لهذه الأسباب تراجع التبادل التجاري بين روسيا وتركيا إلى النصف

19 يوليو 2024
سفينة حاويات تعبر مضيق البوسفور في إسطنبول، 18 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تأثير العقوبات الأميركية على التجارة التركية-الروسية**: العقوبات الأميركية على روسيا خفضت حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا إلى النصف، مما أثر سلباً على المصدرين والمصارف التركية، خاصة في قطاعات الجلود.

- **تحديات التحويلات المالية والبحث عن أسواق بديلة**: صعوبة تحويل الأموال دفعت التجار الأتراك للبحث عن أسواق بديلة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، مع استمرار تأثير العقوبات الأورو-أميركية.

- **تطلعات مستقبلية رغم التحديات**: تركيا وروسيا تطمحان للوصول بحجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار، مع استمرار تنفيذ المشاريع الاستراتيجية بين البلدين.

زرعت العقوبات الأميركية المخاوف لدى التجار الأتراك، بعد صعوبة تحصيل أثمان بضائعهم المصدرة إلى روسيا والعقوبات التي تطاول المصدرين والمصارف، ما راجع حجم التبادل التجاري إلى النصف خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالنصف الأول من عام 2023، بحسب مصادر تركية.

في هذا الصدد، ويقول الاقتصادي التركي، مصطفى رجب إرسين، إن التصدير إلى روسيا بات كابوساً لرجال الأعمال الأتراك بسبب العقوبات، وتعرضهم للتهديدات المباشرة من المسؤولين الغربيين، مبيناً خلال تصريحات صحافية أنّ جميع القطاعات الاقتصادية في تركيا، باستثناء المواد الغذائية والخضروات والفواكه الطازجة، عانت كثيراً الحصار المفروض على موسكو، خاصة قطاع الجلود والمنتجات الجلدية، الذي بات معدوماً عملياً.

ويضيف إرسين أنه "للأسف تؤثر العقوبات سلبياً، ليس فقط على روسيا، بل كذلك على تركيا. لأن التجار الأتراك الذين يصدرون البضائع إلى روسيا ويستوردون منها، يواجهون مجموعة متنوعة من المشكلات، بدءاً من تجميد الحسابات المصرفية وحتى التهديدات المباشرة من المسؤولين الغربيين، وهذا يؤدي إلى تقلص الصادرات إلى روسيا، وفقاً لجمعية المصدرين الأتراك التي أكدت انخفاض الصادرات إلى روسيا بمقدار النصف في الأشهر الستة الأولى من العام".

ولم يبتعد رئيس اتحاد مصدري الآلات التركي، كوتلو كارافيل أوغلو عن رأي سابقه، إذ توقع تراجع صادرات قطاع الآلات الذي يضم 22 ألف عضو، إلى روسيا بنحو مليار دولار خلال العام الحالي بما يعادل نحو ثلث البضائع في العام الماضي بسبب الغموض والتوسع السريع لقوائم العقوبات والقيود المفروضة على تصدير السلع التي يمكن أن تستخدم عسكرياً.

ونقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء عن رئيس اتحاد مصدري الآلات القول إنه "لا يبدو من الممكن لأي شركة تصنيع آلات جادة الاحتفاظ باهتمامها بالسوق الروسية في مواجهة تزايد الضغوط على النظام المصرفي وسلاسل الإمداد".

من جهته، يقول المحلل التركي، باكير أتاجان لـ"العربي الجديد" إنّ التبادل التجاري بين بلده وروسيا، مستمر في التراجع، بعد أن خسر القطاع نحو 34% من حجم التبادل خلال الربع الأول من العام الجاري. ويضيف أتاجان أنّ "القصة ليست ترهيباً أميركياً فقط، كما يصوّر البعض، بل إنّ تراجع حجم المعاملات المصرفية وصعوبة، إن لم نقل استحالة، تحويل الأموال للمنتجات المصدرة، أدى إلى بحث المصدرين الأتراك عن وجهات جديدة، وهي بطبيعة الحال متوفرة، سواء في منطقة الشرق الأوسط (الدول العربية) أو أفريقيا وحتى أوروبا".

ويبيّن المحلل التركي أنّ "التسويات بالعملات الوطنية أو حتى محاولات المقايضة، لا تعفي التجار والمصارف التركية من الاستهداف والعقوبات الأورو-أميركية، بعد أن بات التحويل المالي أو الالتفاف عليه، مسألة صعبة ومكشوفة"، مشيراً إلى أن العقوبات قد تصل إلى ضعف ثمن الصادرات، ما يعني خسارة التجار المزدوجة، ثمن البضاعة ومبالغ العقوبات.

وحول أثر إعاقة التجارة على العلاقات وطموح كلا البلدين وصول حجم التبادل إلى 100 مليار دولار، يضيف المحلل التركي أنّ "القصة ليست بين البلدين، إذ لا يوجد أي مشكلات، بل العقوبات والرقابة المصرفية على التحويلات، راجعت التبادل عدا بعض المنتجات الغذائية كالخضر والفواكه، بعد أن ساد رفض المصارف التركية التحويلات المالية القادمة من روسيا لتسوية مدفوعات بعض البضائع المستوردة، حتى ولو كانت بالليرة التركية".

ويرى أوزجان أويصال أنه و"بعد تنامي حجم التبادل التجاري العام الماضي بنسبة 23.2%، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وبلوغ قيمته نحو 62 مليار دولار، وزيادة صادرات المواد الكيميائية والآلات وسلع السيارات والمنتجات الطازجة والإلكترونيات، عاود التراجع خلال النصف الأول من العام الجاري، تقريباً إلى النصف، بسبب المشكلات المتعلقة بتحويلات الأموال وتوسيع العقوبات الغربية ومخاوف تخفيف المخاطر بين البنوك التركية والوسطاء، بهدف تجنب العقوبات".

ويضيف أويصال لـ"العربي الجديد" أنّ التبادل بالعملات المحلية (الروبل والليرة) "لم يزل الملاذ لاستمرار التبادل التجاري، لكن التجار الروس يواجهون في المقابل، صعوبات في  تسجيل الشركات أو فتح حسابات في المصارف التركية"، مشيراً إلى مخاطر التحايل على العقوبات من خلال الاعتماد على أطراف ثالثة، خاصة بعد تشدد العقوبات الأميركية، نهاية العام الماضي، وتخلي المقرضين والمتعاملين مع التجار الروس، وتجنب التعامل بالوساطة أو عبر عملات محلية، بل بات الالتفاف على العقوبات والقيود، يتطلب الآن شبكة كبيرة ومجازفة من الوسطاء لتجنب التدقيق التنظيمي.

وكانت المسؤولة بوزارة الخزانة الأميركية، آنا موريس، قد أكدت "لقد أصبح من الصعب على روسيا الوصول إلى الخدمات المالية التي تحتاج إليها للحصول على السلع"، مشددة على أن ذلك كان هدفاً من أجل جعل تدفق الأموال أكثر صعوبة، وزيادة التكلفة على الروس.

وتهدف الإجراءات الأميركية إلى استهداف البنوك في البلدان التي سجلت ارتفاعات حادة في التجارة مع روسيا بعد أن فرض الغرب عقوبات في أعقاب الحرب في أوكرانيا قبل أكثر من عامين، وأدت إلى انخفاض حاد في الصادرات، خاصة المرتبطة بالحرب، جراء مخاوف المصارف من التداعيات المحتملة والإجراءات من جانب الولايات المتحدة، التي يمكن أن تتعقب أي معاملة بالدولار وتشل المقرضين من خلال استبعادهم من النظام المالي القائم على الدولار. كما يمكن لوزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات ثانوية على المقرضين إذا اشتبهت في أنهم يتعاملون مع شركات محظورة بسبب صلاتها بالقطاع الصناعي العسكري الروسي.

ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة نجحت جزئياً في فرض قيود على التحويلات من وإلى روسيا، بعد تراجع التجارة الروسية مع شركائها، إن بالصين أو تركيا ورفض المصارف التركية فتح حسابات للمواطنين الروس أو استقبال التحويلات الدولارية. وظهرت المشكلة بعد أن وجد العديد من المصدرين الأتراك أنفسهم غير قادرين على الوصول إلى المدفوعات من روسيا، سواء كانت مقومة بالليرة التركية أو الروبل الروسي، حيث تقوم بعض البنوك الخاصة إما بإرجاع هذه التحويلات مباشرة أو ترفضها في المرحلة الأولية، مشيرة إلى الشكوك في أنها مدفوعات مقابل منتجات خاضعة للعقوبات.

لكن العقوبات لم تحد من تطلعات البلدين، ولو نظرياً على الأقل، بل لم يزل التعويل على وصول حجم التبادل إلى 100 مليار دولار، حديث كلا الرئيسين، في أنقرة وموسكو، إذ يؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن هدف أنقرة من التبادل التجاري مع روسيا يتمثل بالوصول إلى 100 مليار دولار، مضيفاً خلال لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الكازاخية أستانة، مطلع الشهر الجاري، على هامش القمة الـ24 لدول منظمة شنغهاي للتعاون "إن حجم التبادل التجاري الذي وصلت إليه تركيا وروسيا وبلغ 55 مليار دولار لا يشكل شيئاً بالنسبة لإمكانات البلدين، والطموح أن نصل إلى 100 مليار دولار، وواثق بقدرتنا على تحقيق ذلك ونملك الإمكانات اللازمة".

بدوره، قال بوتين إن العلاقات بين بلاده وتركيا تتقدم "رغم المصاعب حول العالم" وموسكو مستمرة في تنفيذ مشاريعها الاستراتيجية مع أنقرة بطريقة مدروسة، مشيراً، خلال اللقاء في أستانة، إلى أن 6.7 ملايين سائح روسي زاروا تركيا خلال العام الماضي 2023، مبيناً أن بلاده حطمت رقماً قياسياً في مجال السياحة، مشيداً بحجم التبادل التجاري بين البلدين الذي وصل العام الماضي 55 مليار دولار رغم تراجع التجارة بعض الشيء خلال الأشهر الماضية.

وبحسب دائرة الإحصاء التركية، تصدرت الحمضيات وقطع الغيار وعربات المقطورات قائمة صادرات تركيا إلى روسيا في 2023، بينما كانت منتجات البترول والغاز والنفط والحديد والصلب على قائمة مستوردات تركيا من روسيا، إذ باعت روسيا تركيا من الحديد والصلب بقيمة 3.1 مليارات دولار، والفحم 2.9 مليار دولار ومن القمح بنحو مليار دولار.

المساهمون