بدأ الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا صباح أمس الخميس، وبعد أيام فقط من انطلاق دول الغرب بفرض عقوبات على روسيا وتهديدها بالمزيد عقب نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته في الجمهوريتين الانفصاليتين دونيتسك ولوغانسك شرق أوكرانيا.
يتوقع مراقبون أن تتمركز الحرب المالية ضد روسيا في العاصمة البريطانية، التي أعلنت وزيرة خارجيتها ليز تروس، منذ يومين، أنّ بلادها ستوقف بيع روسيا للديون السيادية في لندن.
والديون السيادية هي الديون الوطنية لدولة ما، التي تصدرها الحكومة في شكل سندات بالعملة الأجنبية للتجارة في الأسواق المالية الدولية لجمع الأموال لتلبية احتياجات الإنفاق في الداخل.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة البريطانية، يوم الثلاثاء الماضي، حاجتها إلى تشريعات إضافية لضرب مبيعات الديون الروسية في لندن، وأنها ستقدم عليها للحد من مبيعات الديون إذا لم تخفض روسيا من تصعيد الأزمة، بدا واضحا اليوم أن بوتين لم يبال بهذه التهديدات.
ومع تعرض حزب المحافظين في بريطانيا لضغوط متزايدة لقطع علاقاته مع المانحين الروس الأثرياء، صرّحت تروس، بأن حظر بيع الديون السيادية التي تصدرها الحكومات كسندات بالعملات الأجنبية لتمويل النمو والتنمية كان جزءًا من حزمة العقوبات البريطانية على روسيا.
مركز الصراع
تعد لندن أكبر مركز للعملات الأجنبية العالمية، حيث تمثل أكثر من 43 في المائة من إجمالي حجم التداول، وفقًا لبنك التسويات الدولية. هذا يجعل العاصمة البريطانية من الأماكن الحاسمة لأي تبادل للروبل بالدولار. وفيها تكمن إمكانية الضغط المالي على روسيا، وبالتالي بوتين.
لذلك، يتوقّع خبراء اقتصاد أن تندلع حرب روسيا المالية في العاصمة البريطانية كونها تعد حلقة الوصل بين مختلف المصالح والأصول المالية الروسية، من القصور إلى أندية كرة القدم والشركات المدرجة والصرف الأجنبي والديون.
وتظهر أرقام وزارة المالية الروسية، أن معظم السندات الروسية الصادرة في أسواق رأس المال الدولية منشؤها إما لندن أو جمهورية أيرلندا، على الرغم من أنه لم يتم إصدار أي منها في لندن منذ عام 2014.
وبحسب الوزارة أيضاً، تبلغ قيمة الدين العام المستحق لروسيا حوالي 57 مليار دولار، منها 2.5 مليار دولار مستحقة السداد هذا العام.
وفي مايو/أيار من العام الماضي، أصدرت روسيا سندات بقيمة 15 مليار يورو (17 مليار دولار) لمدة 15 عامًا. ما يعني أنّ روسيا لن تتضرر سوى في نهاية المطاف في حال قطع التمويل الدولي، كونها تمتلك فائضًا تجاريًا ولديها احتياطيات وفيرة من العملات الأجنبية، بالإضافة إلى أنّ سعر النفط المرتفع سيدعم الاقتصاد في الوقت الرّاهن.
شركات وممتلكات عقارية
وحسب الغارديان، تندرج في بورصة لندن حالياً 31 شركة روسية معظمها يعمل في قطاعات النفط والغاز والتعدين، تبلغ قيمتها السوقية الإجمالية أكثر من 630 مليار دولار، وفقًا لبيانات شركة إس أند بي غلوبال وهي شركة للتداول العام مقرها روكفلر في مدينة نيويورك. وقد أصبحت لندن مركزًا للاكتتابات العامة للشركات الروسية.
تعد هذه الشركات جزءًا من الأنشطة الاقتصادية الأساسية لروسيا، كما تمول بشكل مباشر جزءًا كبيرًا من الدولة الروسية. وقد دفعت الشركات الروسية المدرجة في لندن للكرملين أكثر من 50 مليار دولار ضرائب في عام 2020.
وتقدر مجموعة حملة هيئة الشفافية الدولية وهي (منظمة غير حكومية رائدة في العالم لمكافحة الفساد)، أن إجمالي ممتلكات العقارات البريطانية المملوكة لروس على صلات بالكرملين، تبلغ قيمتها 1.5 مليار جنيه إسترليني.
وتبرز الأموال الروسية في لندن والمنطقة المحيطة بها من خلال عمليات الشراء الباهظة للمنازل الضخمة من قبل الأثرياء الروس.
ولعل أفخمها هو قصر ويتانهيرست، الذي يطل على هامبستيد هيلث في شمال لندن، وهو ثاني أكبر سكن خاص في لندن بعد قصر باكنغهام. ويقال إن صاحبه هو الملياردير أندري جوريف، الرئيس السابق لشركة "فوساجرو"، وهي شركة تنتج الأسمدة والفوسفات.
ويبدو أن الضوابط الجديدة على ملكية العقارات ستتجلّى في العقوبات المستقبلية ضد روسيا ردًا على غزوها لأوكرانيا.
وقد قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أول من أمس، إن العقوبات ستضر "بالمصالح الاقتصادية التي كانت تدعم آلة الحرب الروسية". ومن المقرر أن تقود محادثات كوبرا الطارئة إلى الكشف عن المزيد من العقوبات ضد روسيا.
وعثرت هيئة الشفافية الدولية على 2189 شركة مسجلة في المملكة المتحدة تم ربطها بـ 48 قضية غسيل أموال وفساد. وما لا يقل عن 28 في المائة من الممتلكات المرتبطة بالفساد تقع في وستمنستر وتبلغ قيمتها حوالي 430 مليون جنيه إسترليني و20 في المائة أخرى في كنسينغتون وتشيلسي و10 في المائة في بلدة كامدن وسبعة في المائة في مدينة لندن.
النفوذ الروسي في بريطانيا
يتجلى النفوذ الروسي بمختلف القطاعات في بريطانيا، فعلى الصعيدين الدبلوماسي والإعلامي طوّر رجل أعمال روسي بريطاني، يفجيني ليبيديف، علاقات قوية مع المؤسسة البريطانية حيث أصبح عضواً في مجلس اللوردات، الغرفة التشريعية العليا.
وعززت ملكيته لصحيفتي إيفنينغ ستاندرد والإندبندنت نفوذه. وليبيديف هو نجل الأوليغارشي الروسي والعميل السابق في الكي جي بي، ألكسندر ليبيديف.
ولم تنج الرياضة من سطوة الروس أيضاً، إذ تعود ملكية نادي تشيلسي لكرة القدم إلى الملياردير الروسي، رومان أبراموفيتش.
ومنذ أن اشترى هذا النادي، فاز بالدوري الممتاز خمس مرات ودوري أبطال أوروبا مرتين، آخرهما في عام 2021، بالإضافة إلى بلوغه النهائي الثالث. بيد أنّ أبراموفيتش لم يسلم من العقوبات البريطانية ورفضت تروس طلب استبعادها يوم الأربعاء.
ويبلغ صافي ثروة الـ 23 مليارديرا روسيا في بريطانيا، 343 مليار دولار وفقًا لتصنيفات بلومبيرغ. بيد أنّ الخاسر الأكبر بينهم هو جينادي تيمشينكو، الذي تربطه صلات عائلية ببوتين، وتم القضاء على ثلث ثروته هذا العام.
وقد خسر الأوليغارك الروس (هم من رجال الأعمال في الجمهوريات السوفياتية السابقة الذين تربحوا على الثروة بسرعة خلال عصر الخصخصة الروسية في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي في التسعينيات)، 32 مليار دولار (23.5 مليار جنيه إسترليني) حتى الآن هذا العام، والعقوبات التي تلوح في الأفق تعني أنه يمكن القضاء على المزيد من ثرواتهم.