على الرغم من الاحتياطيات الهائلة من الغاز الصخري القابل للاستخراج في أوروبا، إلا أن الساسة في معظم البلدان ظلوا لسنوات طويلة في الماضي يعارضون بشدة استغلال هذه الثروات لعوامل عدة ترتبط بمخاطر البيئة وتكاليف الاستغلال، إلا أن أزمة الطاقة الحالية التي تهدد القارة الباردة بصعوبات اقتصادية ومعيشية لسنوات مقبلة، ربما يدفع بعض الدول إلى تقديم تنازلات في سبيل الحصول على الطاقة.
ويتصاعد الجدل من جديد حول استخراج الغاز الصخري، لا سيما في ظل حرب الطاقة المتصاعدة مع روسيا وعدم كفاية البدائل المتاحة أمام الأوروبيين، فضلاً احتمالات عدم التوصل إلى اتفاق حول وضع سقف لأسعار الغاز الروسي، وفق مصادر أميركية وأوروبية متخصصة في قطاع الطاقة.
احتياطيات ضخمة تنافس أميركا
ووفقاً للأرقام الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن الدول الأوروبية تمتلك حوالي 470 تريليون قدم مكعب من موارد الغاز الصخري القابل للاستخراج، وهو ما يعادل نحو 80% من احتياطات الغاز الصخري في الولايات المتحدة.
وخلال العام الماضي 2021، استورد الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا. ولسوء الحظ فإن بدائل الغاز المقترحة من الكتلة الأوروبية بحلول نهاية العام الجاري تبلغ فقط حوالي 102 مليار متر مكعب سنوياً، والتي تتضمن تنويع الإمدادات عبر استيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة التدفئة وغيرها، وفقاً لبيانات صادرة حديثاً عن خطة المفوضية الأوروبية التي أطلق عليها اسم "ريباور إي يو"، والتي تعني بإعادة النظر في مصادر الطاقة الحالية في الاتحاد الأوروبي.
ورغم خروجها من الاتحاد الأوروبي، إلا أن بريطانيا أعادت الحديث حول استغلال النفط والغاز الصخري بقوة خلال الأيام الأخيرة، بعد أن أعلنت رئيسة الوزراء ليز تراس، الخميس الماضي، سياسة طموحة للتنقيب عن النفط والغاز تتضمن تحفيز استخراج الوقود الصخري، ومراجعة المسار نحو الحياد الكربوني، لترفع بذلك الحظر الذي تبنته الدولة عام 2019 عن استخراج هذه الثروات.
وتمتلك بريطانيا بئرين فقط للغاز الصخري في مقاطعة لانكشاير شمال غربي البلاد، تديرهما شركة كوادريلا ريسورسز.
ورحب الرئيس التنفيذي لشركة كوادريلا، فرانسيس إيغان، برفع الحظر، قائلاً، وفق نشرة أويل برايس الأميركية المتخصصة في قطاع الطاقة: "هذا قرار معقول تماماً، ويدرك أن تعظيم إمدادات الطاقة المحلية في المملكة المتحدة أمر حيوي إذا أردنا التغلب على أزمة الطاقة الحالية وتقليل مخاطر تكرارها في المستقبل".
وأضاف إيغان: "بدون الإجراءات القوية التي تم تحديدها، كانت المملكة المتحدة تستعد لاستيراد أكثر من ثلثي غازها بحلول نهاية العقد، مما يعرض الجمهور والشركات البريطانية لمزيد من مخاطر نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار على طول الخط".
ويعدّ التوجه الأوروبي نحو استغلال الغاز الصخري بمثابة إلقاء حجر في المياه الراكدة بالنسبة للأوربيين، إذ يراه البعض بمثابة طوق نجاة، خاصة مع استمرار أسعار الطاقة في الارتفاع في جميع أنحاء أوروبا، مع صعود أسعار الغاز بنسبة 26%، أمس الاثنين، بسبب توقف روسيا عن الضخ عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" الرئيسي.
ويعتقد أنصار استخراج الغاز عبر تقنية التكسير الهيدروليكي أن هناك حاجة إلى إمكانات الغاز الصخري في أوروبا، الآن أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من أن ألمانيا وفرنسا وهولندا واسكتلندا وبلغاريا قد حظرت جميعها في السابق هذه التقنية في الاستخراج.
تكسير هيدروليكي لتسهيل عمليات التنقيب
ويعتمد المنتجون على عملية التكسير الهيدروليكي، التي تتمثل في ضخ كميات هائلة من المياه والمواد الكيميائية في التكوينات الصخرية تحت ضغط عالٍ لإحداث شقوق لتسهيل عمليات التنقيب.
لكن آخرين يشددون على أنه من غير المرجح أن تحذو بقية أوروبا حذو بريطانيا في ظل القوانين الصارمة التي تحول دون استغلال النفط والغاز الصخري والمخاوف المتعاظمة من الأضرار الواسعة التي يمكن أن تترتب على هذه الخطوة، فضلاً عن الكلف المالية المرتفعة وطول أمد الأعمال وصولاً إلى معدلات إنتاج عالية.
ولطالما كان التكسير الهيدروليكي في أوروبا قضية خلافية بسبب الكثافة السكانية إلى حد كبير بخلاف مناطق الاستخراج في الولايات المتحدة وأميركا الشمالية. وجاء نشاط التكسير الرئيسي الوحيد في أوروبا في أوكرانيا، التي تمكنت من فطام نفسها عن الغاز الروسي منذ سنوات، وفق نشرة أويل برايس.
المشكلة الكبرى في التكسير الهيدروليكي في أوروبا هي أن بعض الظروف التي غذت طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة غير موجودة في أوروبا. وفي معظم البلدان، تمتلك الدولة، وليس ملاك الأراضي الخاصين، حقوق التعدين للنفط والغاز في الأرض. وعلى النقيض من ذلك مع الولايات المتحدة، حيث يمكن أن يكون اقتطاع مالك الأرض ثُمن عائدات الإنتاج. وهذا يعني في الواقع أن التكسير الهيدروليكي لا ينتج عنه مكافآت مالية كبيرة لملاك الأراضي الأوروبيين.
كما تعارض الجماعات البيئية بشدة هذه الخطوة، خاصة أن الكثافة السكانية في أوروبا تزيد عن ثلاثة أضعاف مثيلتها في الولايات المتحدة ، مما أدى إلى تأجيج الاحتجاجات.
وفي السباق، قالت شركة غازبروم الروسية إن صعوبة العثور على أراضٍ غير مأهولة في أوروبا ومياه كافية لاستغلال الآبار الصخرية ستساعد الغاز الروسي على البقاء في المنافسة، فضلاً عن أن تكلفة إنتاج الغاز الروسي تعادل سُدس تكلفة استخرج الغاز الصخري في المملكة المتحدة على سيبل المثال.
وحتى بعد عقود من التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة، لا يزال العديد من الأوروبيين ينظرون إلى هذه التقنية على أنه لم يتم اختبارها، خاصة أن مكامن الغاز في أوروبا أعمق بحوالى 1.5 مرة مقارنة بالمكامن في أميركا، فضلاً عن أن تقنية التكسير الهيدروليكي للصخور يحتاج إلى مياه أكثر في أوروبا، مقارنة بأميركا، لأن المكامن أعمق، بينما سعر المياه في أوروبا أغلى 10 مرات من أميركا، فضلاً عن مواجهة القارة موجة جفاف تسببت في شح المياه وتوقف محطات الطاقة الكهرومائية بالأساس، ما يعقد كثيراً من التوجه نحو استخراج الغاز الصخري في مثل هذه الظروف.
وفقاً للأرقام الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن الدول الأوروبية تمتلك حوالي 470 تريليون قدم مكعب من موارد الغاز الصخري القابل للاستخراج
كذلك كان الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) قد كشف، قبل نحو ثماني سنوات، عن أن تقنية استخراج الغاز الصخري بواسطة التكسير الهيدروليكي من شأنها أن تتسبب بزلازل في منطقة ذات كثافة سكانية عالية مثل أوروبا.
ويحتاج الغاز الصخري كذلك لدعم حكومي كبير، بينما تعاني الميزانيات الأوروبية من ضغوط كبيرة في ظل ارتفاع مخصصات مواجهة القفزات الحادة في فواتير الطاقة والغلاء الذي يؤجج الغضب الشعبي في الكثير من البلدان.
لكن أسعار الطاقة القياسية أكثر إيلاماً للأوروبيين، وسيكون من المثير للاهتمام معرفة إذا ما كان الأوروبيون سيغيرون رأيهم بشأن استخراج الغاز الصخري، وفق نشرة أويل برايس، مشيرة إلى أن العديد من الدول الأوروبية تراجعت بالفعل عن سياسة الحد من الانبعاثات، وعادت إلى حرق الفحم بمستويات قياسية للحفاظ على شبكات الكهرباء الخاصة بها حية، وبالتالي التراجع عن أهدافها المناخية.
وتتعمق الحيرة داخل أوروبا، لا سيما في ظل عدم القدرة بعد على إيجاد أدوات فاعلة في مواجهة سلاح الغاز الروسي، فحتى أداة وضع سقف لسعر الغاز قد تأتي بنتائج عكسية، وتتسبب في قفزات غير مسبوقة للأسعار في ظل التهديد الروسي بقطع الإمدادات تماما في ظل وضع الأوربيين سقفاً للأسعار.
وثيقة مسربة
وكشفت وثيقة مسربة، وفق صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، اليوم الثلاثاء، عن أنه من غير المرجح أن يحدد الاتحاد الأوروبي سعر الغاز الروسي، في ظل معارضة بعض الدول هذا التوجه.
ومن المتوقع أن تنشر رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، خطة أوروبا للتعامل مع ارتفاع أسعار الكهرباء عندما تلقي خطابها السنوي عن حالة الاتحاد، غداً الأربعاء.
ومع الاعتراض السائد على وضع سقف لأسعار الغاز، فإن من المتوقع أن يفرض الاتحاد الأوروبي ضرائب على الأرباح المرتفعة لشركات الوقود الأحفوري، ووضع حد أقصى لإيرادات منتجي الكهرباء منخفضة الكربون.
وأعربت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تستورد كميات كبيرة من الغاز من روسيا، بما في ذلك المجر وسلوفاكيا والنمسا، أنها ضد فرض سقف على الغاز الروسي، لأنهم يخشون أن يوقف الكرملين جميع تدفقات الغاز، مما يغرق بلدانهم في الركود. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد هدد بالفعل بوقف صادرات الطاقة إلى أوروبا إذا تم الاتفاق على مثل هذه الخطة.
بينما ترغب حوالي اثنتي عشرة دولة، بما في ذلك فرنسا وبولندا، في فرض سقف سعر على جميع الغاز المستورد، وهو ما يعتبرونه وسيلة أفضل للحد من ارتفاع الأسعار.
ومع انقسام الدول الأعضاء، تتبع المفوضية الأوروبية، المسؤولة عن صياغة المقترحات القانونية للاتحاد الأوروبي، إجراءات توحد التكتل المكون من 27 عضواً، إذ تدعم حكومات الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير وضع حد أقصى لسعر الكهرباء من مصادر منخفضة الكربون، مثل مصادر الطاقة المتجددة أو الطاقة النووية، وإعادة تدوير هذه الأموال للأسر والشركات المعرضة للخطر.
خلال العام الماضي، استورد الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا، بينما البدائل المقترحة تبلغ فقط حوالي 102 مليار متر مكعب بنهاية 2022 وفق الاتحاد الأوروبي
كذلك ستواجه شركات النفط والغاز ضريبة مكاسب منفصلة، توصف بأنها "مساهمة تضامنية". ووفق الوثيقة المسربة، فإن أرباح شركات النفط والغاز والفحم ستزيد في عام 2022 بمقدار خمسة أضعاف، مشيرة إلى أن هذا "الفائض" والأرباح "غير المتوقعة" لا تنتج عن أي خيارات اقتصادية أو استثمارية، وإنما من "التطورات غير المتوقعة في أسواق الطاقة في أعقاب الحرب غير الشرعية المستمرة في أوكرانيا"، ولا يوجد معدل للضريبة المقترحة.
كما تدعو الوثيقة الدول الأعضاء إلى اتفاق على هدف ملزم لتقليل استخدام الكهرباء خلال ساعات الذروة، على الرغم من عدم اقتراح أي رقم.
وكانت أوروبا تكافح مع ارتفاع أسعار الغاز حتى قبل الحرب في أوكرانيا. وقد تفاقمت القيود المفروضة على استخدام الكهرباء بسبب الصيف الجاف الذي حطم الرقم القياسي في عام 2022، والذي أدى إلى زيادة الطلب على تكييف الهواء.