فائض الشيكل يكبل الاقتصاد الفلسطيني... تعرف على الأضرار

18 ديسمبر 2024
تعاملات بالشيكل مع تفاقم أزمة النقد في غزة، 26 مايو 2024 (حسن جدي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني القطاع المصرفي الفلسطيني من أزمة فائض نقدي بسبب تكدس الشيكل الإسرائيلي، نتيجة لعدم وجود عملة وطنية والاعتماد على الشيكل بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي، مما يعقد الوضع الاقتصادي الفلسطيني.
- تراجع العملات الأجنبية مثل الدولار والدينار أدى إلى ندرتها وارتفاع أسعارها، مما أثر سلباً على الاقتصاد الفلسطيني وزاد من المخاطر الأمنية وعطل التنمية بسبب ضعف الاستثمارات.
- يقترح الخبراء تعزيز الدفع الإلكتروني وتقليل الاعتماد على النقد، والضغط على إسرائيل لاستقبال الفائض، وإعادة النظر في بروتوكول باريس لتوسيع استخدام العملات الأخرى.

يعاني القطاع المصرفي الفلسطيني أزمة حادة جراء تكدس الفائض النقدي من عملة الشيكل الإسرائيلي في ظل عدم وجود عملة وطنية وإجبار الاتفاقات الموقعة الفلسطينيين على التعامل بعملة الاحتلال.
وبموجب بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994 بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي فقد تم تحديد العلاقة الاقتصادية بين السلطة عبر جسم "سلطة النقد" وهي مؤسسة توازي البنك المركزي الفلسطيني وبنك إسرائيل المركزي، عبر سلسلة من النقاط والتفاصيل التي أتت على الحقوق الفلسطينية.
ووفقاً للبروتوكول فقد نصت المادة (27) منه على أنه "سيكون لسلطة النقد الفلسطينية حق تحويل الشواكل الفائضة في البنوك العاملة في المناطق إلى بنك إسرائيل لاستبدالها بعملة أجنبية، من التي يتبادلها بنك إسرائيل في السوق البنكية المحلية، ولغاية مبلغ يتم تحديده دورياً وفقاً للمادة 16"، أي بحسب اتفاق يتم التوصل إليه في اللجنة الاقتصادية المشتركية بين الجانبين والتي تعطلت أعمالها منذ انتفاضة الأقصى عام 2022.

إلا أن بعض البنود التي توصف بالمجحفة بحق الفلسطينيين منحت بنك إسرائيل حق التحكم في المشهد كله وجعلته هو الطرف المسيطر في تحديد المبالغ التي يتم تحويلها، كما ترك بعض الأمور للتفاوض من خلال اللجنة الاقتصادية المشتركة التي تعطلت أعمالها منذ وقت طويل".

وجاءت الحرب الإسرائيلية على القطاع لتعزز من أزمة الفائض من الشيكل في وقت تراجعت فيه حضور العملات الأجنبية الأخرى التي كانت تمثل شريان حياة للاقتصاد والسكان على حد سواء وتحديداً عملتي الدولار الأميركي والدينار الأردني.
وأصبح توفر هاتين العملتين أمراً نادراً مقارنة بالفترة التي سبقت السابع من أكتوبر 2023، حتى إن توافرها في أيدي المواطنين أصبح محدوداً للغاية ويتم شراؤها من قبل التجار والصرافين بمبالغ مالية مرتفعة نظراً إلى عدم توفرها بشكل كبير.

ولم تتمكن "سلطة النقد" الفلسطينية وهي التي تدير شؤون القطاع المصرفي في الأراضي الفلسطينية من إدخال أية مبالغ مالية سواء من الشيكل أو الدولار أو الدينار إلى القطاع، واعتمدت على السيولة النقدية الموجودة لدى المصارف والصرافين والمواطنين والتي باتت تدور في الدائرة نفسها من دون وجود للسيولة.
وامتد الأمر خلال الشهور الماضية ليشمل مدن الضفة الغربية المحتلة في ظل اشتداد الأزمة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال ف يما يتعلق بالأمور الاقتصادية والمالية وجعل العلاقة مرتبطة بقرار مسبق من قبل المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" فيما يتعلق بالتحويل المالي للبنوك الفلسطينية والعاملة في الأراضي الفلسطينية.

ارتباط قسري

في الأثناء، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي رائد حلس إن أزمة الفائض النقدي من عملة الشيكل تعود إلى طبيعة العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل، حيث يرتبط الاقتصاد الفلسطيني بعلاقة اقتصادية قسرية مع الاقتصاد الإسرائيلي بسبب بروتوكول باريس الاقتصادي الذي يلزم فلسطين باستخدام الشيكل عملةً رئيسية للتداول، بالإضافة إلى الهيمنة الإسرائيلية على التجارة الفلسطينية والتي تؤدي إلى تدفق كميات كبيرة من الشيكل إلى السوق الفلسطيني.
ويضيف حلس لـ "العربي الجديد" أن النشاط التجاري غير الرسمي واعتماد النقد المباشر يؤدي إلى زيادة حجم الشيكل المتداول نقداً من جهة ثالثة، والقيود الاقتصادية والسياسية التي تتمثل في غياب سياسات نقدية فلسطينية مستقلة بسبب عدم وجود عملة وطنية من جهة رابعة. "الدولار=3.58 شواكل".
ووفقاً للباحث في الشأن الاقتصادي، فإن انعكاسات الفائض النقدي من الشيكل على التداول التجاري تتمثل في زيادة السيولة النقدية، حيث إن ارتفاع كمية النقد المتداول يؤدي إلى ضعف كفاءة العمليات التجارية وصعوبة السيطرة على التضخم.
فضلاً عن ارتفاع المخاطر الأمنية، حيث إن الاحتفاظ بكميات كبيرة من النقد يزيد من تعرض الأفراد والشركات للسرقة بالإضافة إلى ذلك ضعف الاستثمارات نتيجة وجود السيولة النقدية العالية من دون استثمار فعال الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل عجلة التنمية، بحسب حلس.
ويشير إلى أن التقديرات توضح أن حجم الفائض النقدي تجاوز 20 مليار شيكل ومن ثم يعاني السوق الفلسطيني من فائض نقدي كبير من الشيكل يتجاوز احتياجاته التشغيلية التي لا تتعدى 3 مليارات شيكل.

ويوضح أنه يجب التفكير في حلول مبتكرة للتخفيف من أزمة الفائض من الشيكل تتمثل في تعزيز دور النظام المصرفي من خلال تشجيع وسائل الدفع الإلكترونية، والتوسع في أنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول أو البطاقات البنكية، وفرض سياسات تقلل الاعتماد على النقد المباشر إلى جانب إعادة هيكلة السياسات المالية من تعزيز الرقابة على الاقتصاد غير الرسمي لتقليل تداول النقد خارج النظام المصرفي، وتكثيف حملات الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لاستقبال الفائض النقدي من الشيكل بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي.

وحول إمكانية التداول بالدينار أو الدولار وضخها يمكن أن يكون حلاً، يلفت حلس إلى أن بروتوكول باريس الاقتصادي يسمح باستخدام ثلاث عملات: الشيكل، والدينار، والدولار، لكنه يجعل الشيكل الخيار الأساسي بسبب العلاقة الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، ثم إن هناك تحديات تواجه هذا الحل تتمثل في صعوبة تقليل الاعتماد على الشيكل بسبب حجم التبادل التجاري الكبير مع إسرائيل، وضعف الاحتياطيات الفلسطينية من الدينار والدولار، والحاجة إلى تنسيق إقليمي ودولي لتوسيع استخدام العملات الأخرى.

ويعاني القطاع أزمة نقدية وصلت إلى ارتفاع نسبة الحصول على الحوالات المالية أو المبالغ النقدية "الكاش" حيث وصلت النسبة 30% من إجمالي المبلغ وهو أمر يتم في ظل غياب الرقابة والدور الفعال للمصارف وسلطة النقد أو حتى وزارة الاقتصاد في غزة.

قصور بروتوكول باريس الاقتصادي

بدوره، يقول المختص في الشأن الاقتصادي والمالي، محمد عبد الله، إن تداعيات اتفاقية باريس الاقتصادية لم تأخد في الاعتبار عمليات النمو التي جرت على الاقتصاد الفلسطيني، ما عزز من أزمة التكدس في عملة الشيكل.

ويوضح عبد الله لـ "العربي الجديد" أن الاحتلال يقبل بتحويل قرابة 3 مليارات شيكل من سلطة النقد بشكل ربعي أي كل 3 أشهر، بمعنى أنها تستقبل عادة سنوياً قرابة 12 مليار شيكل وكثيراً ما تقوم بإعاقة هذه العملية او تأخيرها، لكن تقديرات سلطة النقد تؤكد أن هذه المبالغ لا تكفي، إذ يبلغ متوسط فائض عملة الشيكل سنوياً قرابة 20 مليار شيكل (5.47 مليارات دولار)، تتكدس في خزائن البنوك، وتتحمل عليها كلفة نقل وتخزين وتأمين.

ويبين أن أحد أسباب نشوء الفائض مؤخراً، يتمثل في حدوث إقبال متزايد من المواطنين والشركات والتجار لإيداع ما لديهم من عملة إسرائيلية، في أعقاب إطلاق الجانب الإسرائيلي تهديدات بقطع العلاقة المصرفية مع البنوك الفلسطينية، ما سبّب تكدس العملة الورقية في خزائن المصارف، بما يفوق طاقتها الاستيعابية.
ويلفت إلى أن الأزمة ستتواصل ما لم يتم الوصول إلى اتفاق جديد بين سلطة النقد الفلسطينية والبنوك الإسرائيلية يتم بموجبها تحويل كميات كبيرة من فائض الشيكل وضخ كميات جديدة من العملات الأجنبية الأخرى.

المساهمون