حظرت روسيا صادرات الوقود المستخدم في النقل والتدفئة والعمليات الصناعية، مع اقتراب فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي وضيق أسواق الديزل العالمية، وسط توقعات بأن يتضرر الاقتصاد الروسي أيضاً من القرار.
ويتوقع العديد من المحللين أن يكون التوقف مؤقتاً، لكن آخرين يرون أنه مثال آخر على استخدام موسكو لصادرات الطاقة كسلاح، مع دخول غزوها لأوكرانيا شهره العشرين.
ويشمل التقييد وفقاً لوكالة "بلومبيرغ" جميع أنواع الديزل، بما في ذلك خليط الصيف والشتاء والقطب الشمالي، بالإضافة إلى نواتج التقطير الثقيلة، بما في ذلك زيت الغاز، وفقاً للمرسوم الحكومي، الذي دخل حيّز التنفيذ في 21 سبتمبر/أيلول، دون تحديد نهائي لوقف الحظر.
وتلعب روسيا دوراً مهماً في سوق الديزل العالمية، حيث شحنت أكثر من مليون برميل يومياً من يناير/كانون الثاني إلى منتصف سبتمبر/أيلول 2023.
ظاهرياً، لن يكون للحظر تأثير كبير في الدول الغربية التي توقفت عن شراء الوقود الروسي منذ الحرب على أوكرانيا في فبراير/شباط عام 2022، حيث اتجهت إلى الاستيراد من دول أخرى مثل تركيا والبرازيل والسعودية كوجهات رئيسية.
لكن يتوقع أن تتأثر أسواق النفط العالمية كثيراً حال طول مدة سريان قرار الحظر، كذلك قد لا تستطيع روسيا أيضاً تحمّل تكاليف الاستمرار في حجب الصادرات لفترة أطول مما ينبغي.
واقعياً، كان الديزل الخام الروسي يُصدَّر إلى المصافي في تركيا والسعودية، ثم يعاد تصديره إلى الأسواق التقليدية في أوروبا، وهو ما ضمن استمرارية حصول تلك الدول على الديزل رغم العقوبات.
وتشير الوكالة إلى أن وقف الإمدادات الروسية لهذه الدول "الصديقة" يخاطر في نهاية المطاف بالتأثير في الدول "غير الصديقة" في الغرب من خلال ارتفاع الأسعار وتقليص الصادرات من دول مثل تركيا والسعودية.
كذلك، تكمن خطورة القرار في توقيته، مع اقتراب دخول الشتاء وزيادة استخدام الوقود عالمياً في التدفئة، فضلاً عن كون الديزل المادة الرئيسية المستخدمة في وسائل النقل الكبيرة للبضائع.
ولعبت روسيا بالفعل دوراً رئيسياً في تشديد أسواق الديزل العالمية، وخفضت صادراتها من النفط الخام جنباً إلى جنب مع زملائها الأعضاء في مجموعة أوبك+ لمنتجي النفط، وأبرزهم السعودية.
يأتي القرار الروسي وسط ارتفاعات في أسعار الوقود محلياً أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم والضغط على البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة في اجتماعه الأخير إلى 13%.
ووفقاً لـ"بلومبيرغ"، فإنه رغم الغموض الرسمي حول مدة سريان قرار حظر التصدير، إلا أن القيود ستكون قصيرة الأجل، بحسب مسؤول تحدث شرط عدم الكشف عن هويته للوكالة. وقال مسؤول آخر إن هذا الإجراء سيستمر حتى توضع آلية سوق جديدة لتنظيم إمدادات الوقود المحلية.
وتحقق شركات التكرير الروسية أرباحاً من تصدير وقود الديزل أكثر بكثير مما تجنيه من إمداد السوق المحلية، ووفرت الأسعار الدولية المرتفعة حافزاً إضافياً للتصدير. ولذلك، كان على الحكومة مراراً وتكراراً أن تجد طرقاً لضمان تلبية الاحتياجات المحلية.
وقال أحد المسؤولين إن الحظر القاسي على تدفقات التصدير ضروري ليثبت للصناعة أنها بحاجة إلى أن تكون أكثر تقبلاً لرغبات الحكومة والتوصل إلى توافق مع مجلس الوزراء بشكل أسرع، لكن من غير الواضح كيف يمكن أن تبدو التسوية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الحكومة الروسية إجراءات صارمة لكبح جماح منتجي الوقود المحليين. وفي عام 2018، هدد نائب رئيس الوزراء آنذاك، دميتري كوزاك، بفرض رسوم تصدير عالية على النفط الخام والمنتجات النفطية إذا لم يُلَبَّ الطلب المحلي على الوقود.
في ذلك الوقت، أدى اجتماع في وقت متأخر من الليل بين كوزاك والمسؤولين التنفيذيين في مجال النفط إلى التوصل إلى اتفاق أدى إلى تجميد أسعار الوقود بالتجزئة المحلية وضمان التزام توفير المزيد من الوقود للمشترين في الداخل.
وتتوقع الحكومة الروسية إنتاج أكثر من 90 مليون طن من الديزل هذا العام (نحو 1.9 مليون برميل يوميًا) تستهلك منها 40 مليون طن فقط من الإجمالي، وتترك الباقي للتصدير.
ومع ذلك، فإن أعمال الحرب الروسية في أوكرانيا توجد طلباً إضافياً، سواء للوحدات العسكرية أو المستهلكين في المناطق التي ضُمَّت في المنطقة الشرقية لأوكرانيا، والتي لا يوجد فيها مصافٍ عاملة خاصة بها، حيث بلغت الاحتياجات نحو 220 ألف طن في سبتمبر/أيلول 2022 وحده.
وحتى مع المتطلبات العسكرية، فقد يتجاوز إنتاج الديزل في روسيا بكثير المتطلبات المحلية، ما يضغط على خزانات التخزين في البلاد.
وقال مصدر مطلع على الوضع، إن تمديد الإجراء إلى ما بعد أوائل أكتوبر سيضرّ بصناعة النفط في البلاد. ستحتاج مصافي التكرير الروسية إلى خفض عملياتها لتجنّب الإفراط في التخزين مع نفاد مساحة التخزين المجانية.
وقال المصدر إن ذلك يجعل إنهاء الحظر في أوائل أكتوبر/تشرين الأول أمراً معقولاً.