قيس سعيّد يصطدم في ولايته الجديدة بأزمات التونسيين

09 أكتوبر 2024
المواطنون يعانون من غلاء السلع الأساسية (شاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

طوى التونسيون ليلة السادس من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي صفحة الانتخابات الرئاسية الجزائرية، بإعلان فوز المرشح والرئيس الحالي قيس سعيد، بنسبة 89.2%، متقدماً بنسبة كبيرة على منافسيه العياشي الزمال وزهير المغزاوي.
ويبدأ سعيد ولايته الجديدة التي تدوم 5 سنوات، في ظل أزمة اقتصادية تتجذّر في البلاد منذ سنوات، ما أدى إلى نزول النمو الاقتصادي إلى نسبة لا تزيد عن 0.2%، وارتفاع البطالة إلى 16.2%، فضلا عن تواصل تداعيات الضغوط التضخمية، وغلاء الأسعار على معيشة التونسيين الذين يصيب الفقر نحو 3 ملايين منهم.
وينتظر التونسيون من سعيد أن يجد حلولا لأزماتهم المعيشية، وأن يعجّل بإصلاح المرافق الخدماتية الأساسية، على غرار التعليم، والنقل، والصحة، وكبح الغلاء، فضلا عن إرساء العدالة الضريبية، وتفكيك النظام الريعي الذي تتقاسم بمقتضاه فئة صغيرة الثروات، بينما يعم الفقر الجميع.
صلح مع رجال الأعمال
ومنذ شهر يوليو/ تموز 2021 تاريخ سيطرة الرئيس التونسي على الحكم، بمقتضى حل البرلمان، وإعلان تدابير استثنائية في إدارة البلاد، أعلن سعيد حربا على الفساد، جرى بمقتضاها إحالة ملفات عدد من رجال الأعمال إلى القضاء وسجنهم، قبل أن يفتح معهم مسارا للتفاوض من أجل استعادة الأموال بمقتضى قانون للصلح الجزائي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

في الأثناء، لم يعلن رسميا عن أي نتائج في الصلح الجزائي، كما لم تتمكن السلطات من تحصيل عائدات من مسار التفاوض مع رجال الأعمال، كذلك عانى التونسيون من نقص المواد الأساسية، وطوابير البحث عن الدقيق والسكر والزيت.
وفي عام 2023، نما الاقتصاد التونسي بنسبة 0.4% فقط، مقارنة بـ 2.4% في 2022. وتوقعت وكالة "ستاندرد آند بورز" ارتفاعاً بطيئاً لاقتصاد تونس إلى حوالي 1% خلال الفترة الممتدة ما بين 2024 و2025، مع استمرار التضخم وارتفاع أسعار الفائدة في التأثير بالاستهلاك الخاص.
 

سياسات تقشفية على المواطنين

ويعتقد الباحث في الشأن الاقتصادي، عبد الجليل البدوي، أن من أبرز التحديات المطروحة على الرئيس التونسي في ولايته الجديدة هو تطبيق الاختيارات الاستراتيجية التي يتبناها في أرض الواقع، وأقلمتها مع السياسات العمومية المطبّقة من قبل حكومته، من أجل خلق الثروة والاستجابة لمطالب المواطنين
وقال البدوي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الخيارات الاستراتيجية التي يتبناها سعيد، والمتمثلة في سيادة القرار الاقتصادي، وعدم الإذعان لضغوط صندوق النقد الدولي، ومكافحة الفساد، مهمة جداً لتحقيق نمو اقتصادي مستدام يعبّد الطريق نحو الرخاء الاجتماعي.
غير أن هذه الخيارات، بحسب البدوي، ليس لها أي أثر في السياسات العمومية التي تطبقها الحكومة، مشيرا إلى أن السياسات العمومية هي سياسات تقشفية بالأساس، تسببت في تقليص كتلة الرواتب، وتراجع مخصصات المرافق الحكومية، وأدت إلى تجميد التوظيف الحكومي ما زاد من نسب البطالة.
وأشار الباحث في الشأن الاقتصادي، عبد الجليل البدوي، إلى أن السلطة التونسية ترفض إملاءات صندوق النقد الدولي، وتنفذ توجيهاته بنسق بطيء، وهو ما يعاكس تماما الخطاب الرسمي الذي يتبناه الرئيس التونسي.
ويطالب صندوق النقد الدولي سلطات تونس بخفض كتلة الأجور إلى أقل من 12% من إجمالي الناتج المحلي الذي من المتوقع أن يبلغ 175 مليار دينار هذا العام، للحد من تأثيرها على مصاريف ميزانية الدولة، بعد أن صعد الإنفاق على الأجور إلى حدود 16% من إجمالي الناتج المحلي.
وشدد البدوي على أهمية تغيير السياسات العمومية، والتوجه نحو سياسات توسعية تساعد على خلق الثروة، وتحقق الرفاهية الاجتماعية المنشودة من التونسيين.
 

تجميد الوظائف

لكن وثيقة رسمية كشفت أن السلطات تتجه نحو مواصلة السياسة التقشفية في نفقات التسيير، وتجميد التوظيف في القطاع الحكومي، إلى جانب توسعة قاعدة الضرائب في العام المقبل، بهدف تعزيز الموارد المالية لخزانة الدولة.
وذكرت الوثيقة التي نشرتها وزارة المالية بشأن الخطوط العريضة لمشروع الموازنة المقبلة على موقعها الإلكتروني أن "مشروع قانون المالية لسنة 2025 يهدف إلى "التحكم التدريجي في التوازنات المالية، والتقليص قدر الإمكان من اللجوء إلى التداين الخارجي، والمزيد من التعويل على الذات ركيزة أساسية لضمان استدامة المالية العمومية".
وقالت الوزارة إن النية تتجه نحو مواصلة العمل على التحكم في كتلة الأجور، والنزول بها إلى نسب معقولة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أشارت إلى اعتزام الحكومة ترشيد الانتدابيات (التوظيف)، وتوجيهها حسب الأولويات القطاعية، وعدم تعويض الشغورات (النواقص)، والسعي إلى تغطية الاحتياجات المتأكدة بإعادة توظيف الموارد البشرية المتوفرة أو عن طريق الحراك الوظيفي.

وتمثل كتلة رواتب القطاع الحكومي، وفق بيانات رسمية 49.1% من مداخيل ميزانية الدولة، بعد أن تطور حجمها من 6.7 مليارات دينار (2.2 مليار دولار) عام 2010 إلى 23.7 مليار دينار (حوالي 7.8 مليارات دولار) عام 2024 ما يشكل 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وتنهج تونس منذ نحو 6 سنوات سياسة تجميد التوظيف في القطاع الحكومي، بهدف النزول بكتلة الأجور إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي.

غياب مشروع اقتصادي واضح

من جانبه، يبدي وزير التشغيل السابق والخبير الاقتصادي، فوزي عبد الرحمان، قلقا من غياب مشروع اقتصادي واجتماعي واضح تتبناه السلطة الحالية، مؤكدا أن الرئيسي التونسي لم يقدم أي برنامج لولايته الجديدة خلال السنوات الخمسة القادمة.
وقال عبد الرحمان في تصريح لـ"العربي الجديد" إن التونسيين يتطلعون إلى تحسين وضعهم الاقتصادي والمالي والمرور نحو تحقيق المطالب الأساسية لثورة يناير/ كانون الثاني 2011 وهي الشغل والحرية والكرامة الوطنية، غير أن مقومات تحقيق هذه المطالب غير متوفرة، حسب قوله.
ويعتقد وزير التشغيل السابق أن تحقيق أحلام وتطلعات التونسيين يحتاج إلى رؤية اقتصادية شاملة، تعطى فيها الأولوية للاستثمارات العمومية والخاصة، من أجل خلق الثروة التي تتمكن لاحقاً من استيعاب البطالة، وخفض نسب الفقر، وتحسين دخل الطبقات الضعيفة والمتوسطة.
وتعيش الأسر التونسية وضعا ماليا صعبا، نتيجة زيادة الأسعار، وارتفاع كلفة المعيشة، مقابل تراجع قدرتها على الاقتراض، نتيجة ارتفاع نسب الفائدة على القروض وتآكل الدخل.
وتسببت المصاعب الاقتصادية التي يعيش التونسيون على وقعها طيلة السنوات الأخيرة في لجوء الكثيرين إلى الاستدانة من البنوك، عبر الحصول على قروض استهلاك متفاوتة القيمة، لتسديد مصاريفهم اليومية، وإيجاد سيولة مالية للعديد من النفقات.
وحسب بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي، يبلغ متوسط الراتب الشهري للموظف الحكومي 1387 ديناراً (نحو 450 دولاراً). ويبلغ إجمالي موظفي تونس نحو 670 ألف شخص، بينما يحتاج تحقيق العيش الكريم لأسرة تتكون من أربعة أفراد، وفق دراسة أجرتها منظمة "إنترناشيونال ألارت تونس" في شهر مارس/ آذار 2021 إلى ما لا يقل عن 2400 دينار.
 

المساهمون