مرحلة حرجة وصلت إليها مجموعة "كريدي سويس" المالية" Credit Suisse Group، ثاني أكبر بنك سويسري، وسط تحليلات تشير إلى احتمال وقوعه في فخ إفلاس شبيه بمصير "ليمان براذرز"، بما يهدد كيانه وينذر بفقدان العرب استثمارات بمليارات الدولارات.
وأخطر ما تمظهرت به أزمة البنك سحب عملائه ما يصل إلى 84 مليار فرنك سويسري (88.3 مليار دولار) من أموالهم فيه خلال الأسابيع القليلة الأولى من الربع الرابع، مما يؤكد المخاوف المستمرة بشأن جهود إعادة الهيكلة.
فما القصة "كريدي سويس"؟
أثارت القلق على نطاق واسع توقعات مجموعة "كريدي سويس" حول تكبّدها خسارة خلال الربع الرابع من هذا العام، تزامنا مع ضعف التدفقات المالية الخارجة بشكل متواصل من قسم إدارة الثروات، حسبما اعتبر محللو بنك الاستثمار العالمي "جيه بي مورغان تشايس آند كو".
جاء الإعلان عن مباعث القلق هذه من قبل العملاق الأميركي بعدما حذر البنك السويسري من أنه سيتكبد خسارة 1.5 مليار فرنك سويسري (1.6 مليار دولار) خلال الربع الأخير من 2022، بسبب التكاليف المتعلقة بإعادة الهيكلة، وتكاليف التقاضي التي أضرت بالأرباح.
وأعلن عن مزيد من تخارج الأموال من قسم إدارة الثروات وسط تراجع ثقة العملاء بملاءته، ما أدى إلى تراجع سهمه 5% نحو مستويات منخفضة جديدة.
وخلال الربع الثالث، حقق البنك الذي يتخذ من زيورخ مقراً له خسائر بقيمة 4.03 مليارات فرنك سويسري (4.09 مليارات دولار)، مقارنة مع توقعات المحللين البالغة 434 مليون فرنك.
وتراجعت إيرادات الربع الثالث من العام الحالي 30% سنوياً إلى 3.8 مليارات فرنك مقابل 5.44 مليارات فرنك خلال العام الماضي، كما تراجعت قيمة الأصول التي يديرها البنك من 1.62 تريليون فرنك إلى 1.40 تريليون فرنك خلال الفترة نفسها.
وقالت مصادر إن البنك يجري محادثات مع "رويال بنك أوف كندا" و"مورغان ستانلي" الأميركي بشأن زيادة محتملة لرأسمال البنك السويسري، لتعزيز ميزانيته وتمويل عملية إعادة الهيكلة.
وتواجه المجموعة أزمة مالية طاحنة في ظل سلسلة فضائح هزت المجموعة بقوة، ما أفقد سهمها أكثر من ثلثي قيمته في أقل من عامين.
ويعمل "كريدي سويس" على خفض ما لا يقل عن ثلث القوى العاملة لديه في مجال الاستثمار المصرفي وحوالي 40% من طاقم البحوث في الصين، بعد شهرين فقط من الموافقة على إنفاق 160 مليون دولار للسيطرة الكاملة على شركته للأوراق المالية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وخفض البنك حوالى 25 وظيفة مصرفية استثمارية و10 من وظائف البحوث في الصين هذا الأسبوع، بعد الانتهاء من جولة من التخفيضات الوظيفية في المنطقة في وقت سابق من هذا الشهر، كجزء من تخفيض عالمي لـ2700 وظيفة مخطط له في الربع الرابع.
ويخضع البنك السويسري لعملية إصلاح شاملة، حيث يسعى إلى تقليص 2.5 مليار فرنك (2.5 مليار دولار) من قاعدة التكلفة الخاصة به، وخفض حوالي 9 آلاف وظيفة بحلول عام 2025 لوقف الخسائر الناجمة عن سلسلة من الفضائح والأخطاء الإدارية.
وهذه خطط العملاق السويسري، لكن ما مصير مليارات العرب المستثمرة فيه ومن خلاله؟
- السعودية
في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قال "البنك الأهلي السعودي"، أكبر بنوك المملكة من حيث الأصول، إنه لم يتلق أي معلومات قد تثير المخاوف بشأن حوكمة "كريدي سويس" وإنه ما زال يدعم خطة التحول التي أعلنها البنك في 27 أكتوبر/تشرين الأول.
وجاء إعلان البنك السعودي بعد مخاوف أثارها مستثمران آخران في البنك السويسري بشأن تعامله مع أي تضارب محتمل في المصالح لمايكل كلاين، عضو مجلس الإدارة السابق، والمديرة بلايث ماسترز، عندما بدأ في تنفيذ إصلاح شامل الشهر الماضي.
ووافق البنك الأهلي السعودي، المملوك جزئيا للمملكة، على استثمار 1.5 مليار فرنك سويسري (1.59 مليار دولار) في البنك السويسري، ومن المقرر أن يستحوذ على حصة تصل إلى 9.9%. (الدولار= 0.9451 فرنك سويسري).
وسبق ذلك في 2 نوفمبرىأن قال رئيس "الأهلي السعودي" عمار الخضيري، في مقابلة تلفزيونية، إن الاستثمار في "كريدي سويس" تكتيكي وليس استراتيجيا، مضيفا أن "لا رغبة لنا بدخول مجلس إدارة كريدي سويس أو التدخل في قراراته، وقد نفكر في التخارج في 2024 أو2025، إلا أنه لن يكون قبل 2024".
وكان "كريدي سويس" المتعثر قد أعلن الشهر الماضي أنه يعتزم جمع 4 مليارات فرنك سويسري (4.01 مليارات دولار) من المستثمرين لتمويل إعادة هيكلته وتعزيز ميزانيته العمومية في أعقاب سلسلة من الفضائح والخسائر.
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول، كان أعلن البنك الأهلي التزامه بالمشاركة في عملية زيادة رأس المال لمجموعة "كريدي سويس" بقيمة 1.5 مليار فرنك سويسري (1.51 مليار دولار)، مشيرا إلى أن هذا الاستثمار سيجعله مساهما كحد أقصى بما نسبته 9.9%.
وذكر البنك أنه قد يشارك أيضا في عملية زيادة رأس المال للمجموعة مستقبلاً، والتي تهدف إلى إنشاء بنك استثماري مستقل يركز على أنشطة الاستشارات وأسواق المال.
ويهدف البنك السعودي من هذا الاستثمار إلى تطوير أعماله في إدارة الأصول وإدارة الثروات والخدمات المصرفية الاستثمارية في المملكة والمنطقة.
ومن غير المتوقع أن تشارك "مجموعة العليان" الاستثمارية المملوكة لعائلة سعودية ثرية في طرح الأسهم، لكنها ستحتفظ بحصتها البالغة حوالى 5% في البنك من خلال المشاركة في قضية حقوق الأولوية.
- مشاركة إماراتية محتملة
وسبق أن أفادت شبكة "بلومبيرغ" الأميركية بأن أبوظبي والسعودية تدرسان، من خلال صناديق الثروة السيادية الخاصة بهما، ما إذا كانتا ستضخان أموالا في "كريدي سويس" الاستثماري وأنشطة أخرى للبنك، مشيرة إلى أن الاستثمار سيكون بهدف الاستفادة من تقييمات منخفضة.
وأضافت مصادر للشبكة أن أبوظبي والسعودية تستكشفان بشكل منفصل إمكانية الاستثمار عبر صناديق الثروة السيادية، مثل "شركة مبادلة للاستثمار" المملوكة لحكومة أبوظبي، و"صندوق الاستثمارات العامة" السعودي، مشيرة إلى أن صفقة محتملة قد تبرم عبر طرق أخرى، حيث تمتلك حينها كل دولة حصصا كبيرة.
وأشارت المصادر إلى أن المداولات مازالت في مرحلة مبكرة ولا يتضح بعد ما إن كانت ستسفر عن عروض أكيدة. ونقلت عن مصدر قوله إن استثمارا محتملا في البنك كان محل نقاش على أعلى المستويات في حكومة أبوظبي.
- جهاز قطر للاستثمار
وفي 2 نوفمبر، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن مصادر مطلعة أن "جهاز قطر للاستثمار" يخطط لزيادة حصته في مجموعة "كريدي سويس" من شراء أسهم إلى جانب "البنك الأهلي السعودي".
ووفقا للتقرير، ستصبح رُبع أسهم "كريدي سويس" مملوكة لمستثمرين من الشرق الأوسط، بموجب الصفقة.
ويمتلك "جهاز قطر للاستثمار" فعلا ما نسبته 5% من أسهم "كريدي سويس". وبعد بيع الأسهم، سيمتلك البنك السويسري و"قطر للاستثمار" وشركة "العليان" ما بين 20 و25% من أسهم البنك.
أزمة "كريدي سويس" تعيد إلى الأذهان كارثة "ليمان براذرز"
وتواجه "كريدي سويس" وضعا صعبا في ظل سلسلة فضائح هزتها وتراجع قيمتها في البورصة إلى أقل من الثلث خلال عام ونصف، ما يذكر بانهيار مصرف "ليمان براذرز" الأميركي، الضحية الأولى الكبرى للأزمة المالية التي عصفت بالعالم في 2008-2009.
ومنذ تلك الأزمة، بذلت المصارف في العقد المنصرم جهودا هائلة لتوطيد متانتها في وجه أي أزمات قد تواجهها.
في السياق، أعلنت "كريدي سويس" في نتائجها لمنتصف السنة الصادرة في نهاية يوليو/تموز عن نسبة ملاءة 13.5%، مقارنة مع 12.2% لمصرف "بي إن بي باريبا" و14.95% لمصرف "يونيكريديت" الإيطالي، و13% لـ"دويتشه بنك" الألماني.