استمع إلى الملخص
- ارتفع الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط بنسبة 9% ليصل إلى 200 مليار دولار، مع زيادة ملحوظة في الإنفاق الإسرائيلي بنسبة 24%، مما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا في غزة ولبنان.
- رغم المعارضة الدولية، استمر الدعم العسكري لإسرائيل من الولايات المتحدة وألمانيا، بينما اتخذت دول مثل إسبانيا وبريطانيا خطوات لتقليص صادرات الأسلحة، لكن تأثيرها محدود.
عرفت سوق تجارة الأسلحة العالمية نمواً خلال السنوات الماضية. وهذه السوق، التي تشرعن الاتجار بأدوات القتل، تُعتبر مرتكزاً اقتصادياً في العديد من الدول. وتشير توقعات معهد استوكهولم للسلام إلى أن الإنفاق العسكري العالمي في عام 2023 يبلغ 2.443 تريليون دولار، وهو أعلى رقم سُجّل على الإطلاق. ويمثل هذا زيادة بنسبة 6.8% عن عام 2022، وأكبر زيادة سنوية منذ عام 2009.
هناك الكثير من الحروب المشتعلة حول العالم، إلّا أن الضوء مسلط بشكل مركز على الحرب الروسية على أوكرانيا، نظراً إلى نفوذ موسكو السياسي والاقتصادي والأمني، وبسبب التأثر المباشر للدول الكبرى بهذه الحرب التي تدور على أطرافها. ومن ثم تأتي الإبادة الإسرائيلية المرتكبة في غزة ولبنان، باعتبار إسرائيل حليفة للدول الكبرى من جهة، وبسبب عمليات القتل الجماعية والانتهاكات الضخمة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل تل أبيب من جهة أخرى. ويمكن الركون إلى اقتصاد الحرب، وتحديداً التجارة العالمية بأدوات القتل المختلفة، مؤشراً لمسار سوق الأسلحة، ومزاد القتل الدولي، والنظرة إلى إسرائيل من قبل الغرب.
في العام 2023، ارتفع الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط بنسبة 9% ليصل إلى 200 مليار دولار. وكان هذا أعلى معدل نمو سنوي شهدته المنطقة خلال العقد الماضي. وزاد الإنفاق العسكري الإسرائيلي، وهو ثاني أكبر إنفاق في المنطقة بعد السعودية، بنسبة 24%، بسبب الحرب على غزة ولبنان. هذا الإنفاق يقابله ارتفاع حجم الموت اليومي في كل من البلدين، حيث سُجّل 44 ألفاً و81 شهيداً في غزة والضفة (767 شهيداً) حتى نهاية الأسبوع الماضي، فضلاً عن 108 آلاف و269 جريحاً وأكثر من عشرة آلاف مفقود. يضاف إليهم ألفان و968 شهيداً و13 ألفاً و319 جريحاً في لبنان.
آلة القتل الإسرائيلية التي لم تهدأ منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي طرحت تبدلات تطاول خريطة تجارة الأسلحة، خاصة مع تل أبيب.
في العقد الماضي، زادت إسرائيل بشكل كبير وارداتها من الأسلحة. وتشير تقديرات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن إسرائيل كانت في الفترة من 2019 إلى 2023 خامس أكبر مستورد للأسلحة الرئيسية في العالم، حيث مثلت 2.1% من واردات الأسلحة العالمية في تلك الفترة. وفي الفترة من 2009 إلى 2013، كانت قد احتلت المرتبة 47 فقط.
توجد ثلاث دول فقط زودت إسرائيل بأسلحة رئيسية في الفترة 2019-2023، وفق المعهد، وهي الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا، فيما العديد من الدول الأخرى زودت إسرائيل بالمكونات العسكرية أو الذخيرة أو الخدمات، منها المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا.
في الفترة 2019-2023، استحوذت الولايات المتحدة على 69% من واردات الأسلحة لإسرائيل. سارعت الولايات المتحدة إلى تكثيف مساعداتها العسكرية الطارئة لإسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023. وقد قوبل الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل بمعارضة محلية، سواء من جانب أعضاء الكونغرس، أو من جانب المجتمع المدني الأوسع نطاقاً. وفي حين لم يكن لهذه المعارضة تأثير ملموس يُذكر على تدفقات المساعدات العسكرية، أعلنت الحكومة الأميركية في 9 مايو/أيار 2024 أنها ستعلق شحنة من الأسلحة إلى إسرائيل شملت قنابل ثقيلة تزن 500 رطل وقنابل من طراز Mk-84 تزن 2000 رطل، مشيرة إلى مخاوف بشأن الهجوم الإسرائيلي المهدد على رفح. ومع ذلك، قالت الحكومة في 11 يوليو/تموز إنها ستستأنف توريد القنابل التي تزن 500 رطل.
إلا أن خلافات حادة وقعت بين إدارة جو بايدن وإسرائيل على خلفية استمرار الحرب، مع تهديدات متواصلة بقطع المساعدات المالية والعسكرية لتل أبيب.
أما ألمانيا، فاستحوذت على 30% من واردات إسرائيل من الأسلحة الرئيسية في الفترة 2019-2023. وكانت هذه الواردات موجهة بشكل رئيسي إلى القوات البحرية الإسرائيلية. ولكن حصل انخفاض كبير منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في قيمة المواد التي مُنحت تراخيص تصدير لها، من حوالي 200 مليون يورو في أكتوبر 2023 إلى حوالي 24 مليون يورو في نوفمبر، ثم إلى حوالي مليون يورو في مارس/آذار 2024، وفقاً لبيانات معهد استوكهولم.
وفي الفترة 2019-2023، شكلت إيطاليا 0.9% من واردات إسرائيل من الأسلحة الرئيسية. وفي يناير/كانون الثاني 2024، قال وزير الخارجية الإيطالي ونائب رئيس الوزراء أنطونيو تاجاني، في مقابلة، إنه "منذ بدء الأعمال العدائية، أوقفنا جميع شحنات أنظمة الأسلحة أو المواد العسكرية من أي نوع" إلى إسرائيل. ومع ذلك، أوضح وزير الدفاع جويدو كروسيتو في مارس 2024 أن الصادرات إلى إسرائيل استمرت، ولكن فقط عمليات التسليم بموجب عقود موقعة قبل 7 أكتوبر.
في سبتمبر/أيلول الماضي، قال وزير خارجية بريطانيا ديفيد لامي إن بلاده ستعلق 30 رخصة، من بين 350 رخصة تصدير أسلحة إلى إسرائيل منحتها الحكومة لشركات في المملكة المتحدة، وذلك بسبب مخاطر من احتمال استخدام مثل هذا العتاد في ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي خلال الحرب على غزة.
لكن هناك مواقف أكثر حزماً طاولت تجارة الأسلحة مع إسرائيل من قبل الدول التي تصنف ذات ثقل دولي. في مطلع أكتوبر، أعلنت وزارة الداخلية في إسبانيا أنها ألغت عقداً لشراء ذخيرة من شركة إسرائيلية، وذلك انسجاماً مع دعوات مدريد المتواصلة للمجتمع الدولي إلى الكف عن بيع الأسلحة لإسرائيل التي تستخدمها في جرائمها وانتهاكاتها في غزة ولبنان.
وفي 3 نوفمبر، طلبت 52 دولة ومنظمتان هما جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي من مجلس الأمن اتخاذ إجراءات لوقف شحن الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل. وأفادت مصادر دبلوماسية تركية وكالة الأناضول بأن أنقرة أطلقت مبادرة داخل الأمم المتحدة لوقف بيع الأسلحة والذخيرة لإسرائيل.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في ديسمبر/كانون الأول 2023 قراراً يطالب بـ"وقف إطلاق النار الإنساني الفوري في غزة، وامتثال الأطراف للقانون الدولي" و"الإفراج عن جميع الرهائن".
في يناير 2024، أشارت محكمة العدل الدولية إلى تدابير مؤقتة في قضية رفعتها جنوب أفريقيا تتعلق بتطبيق اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 على الوضع في غزة. ووفقاً للتدابير، يتعين على إسرائيل، من بين أمور أخرى، اتخاذ خطوات فورية لمنع جيشها من ارتكاب أعمال قد تعتبر إبادة جماعية وتمكين تقديم المساعدات الإنسانية في غزة. وفي مايو/أيار، أمرت المحكمة إسرائيل أيضاً بـ"وقف هجومها العسكري على الفور في محافظة رفح".
في 18 سبتمبر، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً جديداً يطالب إسرائيل بـ"إنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة من دون تأخير". ودعا القرار نفسه الدول إلى وقف "توريد أو نقل الأسلحة والذخائر والمعدات ذات الصلة إلى إسرائيل في جميع الحالات التي توجد فيها أسباب معقولة للاشتباه في أنها قد تستخدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
هذه الوقائع تضاف إلى الكثير من التقارير الأخرى التي تشير إلى أن المجتمع الدولي بدأ يتحرك ويغير من اندفاعه في تسليح إسرائيل، إلا أن هذا الحراك لا يزال غير مؤثر على مسار المجزرة. القتل مستمر. سوق تجارة الأسلحة لم تنبذ إسرائيل بعد. والانحياز ضد مجموعة من السمر الذين لا يشكل موت الآلاف منهم أي أهمية إنسانية في نظر الحكومات البيضاء لا يزال وقوداً لاستمرار الإبادة وتوسعها من غزة إلى لبنان.