شهدت ليبيا، خلال الفترة الأخيرة، نوعا من الاستقرار النسبي، فقد هدأت أصوات الرصاص والمدافع والطائرات المقاتلة والصواريخ والحرب البرية والجوية والإلكترونية.
وجلس الفرقاء السياسيون والأطراف المتحاربة حول طاولة واحدة للتفاوض، والبحث عن حل للأزمة السياسية والأمنية الطاحنة التي تمر بها البلاد، ووضع نهاية لحرب أهلية شرسة استمرت لسنوات طوال، وأكلت الأخضر واليابس، وأفقرت المواطن، وتسببت في انهيار الاقتصاد وانقسام المؤسسات النفطية وضياع مليارات الدولارات، وتدهور البنية التحتية، وتردّي الخدمات العامة والأوضاع المعيشية، وفتحت الباب على مصراعيه أمام أطراف دولية وإقليمية لمحاولة السطو على ثروات البلاد، وفي مقدمتها النفط والغاز.
وعلى الرغم من أن البعض ينظر لهذا الاستقرار على أنه لا يزال هشاً وقابلاً للانكسار في أي لحظة، إلا أن الزخم السياسي الذي تدعمه بقوة الأمم المتحدة وأطرف دولية وإقليمية عدة يمكن أن يعمق ذلك الاستقرار، وبالتالي يتم الاتفاق على رسم خريطة محددة لمستقبل ليبيا، قائمة على تطبيق دولة القانون والمواطنة، ومشاركة كل الأطراف الفاعلة في تحديد ذلك المستقبل من دون إقصاء لأحد.
استقرار ليبيا مهم جدا للمواطن الذي يعاني تدهوراً في كل شيء، وتآكلاً لثروات بلاده وضياعاً للمستقبل، فانتخاب حكومة وحدة وطنية سيفتح الباب أمام استعادة الأموال التي نهبها نظام معمر القذافي، والاستفادة من ثروات البلاد الهائلة في تحسين خدمات البنية التحتية المتهالكة، وتأسيس مشروعات مولّدة لفرص العمل، وطرح برامج اجتماعية تستهدف حماية الفقراء والمشردين، وتحويل ليبيا إلى بلد سياحي، خاصة مع الإمكانيات الضخمة التي تتمتع بها من آثار قديمة وشواطئ وسواحل شاسعة على البحر المتوسط وغيرها.
كما أن استقرار ليبيا سيؤدي حتماً إلى عودة مستويات الإنتاج النفطي إلى ما قبل الثورة الليبية والبالغ 1.7 مليون برميل يوميا، وهو ما يعني تدفق مليارات الدولارات على الاقتصاد الليبي وشرايينه، وهذه الأموال يمكن أن تُحدث تنمية حقيقية في البلاد، من حيث تطوير البنية التحتية المتهالكة، وإقامة المصانع، واستصلاح ملايين الأفدنة، وتحقيق الأمن الغذائي، وبالتالي يمكن أن تكون ليبيا سلة غذاء العرب، خاصة مع إمكانية امتلاكها ثروات ضخمة ومساحات شاسعة صالحة للزراعة وأيدي عاملة رخيصة يمكن أن تستقطبها من دول مجاورة.
استقرار ليبيا ليس مهماً فقط للمواطن، لكنه مهم للمنطقة العربية، فليبيا قد تكون حلاً مثالياً لأزمة البطالة في العديد من الدول العربية، في ظل فرص العمل الضخمة الكامنة فيها، وتعدّ متنفسا للعمالة المصرية والسودانية والجزائرية والمغربية والأردنية والسورية وغيرها الباحثة عن فرصة عمل، كما تعد بديلا للعمالة العربية العائدة من دول الخليج بسبب الأزمات المالية التي تمر بها. كما أن السوق الليبي بحاجة إلى آلاف الشركات العربية العاملة في كل التخصصات، خاصة في قطاعات الطاقة، نفط وغاز وكهرباء، وأنشطة المقاولات والبناء والتشييد والتجارة والصناعة والبنية التحتية وغيرها، إذ أن ليبيا سوق بِكر من حيث الاستثمارات والمشاريع.
وفي حال وجود حكومة منتخبة واستقرار سياسي، فإن ليبيا يمكن أن تكون في مقدمة الدول الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية في قطاعات عدة، منها السياحة والخدمات والصناعة والتنقيب عن النفط والغاز، خاصة مع وجود فرص استثمار هائلة بها في كل القطاعات.
ببساطة، ليبيا يمكن أن تكون حلا لكثير من الأزمات المعيشية الطاحنة التي يعاني منها المواطن العربي خاصة في زمن كورونا مثل تلك المتعلقة بالبطالة والفقر.
واستقرار ليبيا سيغلق الباب أمام الثورات المضادة التي تحرص على إثارة الفوضى في ذلك البلد النفطي الضخم، لأسباب عدة، منها حرمان المواطن الليبي من حياة أفضل، وضمان استمرار اعتماد ليبيا على الخارج، خاصة في مصادر الغذاء والأدوية، والأهم إظهار أن الثورات العربية هي من أفقرت المواطن، وبالتالي يجب عليه أن يلعنها صباح مساء.