غلاء أسعار لا يُطاق في غزة... الاحتلال يُعطش الأسواق ويستنزف الأموال

22 سبتمبر 2024
بائع فلافل في سوق مفتوح في رفح جنوب غزة، 9 إبريل/نيسان 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **غلاء الأسعار ونقص السلع الأساسية في غزة:** يعاني قطاع غزة من غلاء فاحش في أسعار السلع الأساسية نتيجة الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر، مما أدى إلى ندرة البضائع في الأسواق وزيادة معاناة المواطنين.

- **تأثير النزوح والدمار على الحياة اليومية:** تزامن ارتفاع الأسعار مع ضعف القدرة الشرائية للفلسطينيين الذين فقدوا بيوتهم ومصادر دخلهم بسبب القصف الإسرائيلي، مما زاد من صعوبة توفير المتطلبات الأساسية.

- **أسباب الغلاء والحلول المقترحة:** يوضح الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر أن نقص العرض وزيادة الطلب هما السبب الرئيسي لغلاء الأسعار، ويشدد على ضرورة فتح المعابر والبنوك وتوفير السيولة لحل الأزمة.

تسيطر حالة من الغلاء الفاحش على مختلف أصناف السلع الأساسية في قطاع غزة، جراء الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر الماضي، الأمر الذي تسبب في ندرة البضائع المعروضة، فيما تبقّى من محال تجارية وبسطات شعبية.

ويطاول النقص في الأسواق مختلف أصناف السلع، سواء الأساسية المتمثلة في المواد الغذائية ومواد التنظيف والملابس الصيفية والشتوية، أو البضائع التي من شأنها توفير البدائل عن السلع الأساسية، ما ألقى بظلاله على المواطنين الذين يعانون من مختلف تفاصيل العدوان الذي وصل إلى شهره الثاني عشر على التوالي.

وتتزامن حالة الشح في البضائع وارتفاع ثمن العديد من الأصناف الأساسية، مع ضعف القدرة الشرائية عند الفلسطينيين الذين فقدوا بيوتهم ومصادر دخلهم، بسبب القصف الإسرائيلي الذي أدى إلى تدمير ما يزيد عن 70% من مساحة قطاع غزة، بما فيها من محال تجارية وأسواق وشركات ومخازن بضائع.

ويزيد الضعف الشديد في المساعدات المالية والغذائية والإغاثية جراء الإغلاق الإسرائيلي للمعابر وقطع الكهرباء والمياه ومنع الوقود والمساعدات الإنسانية، من حدة الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار، خاصة في ظل اعتماد أكثر من 80% من الفلسطينيين على تلك المساعدات قبل الحرب بالأساس، فيما بات الجميع يعتمدون عليها لتدبير أمور حياتهم اليومية.

ويقول الفلسطيني يزيد أبوالعينين إنه يواجه تحديات يومية في توفير المتطلبات الأساسية لأسرته بسبب الغلاء الخيالي في أسعار كل شيء، والذي وصل إلى عشرات الأضعاف، وتحديدا في السلع الأساسية المتعلقة بطعام أطفاله وأسرته، التي اضطرت للنزوح من مدينة غزة إلى مدينة دير البلح وسط القطاع من دون القدرة على اصطحاب المواد الأساسية المتعلقة بتجهيز الطعام من غاز الطهي والأدوات المطبخية.

ويوضح أبو العينين لـ"العربي الجديد" أن الغلاء وصل إلى أسعار كل السلع التي تحتاجها أسرته، ويقول "تسبب طول أمد الحرب في اهتراء الملابس والأحذية التي خرجنا بها من بيوتنا، ونواجه أزمة حقيقية في توفير البدائل بسبب النقص والغلاء الشديدين، كذلك الأمر في الفراش والأغطية، ومتطلبات التنظيف والرعاية والعناية اليومية".

يسكن أبوالعينين في خيمة قماشية مهترئة، أقامها على شارع البحر. ويلفت إلى الهاجس الكبير الذي بات يؤرق عائلته مع اقتراب فصل الشتاء؛ حيث يستلزم ذلك تغيير أو تمتين خيمته، إلا أن الغلاء وصل إلى أسعار الخيام الجاهزة، والتي يتراوح ثمنها من ألفين حتى ثلاثة آلاف شيكل، كذلك في أسعار الشوادر (الأغطية البلاستيكية والقماشية) التي يمكنها تغطية الخيام المهترئة، حيث وصل سعر الشادر الواحد بعرض 3 أمتار وطول 6 أمتار إلى قرابة 450 شيكل، ويزيد السعر مع زيادة الحجم. كذلك سعر النايلون البلاستيكي المخصص للتغطية، حيث وصل سعر المتر الواحد إلى ما يزيد عن 40 شيكل، مبينا أهمية قيام المؤسسات الدولية بدورها في توزيع تلك الشوادر على النازحين، خاصة في ظل صعوبة واقعهم المعيشي والاقتصادي. (الدولار يساوي 3.7 شيكل).

أما الفلسطيني جواد البسيوني، والذي يعيش مع أسرته في خيمة وسط مدينة دير البلح، فيوضح أن ارتفاع الأسعار بات يشكل أحد أبرز الأزمات التي يواجهها النازحون الذين تركوا بيوتهم مجبرين بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل.

ويلفت البسيوني لـ"العربي الجديد" إلى التكلفة الباهظة التي تتسبب فيها حياة النزوح التي ينقصها كل شيء، فيما يتم شراء مختلف المتطلبات بأسعار مرتفعة. ويقول "الغلاء وصل إلى كل شيء، ولم يستثن حتى الخضروات والفواكه التي تضاعفت أسعارها عدة مرات، بسبب القصف الإسرائيلي للأراضي وتجريف المحاصيل الزراعية، الأمر الذي تسبب في شح شديد تزامناً مع الطلب المتزايد بسبب النزوح والتكدس".

ويشير البسيوني إلى المفارقة المتمثلة في زيادة الأسعار بشكل غير مسبوق، في الوقت الذي خسر فيه المواطنون بيوتهم ومصادر رزقهم نتيجة الدمار الإسرائيلي، حتى أنهم خسروا مدخراتهم التي كانوا يجهزونها لتدبير مشاريعهم وتطلعاتهم المستقبلية، في ظل حالة الاستنزاف المادي اليومي.

في الإطار ذاته، يقول الفلسطيني حمزة عبدالرزاق، وهو نازح من مدينة غزة ويبيع أصناف البقوليات المتوفرة على بسطة في سوق دير البلح الشعبي وسط القطاع، إنه يجد صعوبة بالغة في توفير البضائع نظراً للشح الكبير فيها بفعل إغلاق المعابر، كما يفاجئ طوال الوقت بارتفاع الأسعار المتواصل من المصدر.

ويلفت عبد الرزاق إلى أن عدم استقرار الأسعار وحالة عدم الانضباط فيها يزيدان من صعوبة عملية البيع على بسطته التي باتت مصدر دخله الوحيد بعد تدمير بيته وبقالته، لافتا إلى أنه يضطر إلى شراء البضائع، وتحديداً المواد التموينية وتوفيرها لزبائنه ولو بأسعار مرتفعة، على الرغم من الانتقاد المتواصل للأسعار، والمفاصلة التي تتسبب في أوقات كثيرة في إفشال عملية البيع نتيجة عدم اتفاقه مع الزبائن على تسعيرة السلعة.

من ناحيته، يرجع الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر السبب الرئيسي لغلاء الأسعار إلى مبدأ العرض والطلب، وهو من ضمن القواعد الأساسية في علم الاقتصاد، حيث يساهم توافر أي سلعة أو خدمة أو حتى النقود بكميات كبيرة وسط طلب قليل في انخفاض أسعارها بشكل مباشر، والعكس صحيح.

ويشير أبو قمر، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي عمل منذ بداية العدوان على تقليل السلع بطريقة ممنهجة ومدروسة ضمن سياسة التنغيص على المواطنين، وتقوم هذه السياسة على تقليل المعروض من السلع في الأسواق، "حيث تشير الإحصائيات قبل الحرب إلى دخول 400 شاحنة يومياً ما عدا يومي الجمعة والسبت، فيما لم يتجاوز عدد الشاحنات في الحرب 10% وهي من المساعدات الإنسانية، على الرغم من أننا في وضع استثنائي ومن المفترض أن يتضاعف عدد الشاحنات عما قبل الحرب".

وإلى جانب سياسة تجفيف وتعطيش الأسواق، عمل الاحتلال منذ بداية الحرب، وفق حديث أبو قمر، على إعطاء توكيلات التوريد إلى 5 أشخاص تابعين لشركات يسمح لها بإدخال البضائع، الأمر الذي غيب نموذج السوق الحرة وفتح الباب أمام تحكّم المستوردين المحدودين في الأسعار وطبيعة البضائع المستوردة وتوقيتها والتصرف فيها، إلى جانب استغلال بعض الموردين لموردين آخرين ممن لا يمتلكون تصريح الاستيراد، مقابل جزء من مساحة التوريد.

ويبيّن كذلك أنه ومن ضمن الأسباب الرئيسية إدخال البضائع، وتحديداً الأساسية منها، بنسب أقل من حاجة السكان دون الالتفات إلى سياسة التنويع أو توازن السلع، علاوة على الأزمة المتمثلة في قلة السيولة، وهي المعروض النقدي من الأموال، وتسبب ذلك في ارتفاع نسب صرف العملات بما يزيد عن 25-30% مقابل المبلغ المراد صرفه، مشدداً على أن شح السيولة يعتبر جزءا لا يتجزأ من أسباب ارتفاع الأسعار، حيث باتت الأموال تفقد خمس قيمتها التي يتم دفعها مقابل التكييش في السوق السوداء.

ويلفت أبو قمر إلى الآثار السلبية المترتبة على غلاء الأسعار، وفي مقدمتها استنزاف جيوب المواطنين، الأمر الذي سيدفعهم إلى الاستدانة، أو صرف مدخراتهم لسد عوزهم، علاوة على تسببه في زيادة نسبة الفقر، والتضخم بسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، في ظل انعدام قيمة الأموال التي لم تعد تكفي لسد احتياجات المواطنين، مشددا على أن تجاوز الأزمة يتطلب فتح المعابر والبنوك وتوفير السيولة وإدخال البضائع بما يكفي حاجة الفلسطينيين.

المساهمون