هناك دول تهب مدافعة عن حقوق وكرامة مواطنيها في الداخل والخارج، وقد تخوض معركة دبلوماسية كبيرة في حال تعرض مواطن لإهانة أو سلوك عنصري بغيض، أو تم هضم حقوقه المادية في الخارج.
هذه الحكومات تؤمن بمبدأ المواطنة، وتحافظ على الصورة الذهنية للمواطن عبر احترام آدميته في الداخل، وتقديم الخدمات التي تليق به، بل وتعتبر أن هيبة الدولة تكمن في كرامة المواطن.
وفي المقابل، هناك حكومات تتعامل مع المواطن على أنه عدو، أو على الأقل تنظر إليه على أنه عبء شديد عليها وعلى خزانة الدولة، ولذا لا تحرك أي ساكن في حال إهانة مواطنيها في الخارج والتعدي عليهم، بل وحتى في حال سحلهم وسجنهم ظلما، ولا تعبأ بأي ممارسات خارجية توجه الإهانات لمواطنيها ليل نهار، ولذا تجعل تلك الدول من مواطنيها ألعوبة في الداخل وأضحوكة العالم.
هناك حكومات تتعامل مع المواطن على أنه عدو، أو على الأقل تنظر إليه على أنه عبء شديد عليها وعلى خزانة الدولة
احترام المواطن يبدأ من الداخل عبر منحه حقوقه الأساسية والحفاظ على كرامته، وأول الحقوق التي تحافظ الدول عليها هي حقوق الإنسان التي باتت اليوم معيارا لتقييم أداء السلطات الحاكمة في دول العالم المختلفة.
ومن حق الإنسان تتفرع حقوق أخرى، من الحق في الأمن والعدالة والتعليم والصحة والسكن والمواصلات والبنية التحتية، وتوفير فرص عمل وتكلفة معيشة مناسبة، وقبلها التمتع بالحريات العامة ومنها حرية الرأي والتعبير.
إضافة إلى مهمات أخرى منها حماية المواطن من الفساد والبلطجة والاحتكارات والغلاء واستغلال التجار والشركات واضطرابات الأسواق خاصة أسواق السلع والصرف.
عالميا، النماذج كثيرة، وأحدث مثال على ذلك ما حدث في بريطانيا أمس الثلاثاء حيث ألزمت الحكومة شركات المياه في كل من إنكلترا وويلز بإعادة 114 مليون جنيه استرليني (138.9 مليون دولار) للعملاء عن طريق خفض قيمة الفواتير في العام المقبل، والسبب في ذلك هو عدم تحقيق تلك الشركات الأهداف الرئيسية التي وعدت بها المستهلك وتتعلق بالحد من التلوث، وتسريب المياه، وتقديم خدمات أفضل.
كما أن هناك 13 شركة مياه من أصل 17 شركة خفضت إنفاقها على تحسين البنية التحتية لشبكات مياه الشرب والصرف الصحي وتنقية المياه، وهو ما يخالف تعهداتها للعملاء.
وبحسب تقرير هيئة تنظيم خدمات المياه البريطانية "أوفوات Ofwat"، فإن أقل من نصف هذه الشركات استطاع منع ضخ مياه الصرف في الأنهار، بينما لم تصل أي منها إلى الدرجة العليا في تقييم الأداء من قبل العملاء، وهو ما أدى إلى فرض غرامات ضخمة عليها لصالح المستهلكين.
لا يقف الأمر عند حد إرغام الحكومة البريطانية الشركات المخالفة على إعادة الأموال للعملاء، بل وصل إلى حد إرغامها على خفض الأسعار
لا يقف الأمر عند حد إرغام الحكومة البريطانية الشركات المخالفة على إعادة الأموال للعملاء، بل وصل إلى حد إرغامها على خفض الأسعار وتقليل كلفة الإنتاج على الرغم من النظام الاقتصادي المطبق والذي ينص على حرية الأسواق في تحديد الأسعار وفق العرض والطلب، وأن الدولة ليست تاجرا، بل منظم ورقيب.
فقد اعلنت هيئة تنظيم الطاقة في المملكة المتحدة (أوفغيم)، خفض أسعار فواتير الطاقة عدة مرات أحدثها بنحو 7% بدءاً من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل. كما عملت الحكوماات المتعاقبة على ردم الفجوة بين الأجور وتكلفة المعيشة.
وفي سبتمبر/أيلول 2022 ثبتت بريطانيا أسعار الطاقة لمدة عامين للأسرة العادية للتصدي لارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة فواتير الكهرباء والطاقة. تكرر المشهد في دول أوروبية عدة منها ألمانيا وفرنسا والنرويج والسويد وسويسرا وغيرها.
وفي إيطاليا وفي تصرّف دبلوماسي لافت، سددت الحكومة قبل أيام فاتورة طعام بالنيابة عن 4 سائحين من مواطنيها في ألبانيا. وكان السائحون الإيطاليون قد نزلوا في مطعم بمدينة بيرات التاريخية الألبانية حيث أكلوا ثم انصرفوا دون أن يدفعوا الثمن.
هنا تحركت حكومتهم بسرعة للمحافظة على سمعة المواطن، وأصدرت السفارة الإيطالية في ألبانيا بيانا أكدت فيه أنها سددت بالنيابة عن مواطنيها الفاتورة البالغ قيمتها نحو 68 دولارا، وأكدت أن الإيطاليين يحترمون القواعد ويسددون ما عليهم .. وأنها تأمل ألا تتكرر حوادث من هذا النوع مجددا.
هكذا تتصرف الحكومات للمحافظة على صورة مواطنيها، فالدول مسؤولة عن المحافظة على هذه الصورة، لأنها منتخبة من قبل المواطن، وتحصل منه على ضرائب، ومن المفروض أن توجه تلك الضرائب لتوفير خدمات عالية في كل المجالات والأنشطة، ومن بين الخدمات صون سمعة المواطن.