استمع إلى الملخص
- **التضخم والاتفاقات الدولية**: تجاوز معدل التضخم في مدن مصر 28% في مايو، بعد اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي على تقديم مليارات الدولارات، مما سمح بتراجع العملة أمام الدولار.
- **تحسن النظرة المستقبلية**: عدلت وكالة فيتش نظرتها المستقبلية لديون مصر إلى إيجابية، وتوقع بنك غولدمان ساكس ومعهد التمويل الدولي وصول احتياطي النقد الأجنبي إلى 50 مليار دولار بنهاية 2024، رغم تدني دخل الفرد السنوي.
مع بداية العام الحالي، أعلنت الحكومة المصرية زيادة أسعار مجموعة من السلع الأساسية والخدمات، الأمر الذي زاد من أعباء المواطنين، في وقتٍ لم تشهد فيه الرواتب الزيادة التي يمكن لها أن تعوض تراجع سعر الجنيه مقابل الدولار. وفقد الجنيه المصري حتى يومنا هذا ما يقرب من ثلثي قيمته في فترة لم تتجاوز 25 شهراً، بدأت في الربع الأول من عام 2022، بعد أن ارتفع سعر الدولار من 15.80 إلى نحو 48 جنيهاً تقريباً.
وسبّب ذلك تراجع القدرة الشرائية لكل المصريين تقريباً، بعد أن رفعت الحكومة سعر الخبز، والكهرباء، ووسائل النقل، وسمحت لشركات الاتصالات برفع أسعار خدمات الإنترنت والاتصالات. أيضاً ارتفعت أسعار الحديد والأسمنت والألومنيوم، والخُضَر والفاكهة، والخدمات الصحية ومصاريف التعليم، ما اضطر المصريين إلى اللجوء إلى مدخراتهم، التي تراجعت بصورة كبيرة، مع بقاء التضخم في البلاد قريباً من أعلى مستوياته على الإطلاق.
والشهر الماضي، أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) تجاوز معدل التضخم في مدن مصر 28% في شهر مايو/ أيار الماضي. وجاء ذلك بعد أقل من أسبوع من إعلان توصل حكومة مصر وصندوق النقد الدولي إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الثالثة لبرنامج قرض موسع، الأمر الذي سمح بصرف حوالى 820 مليون دولار للقاهرة، بعد موافقة المجلس التنفيذي للصندوق على زيادة التسهيل المقدم إلى القاهرة لأكثر من تسعة مليارات دولار.
وجاءت موافقة الصندوق، ومعها الاتفاق على مليارات أخرى من البنك الدولي ومن الاتحاد الأوروبي بعد أن سمح البنك المركزي المصري للعملة المصرية بالتراجع أمام الدولار، ليصل سعرها إلى 50 جنيهاً للدولار، ودفعت أوراق الدين الحكومية أكثر من %30 لمستثمري الأموال الساخنة، في أعقاب اتفاق حكومة مصر مع شركة أبوظبي القابضة على صفقة تاريخية لتطوير منطقة رأس الحكمة.
ودفعت حكومة دولة الإمارات، بموجب الاتفاق، مبلغ 24 مليار دولار للحكومة المصرية، واتفقت معها على تحويل ما يعادل 11 مليار دولار من ودائعها لدى البنك المركزي المصري إلى مساهمة إضافية في المشروع بالعملة المحلية، ليصل إجمالي استثمار الإمارات في هذا المشروع وحده إلى نحو 35 مليار دولار. وبخلاف أموال صندوق النقد والبنك الدوليين، والاتحاد الأوروبي، كانت هناك مليارات أخرى اتُّفق عليها، وكان آخرها ما جاء في الاتفاق الذي وقعته مجموعة الديار القطرية لاستثمار ما يقرب من 12 مليار دولار في عدة مشروعات عقارية في مصر.
تتدفق كل تلك المليارات على مصر في وقت تنقطع فيه الكهرباء بصورة منتظمة عن أغلب المصريين لساعات، بسبب عدم توافر المبالغ المطلوبة لاستيراد الوقود اللازم لإضاءة المحروسة، ورغم التعهدات الحكومية، لا يتوقع انتهاء الأزمة قبل نهاية العام الحالي. وقبل شهر تقريباً، وبالتزامن مع إعلان البنك المركزي المصري تسجيل أعلى احتياطي للنقد الأجنبي في تاريخ البلاد، بُشر المصريون بمدّ ساعات تخفيف الأحمال، وهو اللفظ المخفف لقطع الكهرباء، لتصبح ثلاث ساعات يومياً بدلاً من ساعتين. ومع الرفض الشعبي أكدت الحكومة المصرية أن هذا المد سيكون ليوم واحد فقط، إلا أن الأمر تكرر عدة مرات، ولعدد ساعات أكبر.
لم يكن احتياطي النقد الأجنبي البقعة الوحيدة البيضاء في الاقتصاد المصري في الفترة الأخيرة، حيث عدلت وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية إلى ديون مصر المقومة بالعملة الأجنبية طويلة الأجل من مستقرة إلى إيجابية، مشيرة إلى انخفاض مخاطر التمويل الخارجي على المدى القريب على خلفية تدفقات النقد الأجنبي من اتفاق رأس الحكمة وتعويم الجنيه ورفع أسعار الفائدة وتضاعف حيازات الأجانب لتصل إلى 35.3 مليار دولار.
وفي السياق، اعتبر "بنك أوف أميركا" أن سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار "قريب جداً من قيمته العادلة"، مرجحاً، في تقريره الدوري ارتفاع سعر الجنيه أمام العملة الأميركية على المدى القريب، بصورة تعكس تعافي تدفقات النقد الأجنبي في البلاد. وأشار البنك الأميركي إلى أن تلك التحولات يمكن أن تساهم في تقليص عجز ميزان المدفوعات المصري.
وتوقع بنك غولدمان ساكس الاستثماري الأميركي ومعهد التمويل الدولي وصول احتياطي النقد الأجنبي لمصر إلى 50 مليار دولار على الأقل بنهاية 2024. وقبل أسبوعين، أعلن البنك المركزي المصري انخفاض ديون مصر الخارجية بنسبة 4.4% خلال الربع الأول من عام 2024، بعد تراجعها إلى 160.607 مليار دولار مقارنة بـ168.034 مليار دولار في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبتراجع يُقدَّر بنحو 7.427 مليارات دولار.
هذه الصورة الوردية، التي يمكن اختصارها بتراجع الدين الخارجي، وارتفاع احتياطي النقد الأجنبي لأعلى مستوياته على الإطلاق، وتحسن النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، مع تزايد تدفقات الاستثمارات الأجنبية بصورة غير مسبوقة إلى قطاعات العقارات والسياحة والنقل وغيرها، وأيضاً إلى سوق أوراق الدين المصرية، لم تظهر في أي لقطة سابقة خلال ما يزيد على خمسة عشر عاماً، ما يعني أنه في ما يخص أزمة مصر الكبرى، المتعلقة باستمرار تزايد عجز الحساب الجاري في البلاد، يقف الاقتصاد المصري في أفضل نقطة له منذ عام 2009.
المشكلة الحقيقية أن أياً من ذلك لم ينعكس، حتى الآن، على مستوى معيشة المواطن المصري المتوسط. هذا المواطن الذي كشف البنك الدولي، في أحدث تقاريره، عن تدني دخله، بعد استقرار مصر في فئة الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، حيث بلغ متوسط دخل الفرد السنوي في مصر عام 2023 حوالى 3,900 دولار، وهو ما كان أقل كثيراً من متوسط دخل الفرد في العالم، والبالغ 13,212 دولاراً.
أي حديث بعد ذلك عن إنجازات أو تحولات ونجاحات في المشهد الاقتصادي في مصر لا يمكن أخذه على محمل الجد قبل أن نرى دخل المواطن يرتفع، ومستوى معيشته يقترب من المستويات العالمية، مثلما رُفع شعار "الأسعار العالمية" للغذاء والطاقة والمواصلات والخدمات في وجه المواطن في مصر.