دفع غضب شعبي من ارتفاع فواتير الكهرباء في باكستان رئيس الوزراء المؤقت أنوار الحق كاكار إلى دعوة حكومته لاجتماع طارئ، في وقت تشهد البلاد سخطا متناميا من تراجع مستويات المعيشة والغلاء.
ويتزايد قلق المواطنين من خضوع الحكومة المؤقتة لإملاءات صندوق النقد الدولي بشكل أكبر، خاصة في ما يتعلق بخفض سعر العملة ورفع أسعار الطاقة وزيادة الضرائب، وهي السياسات التي انتهجتها الحكومة السابقة في الأشهر الأخيرة مقابل تمرير الصندوق حزمة مالية للدولة التي تقف على حافة الإفلاس.
وشهدت العديد من مدن باكستان الكبرى تظاهرات أمس الجمعة، لا سيما في كراتشي أكبر مدن الدولة والمركز المالي والتجاري لها، وجوجرانوالا وبيشاور، احتجاجا على فواتير الكهرباء الباهظة. وقاموا بإغلاق الطرق وإضرام النار في الفواتير، فيما هدد محتجون، اليوم السبت، بإطلاق حملة عصيان مدني إذا لم تعدل الحكومة عن زيادات أسعار الكهرباء التي فُرضت أخيراً.
وقال رئيس الوزراء أنوار الحق كاكار، اليوم السبت، في تغريدة على موقع X (تويتر سابقا)، إنه سيعقد اجتماعا طارئا للحكومة غدا الأحد و"ستؤخذ خلال الاجتماع إحاطة من وزارة الكهرباء وشركات التوزيع وستجرى مشاورات بشأن تقديم أقصى قدر من الراحة للمستهلكين في ما يتعلق بفواتير الكهرباء".
زيادات قاسية
وفي يوليو/تموز الماضي، رفعت هيئة تنظيم الطاقة متوسط تعريفة الكهرباء بحوالي 5 روبيات لكل وحدة، لتصل إلى نحو 29.78 روبية من 24.82 روبية. وفي 22 أغسطس/آب الجاري، سعت الحكومة مرة أخرى إلى رفع سعر الطاقة بمقدار 3.55 روبيات لكل وحدة.
وقال أحد المحتجين في تصريحات لصحيفة داون الباكستانية إن الزيادات التي فرضتها الحكومة "قاسية للغاية"، مضيفاً: "الفواتير مرتفعة للغاية لدرجة أننا غير قادرين على دفع الرسوم المدرسية للأطفال.. إذا كان الشخص يعيش في منزل مستأجر، عليه أن يقرر إما دفع الإيجار أو فواتير الكهرباء".
وفي مدينة روالبندي في إقليم النبجاب شمال شرقي باكستان، احتج عدد كبير من الناس ضد ارتفاع فواتير الكهرباء. ورفع المتظاهرون لافتات ضد مزود الكهرباء المحلي.
وقال أحد المتظاهرين: "لقد تضاعفت فاتورتنا بما يفوق قدراتنا على الإنفاق.. إذا كانت الحكومة تزيد الأسعار لأن صندوق النقد الدولي طلب منها ذلك، فهذا خطا كبير". وقال متظاهر غاضب آخر وفق الصحيفة الباكستانية: "خطوتنا التالية ستكون إضراباً في جميع أنحاء البلاد".
وفي العاصمة إسلام أباد، قال أحد السكان الذي بدا عليه الانزعاج بشكل واضح: "في الشهر الماضي كانت فاتورتي 38 ألف روبية (121.7 دولارا) وبعد العديد من الصعوبات دفعتها، والآن وصلت إلى 48 ألف روبية".
وفي مقابل غضب الناس من فواتير الكهرباء، كتبت شركة إسلام أباد للإمدادات الكهربائية (إيسكو) رسالة إلى كبير ضباط الشرطة تطلب فيها حماية موظفيها وممتلكاتها في المدينة، مشيرة إلى أن المستهلكين يأتون في حشود إلى المكاتب المختلفة للشركة للاحتجاج على زيادة الفواتير، بينما يشعر الموظفون بعدم الأمان أثناء عملهم.
وفي بيشاور، قال إسكافي، عرف نفسه باسم حميد الله، إن دخله اليومي يبلغ نحو 600 روبية، بينما جرت مطالبته بسداد فاتورة كهرباء بقيمة 16424 روبية (52.6 دولارا)، مشيرا إلى أنه ليس لديه سوى ثلاثة مصابيح وثلاجة واحدة في منزله.
شركات الكهرباء تطلب الحماية
وخوفًا من الاحتجاجات، وجهت شركة بيشاور للإمدادات الكهربائية (بيسكو) موظفيها بالامتناع عن إيقاف مركباتها غير الضرورية على الطرق.
وفي كراتشي، قال صاحب متجر في سوق كريم أباد إن المشكلة الرئيسية هي عدم وجود الكثير من الأعمال هذه الأيام، مضيفا :" هناك فواتير جديدة كل يوم، هل يجب علينا دفع الفواتير أو شراء البقالة للمنزل؟ أطفالنا قلقون جداً أيضا".
يتزامن الغضب من فواتير الكهرباء الباهظة مع تصاعد معاناة الكثيرين من الغلاء بفعل تدهور قيمة العملة الباكستانية، التي وصلت إلى نحو 312 روبية للدولار الواحد نهاية الأسبوع الماضي، وهذه أول مرة في تاريخ باكستان تخسر العملة قيمتها إلى هذا الحد، وسط توقعات بمواصلة الدولار الارتفاع خلال الفترة المقبلة.
ورغم حصول باكستان على حزمة مالية من صندوق النقد الدولي، إلا أن الروبية تخسر قيمتها بشكل متواصل، في حين أن الحكومة كانت تتوقع أن تتحسن قيمة العملة مقابل الدولار.
إنجازات شهباز شريف
وكان رئيس الوزراء السابق شهباز شريف قد أكد، قبل تنحيه عن المنصب في التاسع من أغسطس/آب الجاري، أن من أكبر إنجازات حكومته التوصل إلى توافق مع صندوق النقد، وأن هذا الإنجاز الكبير جعل الأمور تستقر إلى حد كبير، خاصة في ما يتعلق بقيمة العملة وضبط الأسعار.
لكن مستثمرون وقادة منظمات تجارية وصناعية حذروا من أن زيادة أسعار الطاقة بشكل متسارع ستؤدي إلى توقف الأنشطة الصناعية والتصديرية.
وقال رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية عرفان إقبال شيخ إن منتجات بلاده أصبحت بالفعل غير قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية بسبب التكلفة المرتفعة لممارسة الأعمال التجارية.
وحصلت باكستان على موافقة نهائية من المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لتوفير تمويل بقيمة 3 مليارات دولار على مدى تسعة أشهر دعماً لبرنامج الاستقرار الاقتصادي الذي أعدته السلطات، وفقاً لبيان نُشر على موقع الصندوق الإلكتروني في 12 يوليو/تموز الماضي. وتسمح هذه الموافقة بالإفراج الفوري عن نحو 1.2 مليار دولار، بحسب البيان.
وجاء الاتفاق بعد أشهر من التأجيل، بذلت خلالها الدولة الواقعة في جنوب آسيا جهوداً شاملة لتجنب تعثرها عن الوفاء بالتزاماتها المالية، التي تفاقمت بسبب تردي اقتصادها وارتفاع أسعار الفائدة عالمياً.
وتحتاج باكستان إلى سداد ديون بقيمة 25 مليار دولار في العام المالي الجاري (بدأ في الأول من يوليو/تموز)، وفق بيانات رسمية، وتزيد هذه القيمة عن خمسة أضعاف احتياطي النقد الأجنبي لديها، الذي بلغ 4.5 مليارات دولار في نهاية يونيو/حزيران.
ورغم الاتفاق على برنامج إنقاذ مالي مع صندوق النقد، تتوقع وكالتا "موديز" و"فيتش" للتصنيفات الائتمانية العالمية أن تواجه باكستان مخاطر تمويلية مستعصية.
وكان صندوق النقد قد أشار، في تقرير نُشر منتصف الشهر الماضي، إلى تضخم الدين الخارجي لباكستان، إذ بلغ 100 مليار دولار، محذراً من أن البلاد قد تحتاج إلى هيكلة ديونها إذا لم تحقق أهداف برنامج الإنقاذ.