صدم قرار تحالف "أوبك+" خفض الإنتاج النفطي مليوني برميل يوميا بداية من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل كبار مستوردي الطاقة حول العالم والمستهلكين، كما صدم الإدارة الأميركية التي ضغطت قبل اتخاذ القرار لزيادة الإنتاج وليس خفضه بهدف كبح الزيادة في أسعار المشتقات البترولية.
قرار التحالف، وفق مراقبين، قد يؤدي إلى حدوث قفزة في أسعار الخام الأسود تعمق الأزمات الاقتصادية الحالية وفي مقدمتها التضخم والطاقة وسلاسل التوريد، وهو ما يعجل بدخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود تضخمي.
وقد أثار قرار تحالف "أوبك+"، الذي تقوده السعودية وروسيا، وتوقيت بدء الخفض مع موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل، غضب الإدارة الأميركية والتحالف الغربي. وتوقعت مصارف استثمارية أن يقود القرار إلى ارتفاع أسعار النفط إلى 110 دولارات خلال الربع الجاري.
وكان تحالف "أوبك+"، الذي يضم 23 دولة، قد فاجأ أسواق الطاقة العالمية، مساء الأربعاء، بقرار خفض الإنتاج مليوني برميل يومياً، بينما كان خبراء الطاقة يتوقعون أن يبلغ الخفض في أعلى مستوياته 1.5 مليون برميل يومياً.
وأثار القرار غضب القوى الغربية المتحالفة ضد روسيا على خلفية غزوها أوكرانيا واعتبروه دعماً مباشراً لجهود روسيا الحربية في أوكرانيا.
ويتوقع خبراء أن تكون للخفض الكبير في المعروض النفطي تداعيات فعلية على أسعار الطاقة العالمية في وقت تتجه فيه مجموعة السبع لتطبيق عقوبات جديدة على النفط الروسي عبر إقرار مقترح "السقف السعري" لصادرات الخامات البترولية الروسية.
كما أن القرار جاء في وقت يترنح فيه الاقتصاد العالمي نحو هاوية الركود أو حتى احتمال الوقوع في الكساد الاقتصادي التام الذي يطلق عليه فنياً اسم "الركود التضخمي".
وبحسب هؤلاء، فإن القرار يهدد مستقبل النمو الاقتصادي في العالم، لأنه سيرفع أسعار النفط التي ستقود بدورها إلى ارتفاع أسعار الوقود الذي يعد من أهم مكونات معدل التضخم المرتفع حالياً في العالم.
ويقول اقتصاديون إن القرار يتحالف عملياً مع قوة الدولار وارتفاع التضخم ليفاقم معاناة الدول الناشئة والنامية التي تقف العديد منها على حافة الإفلاس.
على صعيد مستقبل أسعار النفط بعد القرار، توقع مصرف "غولدمان ساكس" أن ترتفع أسعار خام برنت إلى 110 دولارات للبرميل خلال الربع الأخير من العام الجاري، بينما توقع مصرف "جي بي مورغان" أن ترتفع الأسعار إلى 100 دولار. وهو ما يعني عملياً مزيداً من الارتفاع في أسعار الوقود وزيادة معدلات التضخم في العالم.
في هذا الشأن، قال نائب رئيس وكالة "إس أند بي غلوبال"، دان بيرجين، إن واشنطن تنظر لقرار "أوبك+" خفض إنتاج النفط مليوني برميل يومياً على أنه تدخل سياسي و"ضربة" ضد الرئيس الأميركي جو بايدن، وأضاف قائلاً: ينظر إلى هذا القرار أولاً، قبل كل شيء، على أنه ضربة ضد بايدن، وثانياً على أنه تدخل سياسي بطريقة ما في الانتخابات الأميركية، على الرغم من أن الخفض لن يدخل حيز التنفيذ حتى نوفمبر/ تشرين الثاني.
في هذا الصدد، قال المتحدث باسم اتحاد النقل في بريطانيا سايمون وليامز، أمس الخميس، لـ"بي بي سي" البريطانية: "بالتأكيد فإن هذا القرار سيرفع أسعار القود وسيتوقف تأثير القرار في معدل التضخم على متى ستمرر محطات الوقود الزيادة للمستهلكين".
على الصعيد الأميركي، يتوقع محللون أن يقود قرار تحالف أوبك+ إلى تهديد الأغلبية التي يتمتع بها الحزب الديمقراطي الحاكم في الكونغرس في الانتخابات النصفية للكونغرس التي باتت على الأبواب وستجري في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وما أثار غضب البيت الأبيض أكثر من القرار هو تزامن دخول الخفض حيز التنفيذ في الشهر نفسه الذي تجرى فيه الانتخابات.
ووصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جين بيير أمس قرار "أوبك+" بأنه قرار "قصير النظر"، وقالت: "من الواضح أن أوبك+ تحالفت مع روسيا" عبر هذا الخفض الكبير في الإنتاج.
على صعيد تخفيف أثر الخفض، قال البيت الأبيض، الخميس، إن الرئيس الأميركي جو بايدن وجه بإطلاق 10 ملايين برميل من الخامات البترولية من الاحتياط الاستراتيجي النفطي في أسواق الطاقة خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ومن المتوقع أن تطلق دول التحالف الغربي ضد الغزو الروسي لأوكرانيا كميات من احتياطاتها الاستراتيجية البترولية أيضاً في الأسواق لتخفيف أثر قرار الخفض الكبير وغير المتوقع في الأسواق على معدلات التضخم وبتنسيق مع واشنطن.
لكن خبراء بنشرة "أويل برايس" يرون أن مثل هذه الكميات البترولية المتوقع إطلاقها من الاحتياطات الاستراتيجية سيكون لها تأثير ضئيل على أسعار النفط مقارنة بالخفض الذي أقرته "أوبك+" ويعني فعلياً أن المعروض العالمي من الخامات سيخسر 60 مليون برميل من النفط خلال شهر الانتخابات النصفية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني.
وواجه قرار إطلاق كميات من الاحتياط الاستراتيجي انتقادات واسعة في أميركا.
وقال مؤسس ومدير شركة "دانيال إنيرجي" دانيال تيرنر إن قرار استخدام النفط الاستراتيجي غير صحيح، لأن هذا الاحتياط الاستراتيجي لم يخصص للأغراض السياسية، في إشارة واضحة إلى أن قرار الرئيس الأميركي بايدن صمم لخدمة انتخابات الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني.
كما أثار قرار "أوبك+" أيضاً غضباً واسعاً داخل أعضاء الحزب الديمقراطي بالكونغرس. في هذا الشأن، دعا السيناتور الديمقراطي والمرشح السابق للرئاسة الأميركية بيرني ساندرز، في تغريدة على تويتر أمس الخميس، إلى معاقبة "أوبك"، ودعا في التغريدة إلى ضرورة القضاء على احتكار أوبك لأسعار النفط ووقف الدعم العسكري وتسريع التحول الأميركي نحو الطاقات المتجددة.
من جانبه، وصف البروفسور بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا مايكل ماكفول القرار بأنه سيساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه الشرسة الجارية لغزو أوكرانيا.
ومن المتوقع أن يعرقل القرار مقترح مجموعة السبع الخاص بوضع "سقف سعري" لصادرات النفط الروسية ويعمق أزمة الطاقة في أوروبا.
على الصعيد الروسي، يبدو أن موسكو سعيدة بهذا القرار، وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك عقب الاجتماع، حسب ما نقلت قناة بلومبيرغ: "القرار سيعيد التوازن للسوق".
وحول مستقبل مقترح "السقف السعري" للنفط الروسي، قال نوفاك إن موسكو لن تبيع خاماتها البترولية للدول التي تطبقه، وذلك في إشارة غير مباشرة للمضاربين بأن السوق سيشهد ضائقة في الإمدادات البترولية.
وارتفعت أسعار النفط أمس الخميس لخام برنت عقود ديسمبر/ كانون الأول، إلى 93.48 دولارا في التعاملات النهارية، بينما ارتفع خام غرب تكساس الأميركي لعقود نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 87.84 دولارا، حسب بيانات بلومبيرغ.
من ناحية أسس العرض والطلب في السوق، لا يبدو أن هنالك مشكلة في السوق النفطية ولكن ما يدفع الأسعار للارتفاع هو المخاوف الجيوسياسية وتطورات الحرب الروسية في أوكرانيا ومدى تأثير العقوبات الغربية على تدفق النفط الروسي للأسواق في حال إقرار "السقف السعري"، وما إذا كانت شركات النفط الروسية ستواصل ضخ النفط أم لا وسط الضغوط التي تواجهها من ناحية عدم وجود خزانات استراتيجية في روسيا لحفظ الإنتاج غير المعروض في السوق والخسائر التي ستتكبدها من إغلاق الآبار.
وحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها الصادر في 7 سبتمبر/ أيلول الماضي، فإن حجم الاستهلاك العالمي من الخامات والمشتقات المكررة يقدر بنحو 99.4 مليون برميل يومياً، بينما يبلغ المعروض النفطي نحو 100.1 مليون برميل.
من جانبه، دافع تحالف "أوبك+" عن قرار الخفض الكبير. وفي حديثه في المؤتمر الصحافي بفيينا، مساء الأربعاء، دافع الأمين العام لمنظمة أوبك الكويتي هيثم القيس عن قرار المجموعة بفرض خفض كبير للإنتاج، قائلاً إن "أوبك+" تسعى لتوفير "الأمن والاستقرار لأسواق الطاقة".
ورداً على سؤال عما إذا كان تحالف "أوبك+" يفعل ذلك بثمن، أجاب القيس: "كل شيء له ثمن، ولأمن الطاقة ثمن أيضاً".
ويرى خبراء أن قرار "أوبك+" جاء لدعم الأسعار التي انخفضت من نحو 120 دولاراً للبرميل إلى 80 دولاراً خلال الشهر الماضي وسط توقعات بتباطؤ النمو الاقتصادي واحتمال وقوع الاقتصادات الكبرى والنامية في هاوية الركود الاقتصادي أو حتى "الركود التضخمي" الذي يعني الكساد.
وتبدو أوبك قلقة من وقوعها بدورة انهيار جديدة في أسعار النفط مثل تلك التي حدثت في العام 2020 واضطرت المنظمة وحلفاءها إلى خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل لاستعادة الأسعار لمستويات معقولة.
ومن بين أكبر مخاوف "أوبك+" على الأسعار، تراجع النمو الاقتصادي في سوقها الرئيسي الصين، التي تستورد سنوياً أكثر من 10 ملايين برميل يومياً. وكان البنك الدولي قد راجع توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني من 5.0% إلى 2.6% خلال العام الجاري.
وتشير بيانات إدارة الجمارك الصينية إلى أن واردات الخامات البترولية تراجعت في أغسطس/ آب الماضي إلى 9.5 ملايين برميل يومياً مقارنة بنحو 10.49 ملايين برميل يومياً في أغسطس من العام الماضي 2021.