قمة بريكس.. ما بين حلم الانفكاك عن الدولار وكابوس الدول غير المنتجة

21 أكتوبر 2024
اجتماع لمجموعة بريكس في جنوب أفريقيا، 24 أغسطس 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- انعقاد قمة بريكس في قازان: تستضيف قازان قمة بريكس من 22 إلى 24 أكتوبر، مع انضمام دول جديدة لأسباب سياسية، مثل الأرجنتين وإيران، بينما تسعى مصر وإثيوبيا لجذب الاستثمارات الأجنبية.

- التحديات الاقتصادية وفرص الاستثمار: تواجه دول بريكس تحديات اقتصادية تتطلب تعزيز الإنتاج المحلي، حيث حققت روسيا اكتفاءً ذاتيًا في المنتجات الزراعية، مما يفرض على الأعضاء تطوير صناعاتهم لتجنب الاعتماد الخارجي.

- الدلالات الجيوسياسية للقمة: تسعى روسيا لإظهار فشل عزلها بسبب النزاع الأوكراني، بمشاركة قادة عالميين، مما يعكس أهمية القمة، بينما تراقب الولايات المتحدة بقلق استعراض موسكو لقوتها الدبلوماسية.

تعقد مجموعة بريكس قمتها القادمة في قازان، عاصمة تتارستان، بروسيا، في الفترة من 22 وحتى 24 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وذلك وسط آمال وطموحات مختلفة سواء بالنسبة للدولة المؤسسة للمجموعة أو الدول حديثة الانضمام والتي يرتبط انضمامها للمجموعة بقواعد واعتبارات تختلف بعضها عن بعض بشكل واضح.

وقمة قازان تعتبر الأولى بعد المرحلة الثانية من توسعة المجموعة، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن المرحلة الأولى من التوسعة حصلت في إبريل/ نيسان من عام 2011 عندما انضمت جنوب أفريقيا إليها، ويمكن القول صراحة إن هذه المرحلة ربما كانت الأخيرة التي ارتبطت توسعة المجموعة فيها بالقواعد الأساسية المنظمة لعملية الانضمام وهي "تحقيق أكبر معدلات تنمية اقتصادية" في العالم.

أسباب الانضمام إلى بريكس

وفي المرحلة الثانية يلاحظ أن هناك العديد من الدول انضمت إلى المجموعة رغم أنها لم تحقق معدلات التنمية المطلوبة، وهو ما يعطي الدافع القوي للقول إن أساس التوسعة هذه المرة تمثل بالاعتبارات السياسية أكثر منها الاعتبارات الاقتصادية، كما يلاحظ أن كل دولة من الدول حديثة الانضمام لها أهدافها الخاصة بها والتي دفعتها للانضمام، فعلى سبيل المثال سوف نجد أن دافع الأرجنتين للانضمام حينما تقدمت أساسا بطلب العضوية وقبل التغييرات الأخيرة في اتجاهاتها كان هو الدافع السياسي والرغبة في الفكاك من سيطرة الدولار، أو بالأحرى محاولة يائسة للفكاك من الهيمنة الأميركية.

وفي ما يخص إيران، هناك أسباب أمنية وأخرى سياسية، وتشمل الأسباب الأمنية الإنتاج المشترك لبعض أنواع الأسلحة، مثل المسيرات وبعض القذائف، أما الأسباب السياسية فهي أن إيران ربما تكون أحد نوافذ توسيع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.

وفي ما يتعلق بكل من مصر وإثيوبيا، فربما تتماثل مصالحهما في الانضمام لبريكس وإن كانت لا تتلاقى، ذلك أن كلاً منهما تمر بضائقات مالية واقتصادية، وتحتاج بشدة إلى اجتذاب الاستثمارات الأجنبية لتمويل مختلف المشروعات الإنتاجية على أمل مضاعفة الإنتاج ، إلا أن الوضع الجغرافي الفريد الذي تتمتع به مصر إلى جانب الاستقرار السياسي والأمني وغيرها من المميزات النوعية يعطيها ميزة نسبية تفوق إثيوبيا في مجال الجدوى الاستثمارية.

ومن الواضح أن مصر تدرك جيدا هذا الواقع، والأكثر أنها تدرك جيدا أن السوقين الروسية والصينية وأسواق بعض الدول الأخرى لم تعد واعدة، ولا يمكن الاعتماد عليها في ما اعتادت تصديره من منتجات تقليدية، مثل الخضروات والفاكهة وغيرهما. وإذا تمت متابعة حالة السوق الروسية في السنوات الأخيرة بإمعان، سوف نجد أن روسيا تسير بخطى سريعة للغاية في مجال تنويع ومعدلات الإنتاج بما في ذلك المنتجات الغذائية، فتقارير الجهاز الاتحادي للإحصاء الأخيرة في روسيا تشمل أرقاما لمستوى الاكتفاء الذاتي لروسيا في مجال الأمن الغذائي، وهي أرقام لا تعطي الأمل مطلقا لمن يواصل الاعتقاد بأن السوق الروسية هي سوق واعدة للمنتجات الزراعية التقليدية.

برنامج الاكتفاء الذاتي

وينبغي تذكّر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد دشن قبل سنوات برنامجا طموحا في مجال الأمن الغذائي، وهذا البرنامج يقوم على أساس تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من قطاعات المنتجات الزراعية والحيوانية والغذائية، وكافة التقارير الواردة من روسيا تؤكد أنها حققت نتائج كبيرة في هذا المجال، حيث أفاد التقرير الأخير لهيئة الإحصاء بأن روسيا تمكنت للعام الثاني على التوالي من تحقيق اكتفاء ذاتي في مجال البطاطس وصل إلى 101%.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن دولة مثل مصر اعتادت لعقود طويلة على تصدير هذا المنتج لروسيا؛ وهو ما يعني أنه لا يمكن التعويل على ذلك كثيرا. والأمر لا يتوقف عند ذلك، فقد تمكنت روسيا في ظل العقوبات الغربية من تحقيق الاكتفاء الذاتي أيضاً في مجال اللحوم بنسبة 101.7%، ومنتجات الألبان بنسبة 84.3%، والأسماك 102.9%، والبيض 98.6%، والخضروات 89.1%، والفاكهة .44.6%.

والأكثر من ذلك هو أن روسيا حققت نتائج مبهرة في حاصلات زراعية لم تكن تهتم بها من قبل، حيث تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال تقاوي الأرز بنسبة 90 – 95%، وهو ما يعني أنها تتجه بقوة لزراعة الأرز لتوفيره في السوق الداخلية والتصدير، وبدأت بالفعل في تجربة زراعة القطن، حيث حققت التجربة هذا العام نجاحا مبهرا، وفقا لتقديرات أكبر الخبراء في العالم في هذا المجال، وهو ما يعني أيضا أنها في غضون سنوات قليلة سوف تدخل مضمار سوق المنسوجات بقوة شديدة وتصبح من أكبر المنافسين فيه.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

إذن ما الذي تعنيه هذه الأرقام؟ بكل بساطة إن من يعتقد بأن الانضمام لبريكس في حد ذاته سوف يحقق له المكاسب فهو مخطئ، وقد يعود ذلك عليه بخسائر كبيرة، فمن لم يلحق بركب الإنتاج وتعزيز قدراته التصديرية سوف يتحول لمجرد سوق لتدفق منتجات هذه الدول وإثقال نفسه بالمزيد من الديون إلى الحد الذي يفقد معه جانبا ليس بسيطا من سيادته للوفاء بهذه الديون.

وغالبية الدول التي انضمت إلى بريكس هي من الدول التي لها تاريخ في الاستثمار، أي أنها دول تمويلية، وبما أن المال لا يعرف العواطف، لذلك من لن يواكب المسيرة سوف يبتلعه رأس مال بريكس بكل بساطة ودون هوادة.

القمة، وهي الأكبر في روسيا منذ بدء النزاع في أوكرانيا، تأتي في توقيت يسعى فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتظهير أن المحاولات الغربية لعزل موسكو بسبب غزوها المستمر منذ عامين ونصف عام قد باءت بالفشل.

ومن المقرر أن يشارك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس والرؤساء الصيني شي جين بينغ والبرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا والتركي رجب طيب إردوغان في القمة التي تستضيفها مدينة قازان من 22 تشرين الأول/اكتوبر وحتى 24 منه. وقالت روسيا إنها تتوقع أن يشارك في القمة أيضا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

وتعتبر الولايات المتحدة أن مجموعة بريكس غير قادرة على التحول إلى "منافس جيوسياسي"، إلا أن واشنطن تعبر عن قلقها إزاء استعراض موسكو قوتها الدبلوماسية وسط احتدام النزاع في أوكرانيا.

(رويترز، أسوشييتد برس)

المساهمون