عادت مطالب تغيير العملة السودانية إلى دائرة الضوء مجدداً بعدما تعرضت البلاد إلى أعمال نهب وتزوير واسعة، بعد اندلاع الحرب المستمرة منذ نحو 9 أشهر والتي وجهت ضربة قاسية للقطاع المصرفي الذي كان يعاني بالأساس من وهن شديد بفعل الأزمات السياسية والاقتصادية على مدار سنوات طويلة ماضية.
ولم تسلم البنوك السودانية في الخرطوم والعديد من الولايات من فوضى النهب والتخريب، التي يتهم مواطنون وقيادات في الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالضلوع فيها. وبجانب عمليات النهب غزت الأسواق عملات مزيفة، وسط غياب تام لأجهزة الدولة.
ورأى مسؤولون مصرفيون ومحللون ماليون تحدثوا مع "العربي الجديد" ضرورة إسراع بنك السودان المركزي في إعادة طباعة فئات نقدية جديدة كلياً بديلة للفئات التي قامت مليشيا الدعم السريع بنهبها منذ بداية الحرب في إبريل/ نيسان الماضي، لمنع استغلالها، فيما فضل البعض استبدال الفئات الأكبر المنهوبة فقط بدلاً من تغيير العملة تماماً.
وقال المدير العام السابق لبنك الأسرة صالح جبريل لـ"العربي الجديد": "لابد من الإسراع في تغيير العملة، واتباع إجراءات صارمة فى عملية التغيير لقطع الطريق على ناهبي أموال المصارف والمواطنين والاستفادة من هذه الأموال".
ودعا جبريل لتغيير الفئات النقدية المتداولة حالياً حسب الرؤية الفنية للجنة المختصة بتغيير العملة حسب الحرف ونوع التصميم، لكنه أعرب عن مخاوفه من أن يكون قد تم غسل الأموال المنهوبة بتحويلها إلى أصول أخرى.
وأعلن بنك السودان المركزي مؤخرا عن حزمة تدابير لحصر وتلافي ومعالجة آثار الأزمة الناتجة من الحرب، فيما أشار محللون إلى أن أكثر من 90% من السيولة النقدية أضحت خارج نطاق النظام المصرفي. وفي السياق رأى المدير العام للبنك السوداني الفرنسي عثمان التوم لـ"العربي الجديد" أنه يمكن فقط استبدال عملة الأرصدة الموجودة في البنوك بدلاً عن طباعة فئات جديدة بشكل كلي، وذلك لضمان أن تؤدى عملية التغيير الغرض المطلوب منها.
ولطالما شهد السودان دعوات عدة في السنوات الماضية، لاسيما في أعقاب الثورة التي أطاحت الرئيس عمر البشير، لامتصاص الكتلة النقدية الهاربة من النظام المصرفي والضريبي والمقدرة بنحو 900 تريليون جنيه، والمستخدمة في أنشطة ومضاربات مضرة بالاقتصاد الذي يعاني من مشكلات هيكلية عميقة.
وقال المدير العام السابق لبنك المال المتحد كمال الزبير لـ"العربي الجديد" إن فكرة طباعة عملة جديدة تكررت في الفترة الماضية لاسيما منذ تكوين حكومة الثورة الأولى.
وأشار الزبير إلى ضرورة الإسراع في تغيير العملة للحد من تداعيات عمليات التزوير وإيقاف تدهور سعر صرف الجنيه السوداني، خاصة وأن العملة فئة الألف جنيه وهي الأكبر صارت تساوي أقل من دولار واحد. ولفت إلى أن تنفيذ ذلك يتطلب وجود حكومة تملك التفويض والمصداقية للقيام بذلك بجانب المخصصات اللازمة لتغطية تكاليف طباعة العملة الجديدة.
ودعا رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي في تغريدة له على موقع "X" (تويتر سابقاً) وزير المالية ومحافظ بنك السودان المركزي إلى "طباعة فئة نقدية جديدة بقيمة 10 آلاف جنيه عوضاً عن فئات 500 و1000 جنيه التي تعرضت كلها للنهب من قبل الدعم السريع، وإلغاء وسحب هذه الفئات من التداول لتجريدهم من الأموال التي نهبوها". واعتبر المهدي أن "طباعة فئة 10 آلاف جنيه مهمة أيضا في ظل التضخم الحالي وتغني عن طباعة الفئات الصغيرة التي تكلف مبالغ كبيرة".
لكن المحلل المصرفي محمد عبدالعزيز رفض مبدأ إعادة طباعة أوراق من فٸات كبيرة، موضحا في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه يمكن استبدال فئة الـ 500 و1000 جنيه بتصميم جديد مع التنبيه بأهمية تقليل تداول الفئات المنهوبة وسرعة ضخ الفئات الأخرى للتداول لمنع الناهبين من الاستفادة مما بحوزتهم.
وزاد التدهور المالي الاقتصادي من الأزمات المعيشية، لا سيما مع ارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 400%. وجاءت الحرب في وقت كانت تعاني فيه البنوك السودانية بالأساس من هشاشة في ظل ندرة النقد الأجنبي وضعف التحويلات الخارجية، وسوء الإدارة وانعدام التخطيط طويل المدى وخاصة الاستراتيجي، إلى جانب الضعف العام في علاقات البنوك السودانية بعضها ببعض، لتتعقد أكثر أزماتها في تلبية احتياجات أصحاب الحقوق طرفها بالسيولة التي يحتاجونها دون تسابق لأصحاب الودائع فيما بينهم.