يقلق التونسيون من كلفة الاستعمال المكثف لمكيفات الهواء ووسائل التبريد على فواتير الكهرباء بعد موجة حر قياسية حولت المكيفات الهوائية إلى أجهزة أساسية في حياة المواطنين. وبينما ترتفع الكلفة، يطالب المواطنون بإعادة النظر في هيكلة الفواتير التي تصدرها شركة الكهرباء والغاز الحكومية.
وتسجل تونس منذ بداية يوليو/تموز الحالي موجة حر قياسية بلغت فيها معدلات الحرارة مستويات غير مسبوقة، وصُنفت من بين الأعلى عالمياً في محافظات القيروان وتوزر وباجة.
ويحوّل الحر المستمر والتغيرات المناخية التي تشهدها تونس استعمال المكيفات الهوائية إلى أجهزة أساسية في حياة المواطنين ويمدد مدة استخدامها لساعات أطول بعد أن كان استخدامها مقتصرا على أوقات الذروة ظهراً.
ويلقي الاستخدام المكثف لأجهزة التبريد بظلاله على كلفة الطاقة في سلة الإنفاق الأسري والدولة التي أعلنت تسجيل طلب قياسي على الكهرباء فاق 4800 ميغواط.
وأعلنت سلطات تونس، يوم 21 يوليو/تموز الماضي تسجيل أرقام قياسية جديدة في الطلب على الطاقة الكهربائية بلغت 4825 ميغاوات، وهو رقم قياسي تجاوز أعلى الأرقام التي سُجِّلَت في سبتمبر/ أيلول 2022، والمقدرة بـ4677 ميغاواط.
ويمثل تضخم فواتير الكهرباء بسبب استعمال وسائل التبريد عبئاً على أسر تونس التي تواجه الغلاء الشديد ونسب تضخم مرتفعة أرهقت المواطنين.
ويقول المواطن كريم الفطانسي (42 عاماً) إنه ينتظر فاتورة كهرباء صاعقة في شهر أغسطس/آب بعد أن اضطره الحر إلى استخدام مكيفات الهواء لساعات طويلة في اليوم.
ويضيف: "لم نكن نقطع استعمال المكيفات إلا لفترات قليلة خلال الأسابيع الماضية، وكنت في الأثناء أراقب حركة العداد التي كانت تدور بسرعة كبيرة، لكن لم يكن لدينا أي خيار ثانٍ" .
ويشير الفطانسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأسر أصبحت تأخذ بالاعتبار كلفة فواتير الكهرباء صيفاً، مؤكداً أن الدولة مطالبة بدورها بالأخذ بالاعتبار تداعيات التغيرات المناخية على حياة المواطنين ونفقاتهم والتخفيض من سعر الكهرباء صيفاً.
ويعتبر المتحدث أن الحر يندرج في إطار الظروف الطبيعية القاهرة التي تتطلب حلولاً استثنائية تخفف من أعباء فواتير الكهرباء الباهظة التي يمكن أن تلتهم مرتبات التونسيين كاملة خلال الفترة المقبلة.
وتشهد تونس في السنوات الأخيرة ارتفاعاً لافتاً في أعداد مكيّفات تبريد الهواء المركّزة في الشقق والمنازل، والتي قد تصل إلى اثنين وثلاثة مكيّفات في البعض منها.
ويبرّر التونسيون اللجوء الى التّكييف بالارتفاع اللافت سنوياً في درجات الحرارة، ما يدفعهم إلى اقتناء مكيّفات الهواء على اختلاف أصنافها مع جهل بمدى استهلاكها للطاقة.
ووفق استبيان حول استخدام الطاقة بالمنازل، كشفت شركة الكهرباء والغاز عن نتائجه في فبراير/شباط الماضي، فإن عدد مكيفات التبريد في تونس تضاعف بعشر مرات في الفترة بين 2009 و2019، حيث كان عدد المكيفات 234 ألفاً في سنة 2009 ليرتفع إلى مليون و681 ألف مكيف في سنة 2019.
وأظهرت نتائج الاستبيان الدوري الذي تعده الشركة كل خمس سنوات، أن نسبة تجهيز الأسر التونسية بمكيفات التبريد ارتفعت من 48 بالمائة في 2020 إلى حوالى 51 بالمائة في سنة 2022. وأوضح الاستبيان نفسه أن القدرة المركزة حسب المتر المربع الواحد من المكيفات بلغت 10 أمتار مربعة في المناطق الحدودية والجنوبية للجمهورية التونسية، مقابل 7 أمتار مربعة في بقية المناطق. كذلك كشف الاستبيان أن حوالى 36 بالمائة من مكيفات التبريد في تونس تركزت في القطاع المنزلي خلال السنوات الثلاث الأخيرة كانت غير مطابقة للمواصفات الحكومية.
ويقر رئيس منظمة إرشاد المستهلك (مدنية) لطفي الرياحي، ببروز تحولات عميقة في تعامل التونسيين مع الكهرباء المنزلية، مؤكداً أن معدل استعمال المكيفات ووسائل التبريد الكهربائية تطور بنحو مرتين.
ونبه في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن عدد ساعات استعمال المكيفات يقترب في فترات ذروة الحر مما يزيد على 22 ساعة يومياً، وهو ما يفرض ضغوطاً مالية كبيرة على المواطنين.
وأشار الرياحي إلى أن تحمّل أعباء كبيرة في فواتير الطاقة يؤثر بباقي النفقات الأسرية، حيث تضطر العائلات إلى التقشف على حساب نفقات الصحة والغذاء من أجل سداد فواتير الكهرباء المتضخمة نتيجة استعمال المكيفات، مطالباً السلطات بالأخذ بالاعتبار تبعات التحولات المناخية على حياة المواطنين واستهلاكهم للطاقة عبر إعادة هيكلة فواتير الكهرباء وتغيير طرق احتساب الاستهلاك.
ومضى قائلاً: "تعتمد شركة الكهرباء والغاز حالياً على نظام التدرج في الاستهلاك، حيث يُحتسَب سعر الكهرباء حسب درجات تحدد قيمتها وفق نظام تصاعدي، غير أن الاستهلاك الأسري للكهرباء يحمّل دافعي الفواتير مبالغ كبيرة".
وشدد الرياحي على ضرورة تغيير نسب الاحتساب، وذلك حسب كمية الكهرباء المستهلكة فعلياً، وهو ما يمكّن من تخفيف أعباء الفواتير على المواطنين.
ولا تتحمل الأسر التونسية وحدها أعباء الاستعمال المكثف للكهرباء، حيث يشكل ارتفاع الاستهلاك ضغطاً جديداً على موازنة تونس التي تشكو عجزاً قياسياً يتجاوز 7%، فضلاً عن نقص التمويلات بالعملة الصعبة المخصصة لتوريد المواد النفطية والغاز. وسجلت البلاد تفاقماً في عجز الميزان التجاري بنسبة 14% ليزيد على 3.5 مليارات دينار في مايو/ أيار الماضي، مقابل 3 مليارات دينار في مايو/أيار 2022.