تشهد مواد البناء قفزات كبيرة في أسعارها، مثل غالبية السلع والمنتجات في السوق الجزائرية. يرجع الكثير من التجار هذا الصعود إلى تهاوي قيمة الدينار واستمرار منع الاستيراد وركود الأسواق بسبب جائحة كورونا. وارتفع سعر كيس الإسمنت (50 كيلوغراماً) إلى 8.49 دولارات، وفاق سعر القنطار الواحد من الحديد 70 دولاراً. وبلغ سعر شاحنة "الرمل الأصفر" ذات حمولة 18 طنا 550 دولاراً...
ووضعت الحكومة الجزائرية، العام الماضي، مواد البناء في قائمة المواد المعنية بعملية منع الاستيراد والتي مست قرابة ألف منتج، وذلك لكبح فاتورة واردات هذه المواد التي سجلت سنة 2019 حوالي 1.1 مليار دولار و1.5 مليار دولار سنة 2018، مقابل 2.1 مليار دولار سنة 2015.
كما أوقفت الجزائر نهائيا استيراد الحديد والإسمنت، وذلك بعد تغطية الإنتاج المحلي للطلب الداخلي. كما بدأت مصانع الجزائر السنة الحالية عملية تصدير الإسمنت الى دول أفريقية. وأجمع تجار وبائعو مواد البناء على تبرئة ذمتهم من حمى ارتفاع أسعار مواد البناء، مرجعين الزيادات في الأسعار إلى عدة عوامل خارجة عن إرادتهم.
وقال عبد القادر خمخوم تاجر مواد البناء بشارع "المنظر الجميل" المخصص لتجارة مواد البناء لـ "العربي الحديد" إن "تجار التجزئة هم الحلقة الأضعف في سلسلة الربح والخسارة، المضاربون والممولون هم من يتحكم في السعر". وأضاف أن "منع الاستيراد أحدث اضطرابا في السوق. فالمواد المستوردة من إسبانيا وإيطاليا تشكل قرابة 60 في المائة من السوق.
أما المنتجون المحليون يدفعون ثمن المواد الأولية بالعملة الصعبة التي يشترونها من البنك المركزي بالدينار، والدينار اليوم هو في الحضيض". وشرح "إذن رفع المنتجون الأسعار للحفاظ على هامش الربح مرتفعا، خاصة وأنهم وحدهم في السوق من دون منافسة من المواد المستوردة".
وتابع: "كما أن كورونا زادت الضغط على التجار، الذين رفعوا من هوامش الربح لمواجهة الخسائر المترتبة عن ركود الأسواق، من جراء إجراءات الغلق التي أضرت بنا كثيرا".
وكان البنك المركزي الجزائري قد لجأ إلى تبني سياسة التعويم، ما هبط بقيمة العملة الوطنية إلى مستويات قياسية مقابل الدولار والعملة الأوروبية الموحدة "اليورو". الهدف هو كبح ارتفاع فاتورة الواردات في ظل انخفاض إيرادات الجزائر من بيع النفط، وللحد أيضا من ارتفاع نسبة التضخم التي بلغت 4.1 في المائة في نهاية 2019، حسب الديوان الوطني الجزائري للإحصاء. ووجد المواطن الجزائري نفسه بين مطرقة ارتفاع الأسعار وسندان بناء سقف لبيته، وهنا تبدأ رحلة البحث عمن يبيع بأقل الأسعار.
وقال رياض زروقي الذي التقته "العربي الجديد" في إحدى نقاط بيع مواد البناء إنه "ادخر مليون دينار جزائري (9000 دولار) لترميم بيته وبناء غرفة إضافية، لكنه مضطر الآن لمراجعة حساباته، "كل شيء زاد سعره، دون أن ننسى أجرة البنّاء والدهّان والرصّاص، ربما قد أُجمّد الأشغال إلى حين توفير المزيد من الأموال".
وكان من المتوقع أن يكون قطاع البناء في الجزائر من أكثر القطاعات تأثرا بالهزات الارتدادية التي خلفتها الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت البلاد بسبب تراجع مداخيل بيع الذهب الأسود وجائحة "كورونا". حسب دراسة أعدتها النقابة الوطنية للمهندسين المعماريين المعتمدين فإن "تكاليف البناء ارتفعت بحوالي 45 في المائة"، وفق ما قاله نائب رئيس النقابة عبد الهادي تقي الدين لـ "العربي الجديد". من جهته، اعتبر رئيس المجمع الوطني للمهندسين الجزائريين عبد الحميد بوداود في حديث مع "العربي الجديد" أن "أصحاب المقاولات هم المتضرر الأول ومن سيتكبد خسائر جمة، حيث سيضطرون إلى دفع فارق الأسعار من أجل استكمال مشاريعهم".