فوضى في سماء الاحتلال... الصواريخ تقطع مسارات شحن البضائع الإسرائيلية وتعطل صناعات حيوية

22 أكتوبر 2024
إسرائيليون يتفقدون جدول المغادرة في مطار بن غوريون في تل أبيب، 29 سبتمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

تعم الفوضى سماء الاحتلال الإسرائيلي، وسط الهجمات الصاروخية اليومية التي يشنها حزب الله اللبناني رداً على عدوان الاحتلال على لبنان، ما يضرب ممراً تجارياً موازياً اعتمدت عليه إسرائيل إلى حد كبير منذ عام، بعد تعرض السفن المتجهة إليها لهجمات متكررة في البحر الأحمر على يد الحوثيين في اليمن.

لم تعد الاضطرابات في حركة الطيران مقتصرة على رحلات نقل الركاب وأسعار تذاكر السفر التي أصبحت أكثر كلفة، بل طاولت النقل الجوي للبضائع من وإلى إسرائيل، ما يدفع نحو صعود إضافي لكلفة الشحن التي قفزت في الأساس بنسبة 200% العام الماضي بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة.

إضافة إلى الارتفاع الكبير في أسعار الشحن، يقل توفره، ويجد المصنعون صعوبة في استيراد المواد الخام وتصدير المنتجات إلى عملائهم في الخارج، والنتيجة تأخير في عمليات الإنتاج والتسليم، والإضرار بالقدرة على المنافسة، وخسارة العملاء والإيرادات، وفق تقرير لصحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية، أمس الاثنين.

أشار التقرير إلى أن الأزمة المتفاقمة في الطيران الإسرائيلي على خلفية التدهور المستمر في الوضع الأمني ووقف رحلات الشركات الأجنبية إلى إسرائيل، تخلق تموجات تهز قطاعات الإنتاج. فقد أدى الانخفاض الحاد في عدد شركات الطيران الأجنبية التي تسافر إلى إسرائيل، ولا سيما بعد العدوان الواسع على لبنان منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى انخفاض كبير في عدد الرحلات الجوية.

أضحت شحنات البضائع والمواد الخام إلى الشركات في إسرائيل عالقة في المطارات حول العالم منذ أسابيع، ولا يستطيع المصدرون الإسرائيليون الذين من المفترض أن يسلموا البضائع إلى العملاء في الخارج العثور على رحلات جوية متاحة تسمح لهم بالوفاء بمواعيد التسليم التي التزموا بها.

ويصف المسؤولون التنفيذيون في قطاعات إنتاجية مختلفة وفي صناعة الشحن الجوي الوضع الحالي بأنه غير مسبوق، مشيرين إلى أن الاضطرابات الحالية تضر بسمعة المصدرين الإسرائيليين والقدرة على المنافسة، ما يسبّب فقدان العملاء والعقود الجديدة والإيرادات.

الأزمة تطاول شركات عاملة مع صانعي الطائرات والأسلحة

وفق التقرير فإن "استمرار الحرب وشذوذها بسبب كثرة الساحات التي ينطلق منها وابل الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار نحو إسرائيل، خلق سلسلة من الاضطرابات في الطيران الإسرائيلي"، لافتاً إلى أنه في نهاية يوليو/تموز الماضي حينما جرى اغتيال القيادي في حزب الله فؤاد شكر في بيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، كانت هناك أزمة في الطيران، لكن الأزمة تفاقمت أكثر في الأسابيع الماضية، حيث أعلنت عشرات شركات الطيران التي كانت لا تزال تعمل في إسرائيل إلغاءَ رحلاتها وتأجيل استئناف السفر.

وذكر أن الجزء الأكبر من نشاط الطيران خلال هذه الفترة يقع على عاتق الشركات الإسرائيلية "العال" و"أركيا" و"يسرائير" التي تواصل الطيران، ولكن أسطول طائراتها محدود ولا توفر الاستجابة اللازمة لاحتياجات الاقتصاد في إسرائيل. وقال إيتان كوهين، الرئيس التنفيذي لشركة "باز" التي تصنع مكونات الطائرات، والواقعة في المنطقة الصناعية بمستوطنة "بارليف" شمال فلسطين المحتلة، إن "هناك شحنات من المواد الخام أنتظر وصولها بالطائرة من الخارج منذ بدء العملية العسكرية ضد لبنان، وببساطة لا يوجد طائرات كافية تحلق هنا".

تشير بيانات سلطة المطارات الإسرائيلية لشهر سبتمبر الماضي إلى انخفاض كمية البضائع الداخلة إلى إسرائيل عبر طائرات الركاب بنسبة 48%

وأضاف كوهين: "هذه مكونات مهمة لعمليات الإنتاج، بينما هي قابعة في المطارات بالخارج منذ أسابيع". ومن بين عملاء "باز" شركة بوينغ الأميركية العملاقة لصناعة الطائرات، وكذلك شركات إسرائيلية عاملة في صناعة السلاح والتقنيات العسكرية منها "إلبيت" و"رافائيل".

وتابع: "نحن في حالة حرب منذ عام، وليس من الواضح لماذا لا يوجد اهتمام بحلولٍ في مجال النقل من وإلى إسرائيل، مثل إنشاء مراكز إقليمية، يمكن الاستفادة منها لنقل الشحنات الجوية، أو التوصل إلى اتفاق مع شركات الطيران الإسرائيلية بتخصيص بعض طائراتها لرحلات شحن منتظمة لصالح الاقتصاد، مع التخلي عن بعض رحلات الركاب إلى وجهات العطلات المختلفة حول العالم، وفي كل الأحوال، لن تخسر أي شركة طيران سنتاً واحداً من مثل هذا الترتيب، خاصة عندما ارتفعت أسعار النقل الجوي بشكل كبير في العام الماضي".

وأفاد مسؤولون كبار في مجال شحن البضائع أن انخفاض حجم نشاط الطيران في العام الماضي أدى إلى ارتفاع سعر النقل الجوي من نحو 3 يوروَات لكل كيلوغرام من البضائع إلى نحو 9 يوروَات، ويحذرون من أن الانخفاض المستمر في العرض وما يصاحبه من ارتفاع في الطلب سيؤدي إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار.

في الأيام الأخيرة، قامت شركة "تشالنغ إيرلاينز" البلجيكية والتي تتبع مجموعة طيران إسرائيلية يقع مقرها الرئيسي في مالطا، برفع أسعار النقل الجوي بنحو 30% مع إضافة 0.7 يورو إلى الكيلوغرام الواحد. وتستحوذ الشركة على حصة تبلغ 32% من إجمالي نشاط النقل الجوي في إسرائيل، في حين أن أكثر من 55% من إجمالي النقل الجوي من وإلى إسرائيل يتم عبر الطائرات التابعة للخطوط الجوية العاملة في الولايات المتحدة الأميركية.

قفزت إيرادات "تشالنغ إيرلاينز" من الشحن الجوي في الربع الثاني من العام الجاري بنحو 110% مقارنة بالربع الثاني من 2023، وبلغت ما يقارب 60 مليون دولار. في سبتمبر/ أيلول الماضي، كانت مسؤولة عن حوالي 70% من إجمالي البضائع المنقولة من وإلى إسرائيل عبر طائرات الركاب، بزيادة بلغت نسبتها 60% تقريباً عن الشهر نفسه من العام الماضي.

وقبل اتساع جبهة القتال مع حزب الله في لبنان منذ شهر، توجه رئيس اتحاد المصنعين رون تومر، إلى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الاقتصاد نير بركات، وطلب أن يتحركا سريعاً لتنظيم نشاط الشحن الجوي للبضائع خوفاً من تشكل أزمة واسعة في الصناعة. وحذر تومر آنذاك من أن "انخفاض الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل يثير خوفاً حقيقياً من الإضرار بقدرة الصناعة على مواصلة العمليات المنتظمة لتصدير واستيراد البضائع والمواد الخام عبر النقل الجوي، بما يؤدي إلى خسائر كبيرة".

أرقام خادعة عن نقل البضائع عبر طائرات الشحن

من الوضع المزري على الأرض، يبدو واضحاً أن دعوته للوزراء لمنع تدهور التجارة الخارجية وتضرر القدرة التنافسية للصادرات لم تكن ذات فائدة، وفق الصحيفة الإسرائيلية. وتشير بيانات سلطة المطارات الإسرائيلية لشهر سبتمبر الماضي إلى انخفاض كمية البضائع الداخلة إلى إسرائيل عبر طائرات الركاب بنسبة 48% مقارنة بالشهر نفسه من 2023 لتبلغ نحو 4.43 آلاف طن، كما كان هناك انخفاض بأكثر من 22% في البضائع المغادرة عبر طائرات الركاب الشهر الماضي لتصل إلى 4.36 آلاف طن. وانخفض حجم حركة البضائع بطائرات الركاب (الاستيراد والتصدير) بنحو 38% في ذلك الشهر مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

في المقابل كان هناك ارتفاع كبير في حجم البضائع الداخلة والخارجة من إسرائيل باستخدام طائرات الشحن في سبتمبر بنسبة بلغت 42%، وفق بيانات سلطة المطارات، لكن مسؤولين في صناعة شحن البضائع يقولون إن هذا الرقم خادع، لأنه يشمل حركة الطائرات التي تحمل معدات أمنية وأسلحة مختلفة لإسرائيل لدعم الحرب، لافتين إلى أن البيانات الموجودة في إدارة التجارة الخارجية التابعة لوزارة الاقتصاد، لا تقسم أيضاً أنواع البضائع التي تصل إلى إسرائيل.

وقال أمير شاني الرئيس التنفيذي لشركة "أميت" للوساطة الجمركية "قد يظن من ينظر إلى هذه البيانات أنه لا توجد مشكلة، في حين أن هناك مشكلة خطيرة للغاية تفاقمت في الأسابيع الأخيرة عندما نصحت شبكة الطيران الأوروبية شركات الطيران الأجنبية بتجنب السفر إلى إسرائيل بسبب الوضع الأمني". وأضاف: "هناك طائرات شحن متوفرة في العالم، ولكن لا توجد أطقم جاهزة للطيران إلى إسرائيل بسبب الحرب.. ظلت البضائع تنتظر نقلها جواً إلى إسرائيل لمدة أسبوعين في أحد مطارات بلجيكا.. حوالي 500 طن من البضائع تراكمت في المطارات الأوروبية، ولم تعد بعض المطارات ترغب في تلقي بضائع إضافية، لأنها تشغل مساحة تخزين باهظة الثمن، وهي بضائع متنوعة من مختلف المجالات، من قطع غيار السيارات إلى المعدات الطبية".

مراسم جنازات للمصانع

قال شاني إن أزمة النقل الجوي المتفاقمة لا تجد حلولاً من الحكومة الإسرائيلية، بينما المصدرون والمستوردون المتشوقون إلى الحل يقعون بين الشقوق. وأضاف أن "وزيرة المواصلات ميري ريغيف توجهت إلى المجر في محاولة لاستئناف الرحلات الجوية إلى إسرائيل وإلغاء توصية هيئة الطيران الأوروبية، لكن العالم يكرهنا ولم يعد لنا حساب وهذا يدمر طاقاتنا". وتابع: "نحاول إقناع شركات الطيران باستئناف عملياتها في إسرائيل، لكنهم يطالبون بالمشاركة في تكاليف تأمينهم، لكن وزارة المالية غير مستعدة لذلك".

سعر النقل الجوي ارتفع من نحو 3 يوروَات لكل كيلوغرام من البضائع إلى نحو 9 يوروَات

وعلى خلفية الاستعدادات الإسرائيلية لهجوم محتمل على إيران، تخشى القطاعات الإنتاجية المختلفة وصناعة الشحن من أن يؤدي التدهور الأمني التالي إلى تفاقم الوضع. وقال أحد المصدرين لـ"كالكاليست": " تهدد إيران بالرد ومن ثم سترد إسرائيل على الرد ولن يكسر أحد هذه الدورة التي لا تطاق، بينما يقف الاقتصاد بالفعل عاجزاً في مواجهة الوضع المتدهور والحلول الصفرية".

عبر أحد المسؤولين في قطاع التصدير الذي يواجه صعوبة في توصيل بضائعه إلى عملائه في الخارج، عن إحباطه من خلل الوزارات الحكومية في مواجهة التدهور. وقال: "ما دامت السماء مغلقة في وجهنا، سيتم قريباً إجراء مراسم جنازات للعديد من المصانع.. تخلت الحكومة عنا وتستمر في التخلي الكبير.. لقد أصبحنا معزولين، وإذا فشلنا في التصدير، فلن يكون للعديد من المصانع الحق في الوجود".

المساهمون