لم تعد أزمة العمل في قطاع غزة تقتصر على مستويات البطالة المرتفعة فقط، بل توسعت لتشمل العاملين أيضاً لدى مؤسسات القطاع الخاص، الذين لا تكفي رواتبهم المتدنية لسد أدنى احتياجاتهم الأساسية.
وتكشف أحدث التقارير الإحصائية الفلسطينية عن عدم حصول 90% من العاملين في القطاع الخاص في قطاع غزة على الحد الأدنى للأجور، وهو ما يتزامن مع الارتفاع الجنوني للأسعار ضمن أزمة التضخم العالمية. ويعيش قطاع غزة أزمة إنسانية اقتصادية بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ العام 2006، ما انعكس على الظروف المعيشية للفلسطينيين ومستويات الفقر الذي تجاوزت نسبته 53%، حسب بيانات رسمية.
وقال نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة، سمير زقوت، إنّ "الأشهر الماضية شهدت ارتفاعاً في أسعار السلع الأساسية بشكل كبير في ظل ارتفاع نسبة الفقر". وأضاف زقوت، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "ارتفاع الأسعار يحرم الفئات الضعيفة من التمتع بحقوقها الأساسية ويساهم في زيادة أعداد الفقراء وانعدام الأمن الغذائي". وأكد أنه بالتزامن مع هذه الظروف الصعبة، فإن نسبة المستخدمين بأجر في القطاع الخاص الذين يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجور بلغت 90% في العام 2022، مشيراً إلى أنّ المطلوب من الجهات الفلسطينية التصدي لمشكلة الفقر والبطالة في قطاع غزة والاقتطاع الضريبي بما يخدم تحسين الأوضاع المعيشية.
وحصار الاحتلال الإسرائيلي قطاعَ غزة منذ 2006، واستهدافه القطاعات الاقتصادية والصناعية والزراعية، وتدميرها، أدت لتدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية في القطاع، وفق زقوت، الذي شدد على ضرورة وجود "تدخل دولي لوقف الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة ورفع الحصار وتحمل المسؤوليات القانونية والأخلاقية تجاه السكان المحاصرين منذ 16 عاماً".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من وصول الجوع إلى معدلات قياسية في الأراضي الفلسطينية، حيث تستمر أزمة الغذاء العالمية في دفع المزيد من الناس إلى مستويات متدهورة.
وحسب بيان للبرنامج الأممي، فإن 1.78 مليون شخص في فلسطين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وأشار البيان إلى أن معظم المناطق الفلسطينية تأثرت بارتفاع الأسعار وتعطّل سلاسل التوريد العالمية.
وذكر أن الدراسات الميدانية لبرنامج الأغذية العالمي تظهر أن حوالي 1.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد ويعيش نحو 90% منهم في قطاع غزة.
وبشأن أوضاع العمال في قطاع غزة، قال رئيس اتحاد عمال فلسطين في غزة، سامي العمصي، إن 84 ألف عامل في القطاع الذي يعاني سكانه أوضاعا اقتصادية صعبة يتقاضون 700 شيقل شهرياً (نحو 200 دولار) أو أقل من ذلك، وهو ما نسبته 80% من إجمالي المستخدمين بأجر في القطاع الخاص الذين يعملون في مجالات مختلفة".
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من وصول الجوع إلى معدلات قياسية في الأراضي الفلسطينية
وأضاف العمصي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأجور اليومية في قطاع غزة انخفضت في ظل ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل لأكثر من 300 ألف شخص بنسبة 63%". ولفت إلى أن "هذا الواقع يستدعي تطبيق الحد الأدنى للأجور، لأن بعض الشركات والمؤسسات والمصانع الكبيرة تستغل الحصار لأجل خفض رواتب العمال بشكل كبير وأقل من مستوى الحياة الكريمة"، مشيراً إلى أنّ "الاتحاد لا يمكنه الصمت على استمرار الواقع بهذا الشكل، لذلك نبذل كل الجهود لتحقيق حياة كريمة للعامل الفلسطيني".
وأوضح العمصي أن قرابة 65% من العاملين في السوق المحلي في قطاع غزة يعملون بلا عقود عمل.
وفي بيان نشرته وكالة أونروا في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، أفادت بأن تصاعد التوترات وعدم الاستقرار السياسي وجائحة كورونا وتكرار الاعتداءات الإسرائيلية، إضافة لـ16 عاماً من الحصار، فاقمت الأوضاع المعيشية في غزة. وذكرت الوكالة الأممية أنّ "هذه العوامل مجتمعة أدّت إلى زعزعة استقرار حياة الأفراد والمجتمعات المحلية، وزادت من المصاعب التي يواجهونها".
ولفتت إلى أنّه مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل استثنائي، فإن الحالة الإنسانية الهشة بالفعل تهدد بمزيد من التدهور، بحيث يعتمد ثلاثة من كل أربعة أشخاص من سكان غزة على المعونة الغذائية الطارئة. وقالت "أونروا" إنّ "معظم الأسر قد استنفدت جميع آلياتها المالية للتكيف وأصبحت تكافح من أجل وضع الخبز على المائدة". وأشارت إلى أن أكثر من 40% من سكان غزة يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي الحاد.