مرة أخرى ظهرت على السطح توترات متباينة بين المكونين العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية حول الشركات الاقتصادية التابعة للجيش السوداني والمطالبة بولاية وزارة المالية عليها.
ويأتي ذلك وسط جدل، يرى فيه الفريق الأول أن شركات الجيش هي السبب في الأزمة التي يمر بها الاقتصاد السوداني، ولا بد من أن تضع وزارة المالية يدها عليها بصورة نهائية وكاملة.
أما الفريق الآخر، فيؤكد أن شركات الجيش ليست بالحجم الكبير المؤثر على اقتصاد الدولة، وأن الحديث عنها مجرد تبرير لفشل الإدارة الاقتصادية للحكومة الانتقالية.
ويقول وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم في تصريحات صحافية، مؤخراً، إن هناك تضخيماً حول الشركات الحكومية أو تلك التابعة للقوات المسلحة في صورتها، إذ إن كل دولة لديها شركات تابعة لها، خاصة تلك المتخصصة بالصناعات العسكرية.
ويمتلك الجيش السوداني العديد من الشركات التي لا تخضع لولاية وزارة المالية وتنشط مؤسساته الاقتصادية في عدد من المجالات من بينها تصدير اللحوم.
وأصدرت الولايات المتحدة الأميركية في مايو/ أيار الماضي تحذيراً للشركات والأفراد الأميركيين الذين ينشطون في العمل التجاري في السودان من مخاطر متعلقة بالتعامل مع الشركات التي يسيطر عليها الجيش.
ودعا بيان أصدرته الخارجية الأميركية الشركات والأفراد العاملين في السودان إلى مزيد من الحذر في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، وأن يكونوا على دراية بالمخاطر المحتملة من القيام بأنشطة تجارية والتعامل مع الشركات المملوكة للدولة والشركات التي يسيطر عليها الجيش.
وأضاف البيان: في حين أن بعض المخاطر تعود إلى ما قبل الانقلاب العسكري في السودان في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، إلا أن الاستيلاء على السلطة منذ ذلك الحين أدى إلى تفاقمها.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان لـ"العربي الجديد" أن حديث وزير المالية السوداني عن عدم وجود شركات تتبع للقوات النظامية تعمل في تعدين الذهب أمر غير مفهوم لأن مناطق الذهب تشهد وجود قوات نظامية تعمل علي حماية عمليات تعدين بما يشبه أنه تعدين تابع لتلك القوات النظامية، بل تطرد الأهالي من المناجم وتتصرف كأن التعدين تابع رسمياً لها.
ويقول إن كان ذلك التعدين لا يتبع لتلك القوات النظامية فيجب فوراً سحب تلك القوات من مناطق الذهب وإعطاء الأولوية لأهالي الأقاليم المنتجة للذهب بدلاً عن منحها بالقوة لجهات تحت اسم القوات النظامية، مشيراً إلى تمسك الجيش بمؤسساته الاقتصادية.
ومن جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي خالد التجاني في حديثه لـ"العربي الجديد" أن هناك محاولات للتقليل من تدخل القوات النظامية في أمر الاقتصاد.
وأضاف "من الواضح أن الحكومة تسعى إلى تحميل المواطن مسؤولية التحرير الاقتصادي، وهذا تناقض واضح، لأنه وفقاً لسياسات الاقتصاد الحر ليس للحكومة الحق في إدارة دفة الاقتصاد إلا في حدود ضيقة يتم التوافق عليها، ولكن ما يحدث الآن هو أن الأجهزة النظامية تعمل في كافة جوانب الاقتصاد، ما يجعلها تحصل على ميزات تنافس بها القطاع الخاص".
يؤكد الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان" أن حديث وزير المالية السوداني عن عدم وجود شركات تتبع للقوات النظامية تعمل في تعدين الذهب أمر غير مفهوم
وفي المقابل، يقول أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية محمد الناير لـ"العربي الجديد" إن "الشركات الحكومية التي تم رصدها حوالى 600 شركة، ولكن العاملة فعلياً منها عدد قليل، وفيما يتعلق بشركات المؤسسة الأمنية فإن حجمها لا يتجاوز 7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن ثمة تضخيماً للأمر".
ويطالب المحلل الاقتصادي هيثم فتحي بمزيد من الشفافية والحوكمة والمؤسسية لهذه الشركات، طالما أنها تتبع لحكومة السودان بغض النظر عن المالك لتكون تحت المراجع العام.
ويشير فتحي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى ما طرحه عدد من السياسيين في الفترة الماضية من مطالب إصلاحية، بعد توجيه انتقادات لهيمنة القوات المسلحة على عدة مجالات اقتصادية، وبذلك يمكن طمأنة المستثمرين الأجانب بحرية العمل الاستثماري في السوق السوداني.
واستناداً لبعض البيانات المالية الواردة في تقارير وزارة المالية، وسوق الخرطوم للأوراق المالية، وعدد من الدراسات، فإن مجموعة الصناعات الدفاعية هي الشكل المؤسسي الذي تم تحت مظلته تجميع عدد من الشركات الفرعية التابعة للجيش، لتكون تحت إدارة موحدة تفعيلاً للحوكمة والمؤسسية.
وتقدر أصول وموجودات هذه المجموعة بحوالي 750 مليون دولار، تضاف إليها أصول بنك أم درمان الوطني بحوالي 250 مليون دولار، لتكون القيمة التقديرية لكل استثمارات الجيش في حدود مليار دولار.