لماذا لم تعلن إسرائيل اقتصاد الحرب وخفّضت سعر النفط؟

12 ديسمبر 2024
دبابة إسرائيلية قرب الحدود مع غزة، 11 ديسمبر 2024 (أمير ليفي/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التناقض في سياسات الاقتصاد الحربي: إسرائيل لم تعلن اقتصاد الحرب رغم النزاع، بل خفضت أسعار الوقود وقدمت تعويضات، بينما أعلنت مصر اقتصاد الحرب تحسبًا لتصاعد الأوضاع.

- تأثير الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي: شهد الاقتصاد انكماشًا حادًا مع تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وتأثر قطاع التكنولوجيا، لكن تعافى جزئيًا في الربع الثالث من 2024.

- التكاليف الاقتصادية والتمويل: قدرت تكلفة الحرب بحوالي 68 مليار دولار، مما دفع إسرائيل لطرح سندات وزيادة الاقتراض، وأدى ذلك إلى تخفيض التصنيف الائتماني بسبب تكاليف الحرب وهروب الاستثمارات.

رغم أنها تدعي المحاربة على سبع جبهات منذ عملية "طوفان الأقصى"، لم تعلن إسرائيل اقتصاد الحرب حتى الآن، بل على العكس اتخذت خطوات لتخفيض سعر النفط، وصرف تعويضات ضخمة لمن تضرروا من الحرب. وفي المقابل، تحدث رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول، عن اقتصاد الحرب في مصر، رغم أنها ليست في حالة حرب، وبرر هذا "بسبب الخشية من انفجار الوضع وصولاً إلى حرب إقليمية في الشرق الأوسط".

ويترتب على إعلان اقتصاد الحرب حالة طوارئ اقتصادية يترتب عليها غلاء في الأسعار، واختفاء سلع، وفرض أنماط اقتصادية ومعيشية معينة على الشعب، وخطوات تقشف لضبط الإنفاق بحجة الحرب. وظهر مصطلح اقتصاد الحرب، والذي يعني تحويل اقتصاد الدولة بشكل كامل أو جزء منه لخدمة المجهود الحربي، لأول مرة، خلال الحرب الأهلية الأميركية ما بين عامي 1861 و1865. ثم برز مجدداً مع الحرب العالمية الثانية، عندما أشار الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت في أحد خطاباته إلى ضرورة التحول إلى اقتصاد حرب في حال انتصار دول المحور.

والمفارقة أن إسرائيل أعلنت تخفيض سعر الوقود ثلاث مرات في سبتمبر 2024، رغم أنها في حالة حرب، بينما رفعت القاهرة أسعار الوقود ثلاث مرات هذا العام، آخرها في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وهي لم تدخل أي حرب، بحيث انخفضت أسعار الوقود في إسرائيل أول سبتمبر/أيلول، ثم أواخر سبتمبر، ثم في مطلع أكتوبر 2024 على التوالي، وأصبح سعر لتر البنزين 7.16 شواكل، بانخفاض قدره 13 أغورة.

اقتصاد الحرب غائب رغم تداعيات العدوان

كان اقتصاد إسرائيل ينمو بقوة حتى أكتوبر 2023، لكنه انكمش بشكل حاد بعد اندلاع الحرب، حيث انكمش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1%، وفقاً للبنك الدولي، بحسب تقرير لموقع "غلوبس" الاقتصادي الإسرائيلي. والسبب، حسبما قالت كارنيت فلوج، محافظ البنك المركزي الإسرائيلي السابق، لشبكة "سي أن أن" في الرابع من أكتوبر 2024، هو أن "الاقتصاد الإسرائيلي يدفع ثمناً باهظاً لحربه المتوسعة".

كما انخفض النمو من 6.5% في عام 2022 إلى 2% في عام 2023، ثم 1.1% و0.5% على مدار عام 2024 ككل، وفقاً لأحدث توقعات الحكومة الإسرائيلية، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية. وانكمش الناتج المحلي الإسرائيلي الإجمالي بنسبة 4.1% عقب هجمات حماس (طوفان الأقصى) أكتوبر 2023، واستمر في الانحدار خلال عام 2024، حيث انخفض بنسبة إضافية قدرها 1.1% و1.4% في الربعين الأولين من العام، وفق "موقع "كونفرزايشن" الأميركي.

وكان قطاع التكنولوجيا هو الأكثر تضرراً، لكن قطاعات أخرى من الاقتصاد الإسرائيلي تضررت، ما أدى إلى غلق شركات عديدة، بسبب القصف المستمر. وقدر تقرير لشركة "كوفاس بي دي آي"، وهي شركة تحليلات أعمال كبرى في إسرائيل، أن 60 ألف شركة إسرائيلية ستغلق أبوابها هذا العام 2024، مقارنة بنحو 40 ألف شركة في عام 2023، بسبب الحرب. وكان اقتصاد إسرائيل ينمو بسرعة قبل بدء الحرب، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قطاع التكنولوجيا، وارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 6.8% في عام 2021 و4.8% في عام 2022، وهو ما يزيد كثيراً عن معظم الدول الغربية.

ولكن الأمور تغيّرت بشكل كبير بعد الحرب، حيث انخفض النمو بنسب مرعبة، ما جعل إسرائيل تواجه خيارات صعبة بشأن كيفية تخصيص مواردها، حيث خفض الإنفاق في بعض مجالات الاقتصاد، لكنها لم تعلن "اقتصاد الحرب". لكن المفارقة أنه، ورغم استمرار الحرب، نما اقتصاد إسرائيل بأكثر من المتوقع في الربع الثالث من عام 2024، متعافياً إلى حد ما من فترة ضعف منذ بدء الحرب في غزة مع المقاومة الفلسطينية، بحسب وكالة "رويترز" 17 نوفمبر 2024.

وقال المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي إن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة سنوية بلغت 3.8% في الفترة من يوليو/ تموز إلى سبتمبر 2024، وهو ما يتجاوز توقعات سابقة بأن ينخفض أكثر.

الخسائر 68 مليار دولار

وفي سبتمبر 2024، قدّرت الحكومة الإسرائيلية تكلفة عدوانها على غزة ولبنان بحوالي 68 مليار دولار، مؤكدة أنها أثرت بالفعل بشكل خطير في الاقتصاد الإسرائيلي. وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش للكنيست الإسرائيلي إن "تكلفة العمليات العسكرية قد تتراوح بين 200 مليار و250 مليار شيكل (بين 54 مليار دولار و68 مليار دولار)".

وقدر خبراء إسرائيليون أن ترتفع الفاتورة إلى 350 مليار شيكل (93 مليار دولار) إذا استمرت الحرب حتى عام 2025، حسبما تخطط حكومة بنيامين نتنياهو لذلك، وفق تقديرهم. وهو ما يعادل نحو سدس الدخل القومي السنوي لإسرائيل، أو ما يعرف بالناتج المحلي الإجمالي، الذي يبلغ 1.99 تريليون شيكل (530 مليار دولار).

وبسبب هذه الخسائر، طرحت إسرائيل سندات حكومية، وزاد الاقتراض لدفع تكاليف الحروب، وأكد البنك في تقرير أصدره في مارس/آذار 2024، أنه جمع مبلغاً قياسياً قدره 8 مليارات دولار من مبيعات السندات للمقرضين داخل إسرائيل وخارجها، حيث تطرح إسرائيل على يهود العالم ما يسمى "سندات الشتات" التي تُباع لليهود خارج إسرائيل.

وخفّضت وكالات التصنيف الائتماني الدولية الثلاث الكبرى (موديز وفيتش وستاندرد آند بورز) تصنيف ديون الحكومة الإسرائيلية منذ بداية أغسطس/ آب 2024، بسبب تكاليف الحرب وهروب الاستثمارات الأجنبية، بفعل الحرب. لكن وكالات التصنيف الائتماني بررت في تقاريرها ذلك التخفيض بـ"القلق إزاء عدم وجود استراتيجية مالية محددة (للضرائب والإنفاق) من الحكومة لإدارة الإنفاق حتى عام 2025".

المساهمون