أقدمت حكومة تونس على زيادة أسعار المحروقات بما في ذلك أسطوانات غاز الطهي المسال التي شملها التعديل بنسبة 14 بالمائة بعد استقرار للأسعار دام أكثر من 10 سنوات لتزيد كلفتها الجديدة من الأعباء المعيشية على الطبقات الضعيفة والمتوسطة وسكان المناطق الداخلية ممن لا تشملهم شبكات الغاز الطبيعي.
وأسطوانات غاز الطهي المسال أو "دبابز الغاز" بالمصطلح المحلي منتج مهم في حياة طبقات واسعة من التونسيين الذين يعتمدون على الأسطوانات للطهي والتدفئة وتسخين المياه في الشتاء، فضلا عن استعمالاته الأخرى في المطاعم ومحلات الأكلات الشعبية.
وتمثل أسطوانات الغاز مكونا رئيسيا في سلة الأسرة الإنفاقية، حيث غالبا ما تستعمل البيوت التونسية ما لا يقل عن أسطوانتين ما يجعل الزيادة في ثمنها مكلفا للطبقات الضعيفة التي باتت تشمل ما لا يقل عن مليون أسرة.
وقالت المواطنة ناجية الخميري (54 عاما) التي تقطن في منطقة عين دراهم شمال غرب تونس إنها تعتمد على أسطوانات الغاز المسال في كل أشغال المنزل للطهي والتدفئة وتسخين الماء، مؤكدة أنها تستعمل في المعدل 4 أسطوانات غاز في الشهر الواحد أي بإنفاق شهري يفوق 35 دينارا شهرياً (الدولار = نحو 3.3 دنانير).
وأكدت الخميري لـ"العربي الجديد" أن استعمال أسطوانات الغاز يرتفع خلال أشهر الشتاء نظرا للحاجة المكثفة للتدفئة في منطقتها التي تنزل فيها مستويات الحرارة إلى ما دون الصفر أحيانا.
وأضافت أن كل زيادة في سعر أسطوانات الغاز هي عبء مالي جديد على نفقات أسرتها التي تعيش من نشاط رعي الأغنام وبيع منتجات محلية توفر دخلا شهريا محدودا.
وقالت المتحدثة إن استهلاك أكثر من 3 أسطوانات غاز في الشهر أمر مكلف للأسر الفقيرة والمتوسطة، مشيرة إلى أن انخفاض درجات الحرارة شتاءً يرفع معدلات استهلاك الغاز المسال إلى أكثر من 30 بالمائة، وذلك لأن أسطوانة الغاز المخصصة للتدفئة ذات سعة 13 لترا لا تكفي إلا 12 يوما في أحسن الحالات، حسب قولها.
وأسطوانات الغاز المسال الموجهة للاستهلاك العائلي من بين المواد الطاقية المشمولة برفع الدعم ضمن خطة الإصلاح الاقتصادي التي بدأت الحكومة في تنفيذها، ما يفسر الزيادة في سعرها بنسبة 14 بالمائة بعد سنوات من استثنائها من قرارات تعديل سعر المحروقات التي نفذت على مدى الأعوام الماضية.
ووفق تقديرات وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، فإن خمس استهلاك أسطوانات الغاز يستعمل في غير مجاله، أي ما يمثل نحو 100 مليون دينار على قاعدة أن الدعم بلغ في 2019 حوالي 650 مليون دينار.
وتؤكد بيانات الوزارة أن جزءا مهما من هذا المبلغ يتعلق بعمليات تحويل الدعم للغاز المسال المنزلي من طرف قطاعات اخرى والجزء الآخر يتعلق باستبدال الاستهلاك بالغاز الطبيعي او بالطاقة الشمسية.
تقول الوزارة في دراسة عرضتها على البرلمان المنحل عام 2021 إن المنتجين في قطاعات الفلاحة والصناعة والخدمات أضحوا يقتنون كميات كبيرة من قوارير الغاز المسال المدعم لأغراض إنتاجية وصناعية، والحال أن القوارير موجهة أساسا نحو الاستعمال المنزلي فقط.
لكن الحرفيين وأصحاب المطاعم الشعبية يدافعون عن حقهم في استعمال أسطوانات الغاز سيما في المناطق الداخلية غير المربوطة بشبكات الغاز الطبيعي.
وقال عامل في محل لبيع خبز تقليدي، ويدعى فتحي إنه يعتمد على غاز الأسطوانات من أجل طبخ الخبز لفائدة زبائنه، مؤكدا أن ما يكسبه من محله داخل حي شعبي يكفي بالكاد لإعالة أسرته المتكونة من 5 أفراد.
وأضاف العامل، الذي رفض ذكر اسمه كاملا، لـ"العربي الجديد" أن محلات الأكلات الشعبية المنتشرة في الأحياء الشعبية تقدم خدمة لفائدة الطبقات الضعيفة والمتوسطة، معتبرا أن أي زيادة في كلفة الإنتاج تنعكس سلبا على أصحاب المحلات وأيضا المواطنين.
وأفاد المتحدث بأن زيادة أسعار أسطوانات الغاز تزيد من الأعباء المالية للطبقات الضعيفة والمتوسطة التي تعاني من القفزات الصاروخية للأسعار عموما وهي الأكثر عرضة لصدمات السوق حسب قوله.
وأبدى صاحب محل الخبز التقليدي غضبه من قفزات سعر أسطوانات الغاز المسال بما يعمق أزمة الفقراء وأصحاب المهن التقليدية والمطاعم الشعبية المطالبة بالمحافظة على سعر مقبول للأكلات التي تقدمها لفائدة زبائنها.
وتنتج تونس سنويا، نحو 100 ألف طن غاز مسال وتورد زهاء 500 ألف طن ولا تغطي أسعار البيع الداخلي سوى 20 بالمائة من الكلفة، بحسب بيانات رسمية لوزارة الطاقة لسنة 2021.
وأكد الخبير في الدراسات الاجتماعية والاقتصادية عبد الرحمن اللاحقة على أهمية التقييم الجيّد لانعكاسات أية زيادة في أسعار المحروقات وخاصة غاز الطهي الذي يكلف الحكومة نفقات كبيرة، مشيرا إلى أن الإصلاح السريع لسياسة الدعم يجب أن يكون متبوعاً بصرف تحويلات مالية مباشرة لجميع العائلات التونسية دون استثناء على قاعدة البيانات التي أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية.
وقال اللاحقة لـ"العربي الجديد" إن رفع الدعم يحتاج إلى تهيئة الأرضية الاقتصادية والاجتماعية تجنبا لأي صدامات اجتماعية.
تنتج تونس سنويا، نحو 100 ألف طن غاز مسال وتورد زهاء 500 ألف طن ولا تغطي أسعار البيع الداخلي سوى 20 بالمائة من الكلفة
واعتبر المتحدث أن الإشكالية الكبيرة تخص الدعم الموجه للمحروقات، مشيرا إلى أن حوالي 75 بالمائة من الدعم موجه للبنزين ينتفع به 20 بالمائة من الأغنياء والطبقة المترفة و50 بالمائة من الفئة الأكثر فقرا لا ينتفعون إلا 4 بالمائة منهم بدعم البنزين.
وقالت الحكومة في الوثيقة التي تم تقديمها لصندوق النقد الدولي إنها ستستمر في اعتماد قاعدة تعديل الأسعار لمنتجات الوقود الثلاثة (بنزين وسولار رفيع وسولار عادي) والرفع النهائي لدعم غاز البترول المسال (غاز الطهي) خلال النصف الثاني من عام 2022 .
كذلك تعهدت الحكومة بالتدرج في رفع الدعم عن الكهرباء والغاز الطبيعي والالتزام بالتعويض عن طريق التحويلات النقدية المباشرة للأسر المحتاجة واعتماد آلية التعديل التلقائي لأسعار الكهرباء والغاز.
ودخلت تونس منذ 3 مايو/ أيار الماضي في مفاوضات مع صندوق النقد من أجل برنامج تمويل بقيمة 4 مليارات دولار مقابل وصفة إصلاحات قاسية اجتماعيا.
ويمثل خفض دعم الطاقة أحد أبرز عناوين الإصلاح الاقتصادي التي يطالب بها المقرضون الدوليون، حيث تبنّت تونس منذ يوليو/ تموز 2016 طريقة التعديل الآلي لأسعار المحروقات عملا بتوصيات صندوق النقد الدولي.
والجمعة الماضية، قالت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة القنجي في تصريحات إعلامية إن الزيادة مجددا في أسعار المحروقات رهن إكراهات (صعوبات) المالية العمومية.