لا تزال معاناة التاجر الفلسطيني شادي الزيتونية متواصلة، بفعل تدمير محلاته التجارية، بعد قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية برج "الشروق" المكون من 13 طابقاً، ويقع في شارع عمر المختار التجاري وسط مدينة غزة، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.
ورغم انقضاء ما يزيد على ستة أشهر على العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي استمر 11 يوماً، مخلفاً دماراً واسعاً، وخسائر فادحة، لم يتمكن مالك محلات "زيتونية" للأحذية والملابس حتى اللحظة من معاودة نشاطه التجاري، بفعل الخسائر الكبيرة التي تعرض لها، حيث سويت محلاته ومخازنه بالأرض، وإلى جانبها عشرات المحلات التجارية، التي لم تحصل حتى اللحظة على أي تعويض.
ويقول الزيتونية لـ "العربي الجديد" إن محلاته دُمرت، فيما احترقت المخازن والبضائع الجديدة، وتكلفتها عشرات آلاف الدولارات، بعد أيام قليلة على افتتاحها، مضيفاً: "أصبحت لا أملك شيئاً، فيما لا تزال معاناتي متواصلة بفعل القصف الإسرائيلي الذي أتى على كل شيء".
أضرار مباشرة
وبلغت نسبة إجمالي أضرار قطاع الاقتصاد المُباشِرة نحو 33% من إجمالي الأضرار العامة، بقيمة 156 مليون دولار، بما يشمل خسائر القطاع التجاري والصناعي والخدماتي"، التي بلغت نحو 74.2 مليوناً، فيما بلغت خسائر قطاع السياحة حوالى 3.6 ملايين، بينما الخسائر التي تكبّدها قطاع الزراعة بلغت قيمتها نحو 78.3 مليوناً، وذلك وفق التقرير التفصيلي الذي أصدرته اللجنة الحكومية العليا لإعمار غزة (تديرها حماس)، لنتائج الحصر التفصيلي لأضرار العدوان الإسرائيلي الأخير.
ووفقاً لبيانات رسمية، فقد تكبد القطاع الصناعي خسائر كبيرة جراء استهداف قوات الاحتلال لمنشآته ومصانعه خلال العدوان، حيث بلغ عدد المصانع المتضررة 302 مصنع، تضرر 55 مصنعاً منها بشكل كلي، و55 مصنعاً بشكل جزئي بليغ، و192 مصنعاً بشكل جزئي، وقد بلغت خسائر القطاع الصناعي 36.9 مليون دولار، فيما بلغت نسبة الخسائر بسبب التوقف خلال العدوان 6.6 ملايين دولار، إلى جانب 41.3 مليون دولار قيمة الخسائر غير المباشرة.
وتعمدت قوات الاحتلال خلال العدوان الأخير في مايو/ أيار، 2021 استهداف المناطق الحيوية والتجارية، والمنشآت الاقتصادية، من مصانع وورش مهنية ومحلات تجارية ومنشآت سياحية وأراضٍ زراعية، ما أسهم في تفاقم الأوضاع الاقتصادية المُتردية أساساً، في قطاع غزة المُحاصَر منذ خمسة عشر عاماً، تعرض خلالها لأربع حروب مُدمرة.
وبعد توقف العدوان الإسرائيلي على غزة، بدأت حرب من نوع آخر، حيث جددت قوات الاحتلال فرض القيود والإجراءات المشددة على معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر التجاري الوحيد لقطاع غزة، ما أدى إلى مزيد من التدهور الاقتصادي، وتدهور القطاعات الاقتصادية كافة، وخاصة المصانع، بسبب نقص المخزون السلعي والمواد الخام اللازمة لتشغيل المصانع، فيما دفعت الخسائر، ومواصلة تأثير الحصار الإسرائيلي عدداً من أصحاب المنشآت الاقتصادية إلى إغلاقها، خاصة أنهم لم يتلقوا أية تعويضات مالية عمّا لحق بهم من خسائر فادحة.
ويقول الفلسطيني حسين أبو حليمة، وهو صاحب شركة لتجارة الحديد دُمِّرَت خلال الحرب، إنه تعرض لخسائر كبيرة، بعد أن قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية محيط الشركة، الواقعة على شارع صلاح الدين، شرقي مدينة غزة، ودُمِّرَت بشكل كامل، وتكبد خسائر فادحة، شملت قيمة البضاعة الموجودة في المكان، موضحاً أنه سجّل الخسائر التي تعرّض لها لدى الجهات المختصة، لكنه لم يحصل على أي مبالغ مالية.
استهداف مُباشر للمنشآت الاقتصادية
من جانبه، يؤكد مدير التخطيط والدراسات في وزارة الاقتصاد الوطني، أسامة نوفل، أن نتائج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كانت كارثية على الاقتصاد الفلسطيني، وذلك بسبب الاستهداف المُباشر للمنشآت الاقتصادية، التي فقدت ما يقارب 50% من طاقتها التشغيلية قبل تعرضها للتدمير خلال العدوان، بفعل سياسة الحصار الإسرائيلي والإغلاق بسبب حالة الطوارئ الناتجة من مواجهة فيروس كورونا، فيما فقد العديد من العمال وظائفهم نتيجة للتسريح، خاصة في المنشآت التي دمرت كلياً.
ويقول نوفل لـ"العربي الجديد" إن 2134 منشأة اقتصادية تعرضت للتدمير خلال العدوان الإسرائيلي، منها 450 منشأة دُمرت بشكل كُلي، و270 منشأة دُمرت بشكل جزئي بليغ، و 1414 منشأة تعرضت لأضرار جزئية، فيما توقفت خلال العدوان عجلة الاقتصاد بشكل كامل، بفعل عدم القدرة على الوصول إلى المنشآت الاقتصادية، ما أدى إلى انخفاض الناتج المحلي بما يقارب 75.8 مليون دولار.
ويشير إلى أن تشديد القيود على معبر كرم أبو سالم التجاري أدى إلى توقف حركة الاستيراد والتصدير بنسبة 100% خلال العدوان، ما أدى إلى انخفاض مخزون العديد من السلع والبضائع، وأدى إلى ارتفاع أسعارها، فيما شهد مستوى الدخل المحلي انخفاضاً بقيمة 105 ملايين دولار، منها 75.8 خسائر في الدخل فترة العدوان، و29.2 مليون دولار خسائر نتيجة ترك العمال وظائفهم نتيجة التضرر الكلي والجزئي للمنشآت التي يعملون فيها.
بدوره، يقول الخبير في الشأن الاقتصادي، رائد حلس، إن عام 2021 كان قاسياً على الاقتصاد الفلسطيني من مختلف الجوانب، إذ بدأ بإغلاق شامل، بسبب خطة مواجهة فيروس كورونا، ما أدى إلى تراجع النمو الاقتصادي بنسبة 11.5%، إلا أن الأوضاع سرعان ما اتجهت للناحية الايجابية بعد تخفيف الإجراءات، ما أسهم بزيادة معدل النمو الاقتصادي، حتى 5.5%، وكان هناك توقعات بوصول معدلات نمو حتى 6%، إلى أن جاءت الحرب الإسرائيلية في مايو/ أيار، وسببت نتائج كارثية أدت إلى تدهور توقعات النمو إلى أقل من 3% مقارنة بعام 2020.
ويوضح حلس لـ"العربي الجديد" أن النصف الثاني من 2021 شهد تطورات صعبة للغاية، أدت إلى انكماش معدلات النمو، بعد الخسائر التي اقتربت من نصف مليار دولار، بفعل الاستهداف الإسرائيلي المُباشِر للمنشآت الاقتصادية والتجارية إلى جانب استمرار الحصار، وموجة غلاء الأسعار، ما أدى إلى تراجع القوة الشرائية، وتفاقم معدلات البطالة لتصل إلى 69% ومعدلات الفقر التي تجاوزت سقف 56%.
ويشير إلى أن التحديات التي واجهها الاقتصاد الفلسطيني لم تقتصر على الحرب فقط، إذ تأثر كذلك باستقطاع الجانب الإسرائيلي 214 مليون شيكل (67.5 مليون دولار تقريباً) بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بحجة أنها تذهب لدفع رواتب الشهداء والجرحى، ولم تتمكن السلطة على إثر القرار من دفع شهر ديسمبر كاملاً، ما أدى إلى مزيد من انكماش القوة الشرائية.