تشير مؤشرات تطور تعزيز العلاقات بين السعودية وإيران إلى المضي قدماً في تأسيس غرفة تجارية مشتركة، وهي الفكرة التي اقترحها وزير الاقتصاد والشؤون المالية الإيراني، إحسان خاندوزي، بعد أقل من شهر على توقيع اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين برعاية صينية، ما يسلط الضوء على العائد الاقتصادي المتوقع لهذه الخطوة، وما إذا كانت الرياض ستتمكن من تجاوز العقوبات الغربية المفروضة على إيران.
وفي هذا الإطار، شرع القطاع الخاص الإيراني في اتخاذ إجراءات لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع السعودية، وبدء تبادل زيارات وفود رجال الأعمال لتشدين تبادل تجاري بين البلدين، يركز على قطاعات عدة، على رأسها النفط والغذاء، حسبما نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية.
فطهران تحتاج إسناد السعودية في قطاعات عدة، أبرزها القطاع النفطي، لأن إيران منتج كبير للنفط، لكنها تعاني من قدم الكثير من المصافي في مجال الإنتاج، حسبما أورد تقرير لصحيفة "فاينانشال تريبيون" الإيرانية.
وفي المقابل، فإن السعودية بحاجة إلى الخبرة الإيرانية في مجال تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وتنويع مصادرها، وفق التقرير الذي أكد أن تعميق العلاقات الاقتصادية مع إيران من شأنه تعزيز توجه السعودية نحو "الاستقلال" بعيداً عن نفوذ التأثير الأميركي في سياساتها الخارجية، وهو ما يتلاقى مع تقدير طهران لمصالحها الاستراتيجية أيضاً، وهو اشتراك نادر للرؤية بين البلدين، بعد عقود من الصراع الإقليمي.
شراكة طموحة
يشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن تأسيس غرفة تجارية مشتركة بين السعودية وإيران يمثل استكمالاً وترسيخاً لعودة العلاقات بين البلدين بشكل كامل، وسيكون مفيداً بالتأكيد للجانب الإيراني أكثر من الجانب السعودي؛ لأن تنافسية السلع الإيرانية أكبر من نظيرتها السعودية من حيث انخفاض الأسعار.
في المقابل، تحاول السعودية رفع التبادل التجاري بينها وبين إيران، عبر تأسيس الغرفة، بحيث تتساوى مع باقي الدول في التبادل التجاري مع الجمهورية الإسلامية، خاصة تركيا والإمارات، بحسب الشوبكي.
وأشار إلى أن قيمة التبادل التجاري بين السعودية وإيران كانت أقل من 300 مليون دولار عام 2016، ثم انخفضت بعد قطع العلاقات بين البلدين إلى قيم أقل بكثير حتى العام الماضي. لكن من المتوقع أن تنهض الشراكة الاقتصادية الحالية بين البلدين بالطموح التجاري لكل منهما، بما يتجاوز قيمة التبادل التجاري بين إيران والإمارات، والتي بلغت 2 مليار دولار، وفق الشوبكي.
عقبات محتملة
يلفت الخبير الاقتصادي إلى وجود "عقبات محتملة لا يمكن التنبؤ بها" قد تؤثر على تحقيق الأهداف المرجوة من غرفة التجارة المشتركة بين البلدين، منها مآل المفاوضات الجارية بين إيران والقوى الغربية بوساطة عُمانية، فيما يخص برنامج طهران النووي.
فإذا نجحت المفاوضات ورُفعت العقوبات عن إيران فإن ذلك سيدعم بالتأكيد مضاعفة كبيرة للتبادل التجاري السعودي الإيراني، إضافة إلى التعاون بين البلدين في قطاعات عدة، على رأسها المنتجات النفطية والبتروكيماوية، والتي هي ضمن دائرة العقوبات الأميركية والأوروبية.
أما في حال فشل المفاوضات الإيرانية - الغربية، فإن الشركات السعودية المتعاونة مع الشركات الإيرانية ستكون معرضة لمطرقة العقوبات الأميركية والأوروبية، ما سيكبح من قدرتها على المضي بعيداً في اتجاه الشراكة مع طهران، حسبما يرى الشوبكي، مشيراً إلى أن المؤشرات الخاصة بنجاح المفاوضات ليست محسومة حتى الآن، وبالتالي فالجزم بنجاح خطوة غرفة التجارة السعودية الإيرانية لا يزال مبكراً.
ويلفت تقرير "فاينانشال تريبيون" إلى أن حدوث تجدد للتوترات أو الصراعات، بسبب الخلافات الإقليمية، أو الدينية، أو الأمنية السابقة مع إيران هو أحد خطرين يهددان تعميق العلاقات الاقتصادية بين الرياض وطهران.
ويوضح التقرير أن الخطر الثاني يتمثل في فقدان المملكة العربية السعودية بعض الحصص السوقية بدخول إيران منافساً في قطاعات حيوية، مثل النفط والغاز، أو التأثير في أسعارهما، خاصة في حال نجاح المفاوضات بين إيران والقوى الغربية ورفع العقوبات عنها.
وحتى في حال عدم رفع العقوبات عن إيران، فإن طهران يمكنها تحقيق استفادة كبيرة من تأسيس الغرفة التجارية المشتركة مع السعودية، عبر تخفيف آثار العقوبات، عبر شراكة توفر سوق إضافي للمنتجات الإيرانية، فضلاً عن إمكانية قيام السعودية بإعادة إنتاج المواد الخام الإيرانية، والاستفادة من عوائد تصديرها، وهو الدور الذي تقوم به الإمارات حالياً، بحسب التقرير.