في واحدة من حلقات "الاختيار" الذي تمت إذاعته في شهر رمضان، وجد المشاهد نفسه أمام معلومة يسعى المسلسل المصري لتوصيلها وتعميقها وزرعها لدى الجمهور وهي أن حركة حماس التي تحكم قطاع غزة إرهابية، وأنها من وقفت وراء ثورة 25 يناير، وأنها ساهمت في قتل الجنود المصريين في سيناء، وأن الرئيس المنتخب محمد مرسي وقيادات الإخوان تخابروا مع الحركة، وأن أحمد عبد العال القيادي في حماس والمسؤول عن النشاط الأمني للحركة في سيناء يدعم الإرهاب في الأراضي المصرية، خاصة وأنه مسؤول أيضاً عن الاتصال بعدد من نشطاء تنظيم داعش الإرهابي.
وحسبما قرأت فإن هذه النقطة تكررت في عدة مشاهد في المسلسل المصري وبصور مختلفة.
أمس فوجئ نفس المشاهد بتبرع مصري سخي لقطاع غزة الذي تحكمه حماس منذ سنوات طويلة وبقيمة 500 مليون دولار للمشاركة في إعادة إعمار ما هدمته الآلة العسكرية الإسرائيلية الوحشية، بل وأن الشركات المصرية ستشارك في خطة إعادة الإعمار، وهذا القرار ورغم استغرابه من قطاع كبير من المتابعين فإنه يجب الإشادة به خاصة مع إعلانه في هذا التوقيت الحرج الذي تدك فيه الآلية الجهنمية كل شبر في غزة.
وما بين الموقفين، الدرامي والمالي أو اللوجستي، مسافات وأسئلة لا يفهم كثيرون أبعادها ومغزاها والإجابة عنها حتى الآن، ولماذا التغير الدراماتيكي في الموقف المصري نحو حركة حماس وقطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ سنوات عموما.
فجرت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحماس، أنبوب نقل النفط الواقع داخل دولة الاحتلال بـ20 صاروخا من طراز Q20، وهو المشروع المنافس لقناة السويس
هل التغير بسبب الخدمة الكبيرة التي قدمتها حركة المقاومة الإسلامية حماس لمصر قبل أيام حينما فجرت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية للحركة، أنبوب نقل النفط الواقع داخل دولة الاحتلال بـ20 صاروخا من طراز Q20، وهو المشروع المنافس لقناة السويس ويتم تشييده وإعادة إحيائه باستثمارات إماراتية ضخمة ويربط بين إيلات جنوباً وعسقلان شمالا على البحر المتوسط، ومن المخطط أن ينقل النفط الإماراتي ثم الخليجي من البحر الأحمر للأسواق الدولية، وبالتالي يأخذ أهم عميل من قناة السويس.
وهنا يهدد الأنبوب القناة المصرية بشكل مباشر، خاصة وأن معظم إيراداتها من عبور ناقلات النفط العملاقة. وبالتالي فإن الموقف المصري يأتي متناغما مع أي خطوة من شأنها المحافظة على أمن البلاد القومي بما فيه أمنها الاقتصادي.
أم أن التغير يعود إلى أمور متعلقة بسد النهضة والمأزق الذي تواجهه القاهرة في هذا الملف ومحاولة مصر الضغط على أطراف دولية يهمها أمن إسرائيل للتدخل لحل هذا الملف المعقد لصالح مصر؟
أم أن الأمر أبعد من ذلك ويتعلق بعودة مصر مرة أخرى إلى الاهتمام بالقضية الفلسطينية ودعمها، وهو الدور الذي رعته طوال سنوات طويلة، وإدراك القاهرة أن اهمال هذا الملف سمح لأطراف عربية وخليجية بالتدخل فيه لصالح دولة الاحتلال وإطلاق مشروعات تطبيع كبرى من شأنها الإضرار بأمن مصر القومي والاقتصادي وبقناة السويس؟
ليست تلك الأسئلة المعلقة فقط لى الكثير، بل هناك أسئلة تتعلق بالدعم المصري السخي الذي أعلنت الرئاسة المصرية أمس الثلاثاء عن تقديمه لقطاع غزة التي تحكمها حركة حماس وبشكل فاجأ حتى الفلسطينيين أنفسهم.
غموض حول مصادر تمويل الدعم السخي الذي قررت مصر تقديمه لقطاع غزة وبقيمة نصف مليار دولار
لماذا هذا التمويل الضخم البالغ قيمته نصف مليار دولار، أي ما يقارب 8 مليارات جنيه مصري، في هذا التوقيت خاصة وأن الحرب على غزة لم تضع أوزارها، وأن ملامح إعادة الإعمار لم تتضح بعد، ولم يتحدث أحد من الأصل عن مشاريع إعادة الإعمار فما يهم الجميع الآن هو وقف اطلاق النار والعدوان الإسرائيلي على القطاع.
وما هي مصادر تمويل هذا الدعم السخي، وإذا كانت مصر تعاني من أزمة مالية بسبب تداعيات وباء كورونا على الأنشطة الاقتصادية ومنها السياحة والاستثمارات الأجنبية وقناة السويس، فمن أين سيتم جلب مبلغ ضخم كهذا وبالنقد الأجنبي؟
هل سيتم الحصول على قرض دولي توجه حصيلته لتمويل مشاركة مصر في خطط إعادة إعمار غزة، هذا بالطبع أمر صعب، أم سيتم تمويل الدعم مباشرة من الموازنة المصرية التي تعاني أصلاً من عجز كبير، أم يأتي التمويل من صندوق تحيا مصر، أم من تبرعات المصريين، أم أن هناك جهة خارجية، وتحديدا إماراتية، ستتحمل التكلفة كما تردد؟
على العموم، اجابات كبار المسؤولين المصريين عن بعض تلك الأسئلة جاءت متباينة خاصة فيما يتعلق بمصادر التمويل، وهو ما يثير علامات استفهام أخرى.