقبل يوضح لـ"العربي الجديد"، أن واشنطن التي عطلت مشروع القرار العربي الأخير في مجلس الأمن لإيقاف الحرب في غزة، وضعت باب المندب والبحر الأحمر في طليعة اهتمامها في ظل تربص دول منافسة أخرى مثل الصين وروسيا بمسار الأحداث المتصاعدة في أهم الممرات المائية الدولية.
وسخر الحوثيون من توجهات واشنطن بإنشاء قوة دولية لمواجهة الهجمات المتواصلة على السفن، قائلين إنه "قرار لا قيمة ولا أهمية له"، لكن بالمقابل تعتبر سلطة صنعاء مثل هذه الخطوة تهديدا لأمن واستقرار المنطقة.
ويشير مقبل إلى قيام الولايات المتحدة الأميركية بإرسال مبعوثها الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ في إطار مساعيها لتشكيل تحالف دولي في البحر الأحمر، حيث تتركز مهمة ليندركينغ بحشد جهود الحكومة اليمنية في عدن ضمن إطار هذا التحالف الدولي الذي أعلنت واشنطن عن تشكيله، حيث لم تجد أي تجاوب من دول عديدة، من ضمنها السعودية.
وناقش المبعوث الأميركي إلى اليمن في وقت سابق، مطلع ديسمبر/ كانون الأول، مع مسؤولين في الحكومة اليمنية التهديدات التي يتعرض لها أمن الملاحة الدولية جراء هجمات الحوثيين على السفن التجارية وتأثيراتها على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
في السياق، يؤكد خبراء اقتصاد ومراقبون أن الجغرافيا اليمنية هي المطمع الأول لعدد من الدول في المنطقة ولكثير من القوى الاستعمارية بشكل عام لتأمين مصالحها وتجارتها، ومنهم الباحث الاقتصادي والأكاديمي سفيان جامل الذي يشدد لـ"العربي الجديد" على نقطة محورية في هذا الخصوص تتعلق بتبعية باب المندب لليمن واستغلال العديد من الدول التي الحرب في اليمن لتكثيف وجودها بالقرب من هذا الممر الاستراتيجي.