- المشروع يثير ردود أفعال غاضبة في الكويت بسبب تهديده لمصالحها القومية والاقتصادية، وتعثر ميناء "مبارك" الكويتي يزيد من التوتر.
- نقاشات واسعة في الكويت حول فشل الحكومة في إدارة المشاريع والعلاقات الدولية، مع دعوات لإعادة صياغة الاستراتيجيات الوطنية وتسريع تطوير البنى التحتية لتجنب خسارة فرص استثمارية مستقبلية.
أثار توقيع مذكرة تفاهم رباعية قبل أيام بين العراق وقطر والإمارات وتركيا، في بغداد، لإنشاء مشروع "طريق التنمية" للربط بين العراق وتركيا ودول الخليج، موجة من ردود الأفعال الغاضبة في الكويت، كون المشروع ينطلق من ميناء "الفاو" العراقي، وهو المحاذي لميناء "مبارك" الكويتي، وسط تعثر إنجاز الأخير، ما اعتبروه تهديدا لمصالح البلاد القومية والاقتصادية والتجارية.
ومشروع طريق التنمية يتضمن تدشين طرق برية وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، ويبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
وبلغت الميزانية الاستثمارية للمشروع نحو 17 مليار دولار. وسيوفر المشروع 100 ألف فرصة عمل كمرحلة أولى، ومليون فرصة بعد إكماله وإنجازه. ومن المقرر أن يتم إنجاز المشروع على 3 مراحل، تنتهي الأولى عام 2028 والثانية في 2033 والثالثة في 2050.
وتصدّر ردود الأفعال الغاضبة في الكويت، أول من أمس، أعضاء مجلس الأمة (البرلمان)، الذين علّق أكثر من ثلثهم (من أصل 50 عضواً) على توقيع مشروع "طريق التنمية" في بغداد، والذين اعتبروه في ظل تعثر إنجاز مشروع "ميناء مبارك"، فشلاً لسياسات الحكومة الكويتية في موضوعات التنمية وتطوير الموانئ، وطالبوها باتخاذ خطوات جادة نحو المُضي بإنجازه، أهمها استكمال العمل في الميناء على الفور، وتشكيل لجان تحقيق حول أسباب التأخر ومدى تأثر مصالح دولة الكويت بعد توقيع مذكرة تفاهم المشروع يوم الاثنين الماضي.
كما تواصلت التعليقات الغاضبة من قِبل العديد من الناشطين السياسيين والاقتصاديين وغيرهم، إلى جانب روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرين، كون مشروع "طريق التنمية" الذي ينطلق من "ميناء الفاو"، والمُحاذي لميناء "مبارك" على "خور عبد الله" بين البلدين، يُهدد المصالح الكويتية بشكل مباشر، ما يستدعي تحرك الحكومة نحو الدفاع عن مصلحة البلاد الوطنية، بحسب رأيهم.
إدارة المشاريع الكبرى
وحول ذلك، قال الناشط السياسي الكويتي بدر النجار، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ميناء مبارك يعكس فشل فلسفة الدولة في إدارة المشاريع الكبرى من جهة، وضعفها في إدارة العلاقات الدولية والإقليمية من جهة".
ويُضيف: "تكمن أهمية المسألة في جانبين، أولهما أنه إذا افترضنا فشلها في إدارة المشاريع الكبرى، فهذا يعني أن لدينا حكومة غير جادة في زيادة موارد الدولة، وليس لديها أصلاً تصوّرات لفكرة الاقتصاد واستدامة الدولة والتنمية، أما الآخر فيتعلق بالعلاقات الدولية والإقليمية، فهو انعكاس لمشكلة في الحكومة حول قدرتها على التفاوض من أجل هذه المشروعات الاقتصادية، وقدرتها على إيجاد حلفاء أكبر وحلفاء أكثر".
وتابع: "علينا هنا أن نطرح سؤالاً عمّا هو دور وزارة الخارجية في هذه المسألة، لأنها منوّطة بإيجاد حلول لكافة المصاعب الإقليمية، وهذا يُعطينا مؤشر أنه يجب إعادة صياغة كل استراتيجياتها التي بُنيت خلال العشرين عاماً الفائتة تقريباً".
وتابع: "مسألة ميناء مبارك ليست حديثة، فلقد بدأ النقاش فيها منذ عام 2007 على الأقل بشكل جدّي". وشدد على أنه "خلال نحو 20 عاماً تقريباً المسألة تراكمت ووصلنا إلى نقطة فاصلة حيث إن دولا أخرى بدأت تنشئ مشروعا آخر قريبا منّا، بمعنى أن الانتهاء من مشروع ميناء الفاو هو انتهاء لمشروع ميناء مبارك"، مؤكّداً: "وعليه يجب أن تكون هناك إعادة صياغة لقدرتنا على إدارة الصراعات الاستراتيجية".
صراعات ثانوية
وأشار النجار إلى علاقة السياسة في مشروع ميناء مبارك، متسائلاً: "هل عدم الاستقرار السياسي نتيجة تأزم العلاقة بين الحكومة والبرلمان الحاصل في الكويت سبب تعثر الميناء؟ الإجابة غالباً لا".
واستطرد قائلاً إن "هذه المشروعات الكبرى المنوّطة بها الحكومة بحد ذاتها، كونها تملك المعلومات، والقدرة على التنفيذ، والقدرة على التفاوض مع الشركات الكبرى من أجل إنشاء المشروع، لذا مجلس الأمة ليس طرفاً، ولن يعارض أصلاً قيام أية مشروعات كبرى في البلاد".
ومن وجهة نظر النجار يكمن الإشكال من الجانب السياسي، في "انشغال الحكومة في الصراعات الثانوية حول حماية هذا الوزير وذاك الوزير (من المساءلة السياسية في البرلمان)، ودفع البلد إلى هذا الاتجاه، وهو ما جعل رئيس الوزراء والوزراء ليس لديهم القدرة على التفكير إلا في إيجاد مخرج من هذه الصراعات الثانوية".
ويوضّح: "إذا الحكومة أو الحكومات عموماً غير قادرة على فهم الصراع السياسي فهذه مشكلة كبيرة، لأن المجال السياسي هو مجال صراع مستمر، فالصراع لن ينتهي في السياسة، فإذا كانت في أي مرحلة تعتقد أنه بسبب الصراع غير قادرة على الإنجاز، عليها أن تفهم أنه مستمر دوماً ويجب عليها أن تُنجز مع وجوده ومع استمراره".
مذكرة تفاهم
أما الخبير الاقتصادي الكويتي محمد رمضان، فقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن اتفاقية "طريق التنمية" تُعتبر "مذكرة تفاهم فقط، والأساس في هذه المذكرة هو العراق وتركيا، وهي تتضمن إنشاء سكة حديد وطريق لنقل البضائع أو الطاقة وما سواهما، وهي مسألة نقل من ميناء الفاو إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا".
وبيّن أنه "من أجل نقل البضائع هم بحاجة إلى الإمارات، التي تصدّر هذه البضائع أو تنقلها من الموانئ والمناطق اللوجستية لديها إلى ميناء الفاو لتنتقل عبر تركيا إلى باقي دول أوروبا، ما يعني نقل البضائع من الهند والصين عبر العراق وتركيا إلى أوروبا". وأضاف: "على الجانب الآخر في ما يخص الطاقة، ستنقل قطر الغاز عبر هذا الطريق أيضاً".
ويؤكّد رمضان أنها "مذكرة تفاهم تتضمن هاتين المسألتين، بالإضافة إلى بناء سكك الحديد، وما إلى ذلك بهذا الخصوص".
وعن علاقة الكويت بمشروع "طريق التنمية" قال رمضان إنه "لو كان عندها ميناء وتجهيزات لوجستية كافية لأصبحت جزءا مهما من هذا المشروع، ومن الممكن أن تنطلق السكك الحديدية من الكويت إلى العراق وإلى تركيا وهكذا، ولكن بسبب عدم وجود أي بنى تحتية أو لوجستية جاهزة يمكن استخدامها لمثل هذه المشروعات، وبالتالي تم الاتجاه إلى العراق بطبيعة الحال. وتابع: خسرنا فرصا للاستثمار اللوجستي والنقل لتأخرنا في بناء البنى التحتية اللازمة لمثل هذه المشروعات المهمة والحيوية في البلاد".
إصلاح الأضرار
من جهته، علّق عضو الجمعية الاقتصادية الكويتية، عبد المحسن الفكر، بحديث لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "بعيداً عن الجدوى الاقتصادية المعلومة للجميع، فإن الدول لا تصبح عظيمة من دون مشروعات عملاقة تعمل كل يوم على تحقيقها، فالدولة التي لا تُحدد أهدافها لن تدوم، وأكثر ما أخشاه هو أنه حتى الدولة الصديقة ستبحث عن مصالحها بعيداً عنك ودون التفكير بك".
أما الخبير الاقتصادي الكويتي محمد رمضان، فقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن اتفاقية "طريق التنمية" تُعتبر "مذكرة تفاهم فقط
وأضاف: "إصلاح أضرار خسائر المشروعات العملاقة يبدأ فور وضع أهداف اقتصادية مستقبلية واضحة المعالم والأهداف، فالدولة لا تملك ترف التأخير". وحذّر قائلاً إن "أي خسارة لمشروع عملاق هو خسارة لمتانة الكويت المالية مُستقبلاً، لذا على الدولة أن تتحلى بالشجاعة الكافية ولا تكتفي بكونها مُشرفة على القطاعات وتذهب إلى قيادة القطاعات بنفسها".
وتفاعلاً مع الموضوع، صرّح عضو مجلس الأمة، النائب عبد الوهاب العيسى، بأنه تواصل على الفور مع مسؤولين في الحكومة، نقلوا له تأكيدات على جهوزية قانون "مدينة الحرير"، وأنها بانتظار انعقاد البرلمان من أجل تعاونه لإقرار القانون، والذي تقدّم بدوره إلى اللجنة التنسيقية النيابية بطلب لوضعه على قائمة الأولويات، من أجل حسمه خلال دور الانعقاد الأول من مجلس 2024، الذي انُتخب أخيراً في 4 إبريل/ نيسان الحالي.