"المصالح الاقتصادية أولا"، وتبادل المنافع التجارية والمالية يسبق أي ملفات أخرى بما فيها الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة منذ نحو 40 يوماً، في القمة التي يعقدها الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ، اليوم الأربعاء، في سان فرانسيسكو على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ "أبيك".
صحيح أن بكين قلقة على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط في حال اتساع دائرة الحرب على غزة، لكنها في المقابل تستفيد من الحرب الحالية عبر تجميد مشروعات كبرى كانت الولايات المتحدة تعمل على تنفيذها بالتعاون مع حلفائها الإقليميين والدوليين، ومن بين تلك المشروعات إقامة ممر تجاري واقتصادي يربط أوروبا بشرق آسيا ويعد بديلا لطريق الحرير الصيني.
وحسب البيانات التجارية الأميركية، بلغ إجمالي واردات السلع الأميركية من الصين 536.3 مليار دولار في عام 2022، بزيادة 6.3 في المائة عن العام 2021، كما أن لديها تبادلات تجارية مع دول المجموعة الأوروبية تقارب تريليون دولار.
ومن هنا يرى محللون أن الرئيس شي ربما يستغل تضعضع النفوذ الأميركي الحالي لتحقيق مكاسب في مجالات تجارية وتقنية.
كما أن الحرب على غزة أضعفت الدعم العسكري والمالي الغربي المقدم لأوكرانيا، وبالتالي فإن الحرب على غزة قد تصب تلقائياً لصالح توسيع نفوذ معسكر بكين ـ موسكو الذي يسعى منذ سنوات لبناء نظام عالمي جديد على أنقاض النظام العالمي الحالي.
ويقول محللون إنه على الرغم، من أن الصين قوة اقتصادية كبرى ومنافس للولايات المتحدة، حيث يقدر حجمها الاقتصادي بنحو 17.5 تريليون دولار، إلا أنها لا تزال قوة سياسية ضعيفة من حيث النفوذ الجيوسياسياسي، حيث أن بكين تخشى المخاطرة بمصالحها الاقتصادية حول العالم.
في هذا الصدد، يقول الخبير أندرو سكوبل من المعهد الأميركي للسلام: الحقيقة هي أن بكين قوة اقتصادية عظمى في الشرق الأوسط وبقية العالم، وخارج منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
لكنّ بكين على صعيد النفوذ الجيوسياسي تتجنب المخاطرة بمصالحها الاقتصادية، وتخشى الفشل وتتخوف من عواقب توسيع نفوذها السياسي العالمي على علاقاتها الاقتصادية مع كبار شركائها التجاريين في الغرب.
وبالتالي لا يستبعد محللون أن تستغل بكين العزلة الأميركية التي تعيشها واشنطن بسبب دعمها المطلق لإسرائيل في الحصول على مزايا اقتصادية وتقنية وتجارية من الولايات المتحدة، والحد من مجموعة العقوبات الاقتصادية والتقنية التي شنتها واشنطن وحلفاؤها في أوروبا على بكين.
في هذا الشأن يرى محللون في دورية "ذا دبلومات" التي تصدر في سنغافورة، أن الحرب على غزة ستختبر كيفية إدارة الصين للاعتبارات الاقتصادية والسياسية وسط التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط.
وتمثل حرب غزة تحدياً في الوقت نفسه على قدرة الصين على الإبحار في هذا البحر المضطرب من الحروب وتحقيق التوازن الدقيق بين المصالح الاقتصادية ومكاسب النفوذ السياسي العالمي.
وحتى الآن تستفيد بكين من التداعيات السالبة للحرب على صعيد تعزيز موقعها العالمي وفي منطقة الشرق الأوسط، حيث عرقلت الحرب خطة تدشين الممر التجاري الذي يربط الهند ومنطقة الخليج وإسرائيل بأوروبا، وتم إقراره خلال الاجتماع الأخير لقمة مجموعة العشرين الذي استضافته نيودلهي قبل أسابيع قليلة.
وهذا الممر التجاري من أكبر مهددات مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي أنفقت عليها بكين قرابة تريليون دولار وتعول عليها الشركات الصينية في التمدد التجاري وربط الأسواق العالمية بصناعاتها وتعزيز عملتها الوطنية، اليوان، كعملة منافسة للدولار في التسويات التجارية العالمية والاحتياطي العالمي بالنقد الأجنبي.
وحسب تقارير أميركية، من المخطط أن يطلب الرئيس بايدن من نظيره شي الضغط على إيران بعدم توسيع الحرب على غزة، وتهديد أسعار النفط في أميركا وأوروبا في وقت تعاني فيه الدول الغربية من ارتفاع معدل التضخم وتواجه أزمة طاقة منذ اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، خاصة وأن موسم الشتاء حل في معظم البلدان الغربية.
في هذا الصدد، قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، لم يكشف عن هويته، للصحافيين يوم الخميس الماضي، إن بايدن "سيؤكد رغبتنا في أن توضح الصين التي لديها علاقات مزدهرة مع إيران أنه من الضروري ألا تسعى طهران إلى تصعيد العنف أو نشره في الشرق الأوسط".
وقال المسؤول إن أي "أعمال استفزازية" من جانب إيران ستثير رد فعل أميركيا سريعا".
ويتوقع محللون، أن تقايض الصين مطلب واشنطن الضغط على إيران بتخفيف القيود التجارية والتقنية والاستثمارية التي تمارسها واشنطن على بلاده.
ومعروف أن طهران تسيطر إلى حد كبير على خليج هرمز الذي يعد من أهم الممرات البحرية العالمية للطاقة ويمر به نحو 17.5 مليون برميل يومياً وناقلات الغاز.
كما أن لدى إيران نفوذاً على جماعة الحوثي في اليمن التي يمكن أن تعرقل الحركة التجارية عبر باب المندب الذي يربط آسيا بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، وتمر عبر هذا المضيق نحو 4.5 ملايين برميل يومياً.
ولدى شركات الطاقة الصينية عدة صفقات تطوير مشاريع طاقة في كل من إيران والعراق، وبالتالي فإن الحرب ستساهم في تعزيز دور الشركات الصينية في الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط على حساب الشركات الغربية.
ويرى تحليل في قناة "إن بي سي" الأميركية، أن تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة واستمرار ارتفاع عدد القتلى بين المدنيين الفلسطينيين، بات يثير قلق مسؤولي الإدارة الأميركية من أن الولايات المتحدة قد تصبح معزولة أكثر فأكثر على المسرح العالمي بسبب تحالف الرئيس جو بايدن الوثيق مع إسرائيل.
ولكن على الرغم من تزايد الاحتجاجات الأميركية الشعبية ضد موقف بايدن المنحاز بشدة لإسرائيل، فإن العديد من الخبراء يستبعدون أن يضغط الرئيس الصيني شي على نظيره الأميركي في قمة اليوم، لأنه في النهاية فإن تضرر صورة أميركا وتضاؤل نفوذها يخدم المصالح الاستراتيجية لبكين.