نجح رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس كلاوس شواب في أن يحول محطة صغيرة للتزحلق على الجليد بسويسرا إلى مكان يحج إليه رؤساء دول وحكومات ورؤساء شركات متعددة الجنسيات ورؤساء مصارف ممثلون للمجتمع المدني من أجل التداول في القضايا التي تشغل العالم حاضراً ومستقبلاً.
عندما أطلق هذا الألماني المولد الذي رأى النور في مارس/ آذار 1938 المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس الذي بدأت أشغال أحدث دورة له أول من أمس الإثنين، حرص على أن يجعله ملتقى للأصوات المختلفة نسبياً. فقد ارتأى أن يحضره رجال أعمال ورؤساء حكومات ودول ومسؤولون في المجتمع المدني. ذلك تصوّر بلوره منذ بداية سبعينيات القرن الماضي.
التحق هذا المهندس والاقتصادي بجامعة جنيف الذي درس فيها التدبير الصناعي في ستينيات القرن الماضي، بعدما حصل على شهادة الدكتوراه من مدرسة البوليتينيك، والليسانس في العلوم الاقتصادية والماجيستير في الإدارة العمومية من هارفارد.
غير أنه بعد سنوات من بداية مساره كأستاذ جامعي، قرر تنظيم ما كان يسمى "المنتدى الأوروبي للتدبير" في عام 1971، حيث كان الهدف التئام كبار الرؤساء التنفيذيين للشركات في القارة الأوروبيين مع رؤساء الدول بمحطة للتزحلق على الجليد بسويسرا، وهو الموعد الذي غيّر اسمه إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في 1987.
عندما وسّع أفق المنتدى، كان يعتقد أن وصفات التدبير يمكن أن تطبق في مجالات غير الشركات، إذ اعتبر أنه يمكن استلهام هذه المفاهيم الثلاثة (وضع الإطار، وخلق الروابط، والبناء)، وهذا هو سر التوافق في تصوره.
وأضحى منتدى دافوس بعد انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، موعداً يجمع قادة البلدان الصاعدة والبلدان الشيوعية السابقة وكبار الرأسماليين ومصارف الأعمال التي يمكنها توفير التمويلات.
جذب المنتدى شخصيات سياسية من أجل الحوار. فقد استضاف في 1992 الرئيس الجنوب أفريقي فريديرك دوكليريك ونيلسون مانديلا وشيمون بيريز وياسر عرفات. كما جذب رؤساء دول مثل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، والرئيس البرازيلي لولا داسيلفا عندما كان ينظر إليه في ولايته الأولى كأحد قادة البلدان الصاعدة، والرئيس الصيني تشي جين بينغ والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
حرص رؤساء شركات متعددة الجنسيات الذين كانوا في التسعينيات من القرن الماضي سعداء بالنظام الاقتصادي الدولي الجديد على حضور المنتدى الذي رأى فيه البعض "مختبراً للفكر الوحيد"، قبل أن تفرض الأزمات التي هزت العالم بعض الشك في اليد الخفية للسوق.
لم يغفل المنتدى الوزن الذي أضحى لمنظمات المجتمع المدني المدافعة عن البيئة والمنددة بالفوارق الاجتماعية، حيث يستضيف غرينبيس أو أوكسفام. ذلك لا يحول دون مناهضين للعولمة والحضور إلى تلك القرية الصغيرة من أجل الاحتجاج ولفت الانتباه إلى ما يعانيه ضحايا العولمة.
يؤاخذ منتقدو المنتدى على كلاوس شواب تغليب مقاربات موغلة في الليبرالية، غير أن من المراقبين من يدافعون عن ذلك التوجه، محيلين على أعمالها التي يرون أنها تدافع عن رأسمالية ذات بعد اجتماعي.
فهو المتشبع بالثقافة الألمانية، الذي لم يخف تطلعه إلى إصلاح النظام الرأسمالي، الذي يعاني في تصوره من الفساد والحرص على المدى القصير من قبل الفاعلين وتغليب نوع من الاستحقاق الذي يفرز رابحين وخاسرين.
حرص رؤساء شركات متعددة الجنسيات الذين كانوا في التسعينيات من القرن الماضي سعداء بالنظام الاقتصادي الدولي الجديد على حضور المنتدى
ما زال هذا الثمانيني يمارسه نشاطه كرئيس تنفيذي للمنتدى. يرى البعض أن الكثير من الغموض يحيط بشخصية كلاوس شواب، ويتساءل مراقبون حول ما إذا كان سيواصل أداء مهمته على رأس المنتدى أم لا؟
ويؤكد العارفون بمساره بأنه مستمر بالتفكير في القضايا التي تشغل العالم في الحاضر والمستقبل. فهو يحاول تقريب وجهات النظر ووضع أسس "التعاون في عالم مشرذم" بفعل الوضع الجيوسياسي والخلافات التجارية بين الدول العظمى والحرب الروسية على أوكرانيا، دون إغفال الركود الاقتصادي والتضخم والأزمة المعيشية والفوارق التي تشغل الدول والناس في العالم.
بلور في سياق الأزمة الصحية مفهوم "إعادة الضبط الشامل" (Great Reset)، إذ يقول في مقال له "يجب على العالم مضافرة جهوده والعمل بشكل مشترك وسريع لتجديد كلّ ما يتعلّق بمجتمعاتنا واقتصاداتنا، بداية من الجوانب التعليمية وصولاً إلى العقود الاجتماعية وظروف العمل. يجب على كافة الدول، من الولايات المتحدة إلى الصين، المشاركة في هذه العملية، كذلك يجب تحويل كافة الصناعات من النفط والغاز إلى التكنولوجيا. وباختصار، فإننا بحاجة إلى إعادة ضبط شامل للرأسمالية".