تنامت موجة غضب عارمة وسط السودانيين جراء قرار إلغاء دعم الوقود ورفع أسعار "الجازولين والبنزين" بمستويات قياسية. وحسب مراقبين، تأتي الخطوة ضمن ترتيبات تجريها الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض ضخمة منه مقابل تطبيق شروط قاسية منها تحرير الأسعار وتعويم العملة المحلية.
ورفض الحاضن السياسي للحكومة (قوى الحرية والتغيير) الزيادات الجديدة لأسعار الوقود، مؤكدة أن الحكومة كثفت خطوة التعبئة العامة للتطبيع، وتحت هذا الغبار تم تمرير فكرة تحرير أسعار الوقود التي ظلت محل رفض. واعتبرت قوى الحرية والتغيير أن تمرير تحرير الوقود فيه تجاهل للبدائل الوطنية وعدم احترام للمؤتمر الاقتصادي ومقرراته، وقالت إنها تراهن على الشعب للحكم في قبول أو رفض المتغيرات الجديدة.
وأصدرت وزارة المالية في السودان قراراً، أول من أمس، برفع أسعار المشتقات البترولية بموجب سياسة جديدة قررت الحكومة تطبيقها بتحرير أسعار كل من البنزين والغازولين.
وبموجب القرار الذي تلاه وزير الطاقة والتعدين خيري عبد الرحمن، في مؤتمر صحافي، ارتفع سعر ليتر البنزين من 28 جنيهاً إلى 120 (2.17 دولار بالسعر الرسمي)، وليتر الغازولين من 23 جنيهاً إلى 106 جنيهات (الدولار = نحو 55 جنيهاً)، على أن يباع بتلك الأسعار في 14 شركة بترول، فيما تبيع بقية الشركات بسعر 56 جنيهاً لليتر البنزين و46 لليتر الغازولين.
وأكد وزير الطاقة والتعدين المكلف خيري عبد الرحمن بالخرطوم، في مؤتمر صحافي، أول من أمس، وجود سعرين للوقود، الأول للمستورد، والثاني للمحلي.
ووفقا للقرار الجديد، ستتضاعف أسعار الوقود المنتج محليا من 28 إلى 56 جنيها (دولار واحد) للتر البنزين، والسولار من 23 إلى 46 جنيها للتر، في حين تتضاعف أسعار الوقود المستورد 4 مرات.
وأكد عبد الرحمن أهمية تطبيق قرار رفع الدعم عن المحروقات ليتسنى تخليص بواخر وقود موجودة بالميناء، وتجنبا لارتفاع قيمة غرامات التأخير. واعتبر الأسعار الجديدة إحدى خطوات وأساليب العلاج (بالكي).
ورغم قفزات الأسعار ورغم قرارات وزارة الطاقة والتعدين لا تزال أزمة الوقود مستفحلة، حيث ظلت محطات الوقود فارغة في ظل تواصل اصطفاف السيارات لمدة خمسة أيام دون للحصول على الوقود.
وأكد عامل بإحدى محطات الوقود لـ"العربي الجديد"، أن شركته تسلمت، أول من أمس، قرارا من الوزارة بوقف إمداد المحطات من الشركات إلى حين تطبيق الأسعار الجديدة، ولم يتم ضخ بنزين أو غازولين حتى صباح أمس، الأربعاء.
وفي الشارع تعطّلت حركة المواصلات العامة بولاية الخرطوم أمس، وشكا مواطنون من ارتفاع كلفة المواصلات الخاصة بنسبة 200%.
وشرعت مصانع عديدة في إغلاق أبوابها نهائيا، إذ قال صاحب مصنع بسكويت بالخرطوم لـ"العربي الجديد": لا نستطيع العمل في ظل هذه الظروف نتيجة لضبابية المشهد وارتفاع تكاليف التشغيل.
وقال عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير عادل خلف الله، لـ"العربي الجديد"، إن الأسعار المعلنة من الحكومة متعددة، وفي ظل غياب المعلومات الحقيقية والمراقبة وتعدد القنوات يفتح باب للتلاعب والمضاربات.
واعتبر أن قرارات زيادة أسعار الوقود لن تحل المشكلة، بل تزيد كلفة الإنتاج وتؤدي إلى عدم استقرار الأسواق والخدمات. وقال إن الحكومة بتنفيذها لهذه القرارات تؤكد عدم الامتثال لمقررات المؤتمر الاقتصادي ولجان قوى الحرية ووزارات القطاع الاقتصادي وعدم تقبل البدائل التي قُدمت.
وحسب خلف الله، تعبر أيضا عن رضوخ الحكومة أو المجموعة التي تدير الاقتصاد لصندوق النقد وضغوط الرأسمالية الطفيلية، وبالتالي سينعكس ذلك في زيادة معاناة الشعب وأعباء إضافية عليه وتزيد الفقراء فقرا.
وأكد جهاز الإحصاء السوداني (حكومي)، أن التضخم السنوي قفز إلى 212.29% في سبتمبر/ أيلول الماضي، صعوداً من 166.83% في أغسطس/ آب، مدفوعاً بأسعار الغذاء والمواصلات.
وتباينت آراء الاقتصاديين تجاه قرار تحرير أسعار الوقود، حيث يرى معظمهم أن رفع أسعار الوقود ما هو إلا تنفيذ لسياسات "وروشتة" صندوق النقد الدولي، وبالتالي سوف يزيد من معاناة المواطنين. ويرى آخرون أنه ضروري لإحداث نقلة في الاستقرار الاقتصادي وخطوة في طريق إعفاء البلاد من الديون الخارجية.
وقال الأستاذ بجامعة المغتربين محمد الناير، لـ"العربي الجديد"، إن قرار الحكومة زيادة أسعار الوقود من أخطر القرارات التي لم تراع ظروف المواطن الذي تتزايد عليه الضغوط يوميا منذ مجيء هذه الحكومة، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الدولار، وسينعكس على أسعار السلع والخدمات لترتفع بنحو 300%.
وقال الوزير الأسبق بالمالية عز الدين إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إن هناك سلبيات ملموسة من هذا القرار، خاصة زيادة تعرفة المواصلات والنقل، التي ستواجه الفئات الضعيفة. ووصف القرار بالعملية القاسية التي قد تثير إشكالات اجتماعية واضطرابات بجانب تدهور الإنتاج وارتفاع أسعار السلع المصنعة محليا بصورة كبيرة قد تجعل من زيادة الاستيراد أمرا واقعا.
وفي المقابل، أكد الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان، لـ"العربي الجديد"، أن رفع الدعم تم بشكل جزئي، فالحكومة قررت أن يوظف النفط المنتج محليا ويتم توزيعه مدعوما على الزراعة والمواصلات العامة، بينما المستورد يكون بالسعر الحر ويتحدد بشكل أسبوعي وفق أسعار الدولار والنفط عالميا. وأضاف أن هذا القرار يضمن عدم ارتفاع أسعار المواصلات ويتجنب التداعيات على الزراعة.
وتابع: في هذا الوضع نتوقع ترشيداً للاستهلاك من أصحاب السيارات الخاصة وانخفاضاً في أسعار السيارات التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود، وهذا الترشيد ينعكس إيجابا على سعر الصرف ويقلل الطلب على الاستيراد. واعتبر عثمان أن الأمر يعتبر واحدا من شروط الشركاء للإعفاء من الديون، إذ يعد من الإصلاحات المطلوبة.
ومن جانبه، توقع الاقتصادي عادل عبد العزيز أن ترتفع أسعار المشتقات الأخرى، مثل غاز الطهو والمازوت للمصانع ومحطات الكهرباء. وقال إن الأسعار المعلنة قريبة جداً لأسعار المشتقات نفسها في دول الجوار، لهذا سوف تتوقف عمليات التهريب التي كانت تجري على نحو واسع لتلك البلدان، وهذه واحدة من فوائد القرار.
وأضاف: الفائدة الثانية تتمثل في شطب بند دعم المحروقات من مصروفات الموازنة العامة، وهذا يقلل من حجم العجز الكلي، وربما يوفر فوائض تستخدم لترقية خدمات الصحة والتعليم وتغطية المرتبات وتنفيذ بعض مشروعات التنمية.