أظهرت بيانات حديثة صادرة عن وزارة المالية في حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، أنّ رواتب قطاعي الدفاع والداخلية تجاوزت المليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، لتمثل أكثر من 20% من إجمالي الرواتب في الدولة التي تمزقها الصراعات المسلحة والسياسية منذ أكثر من 10 سنوات.
وأوضحت البيانات التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها أنّ رواتب التابعين لوزارة الداخلية بلغت 2.73 مليار دينار خلال الفترة من يناير/كانون الثاني حتى نهاية يوليو/تموز، بما يعادل 11.21% من إجمالي الرواتب، فيما بلغت رواتب المنضوين تحت وزارة الدفاع 2.36 مليار دينار بنسبة 9.67% من إجمالي الرواتب البالغة 24.4 مليار دينار.
ويبلغ عدد العاملين في وزارة الدفاع 205 آلاف عنصر، بالإضافة إلى 190 ألف عنصر تابع لوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، فيما لا تتوفر بيانات حول عدد المسلحين التابعين للواء المتقاعد خليفة حفتر، والذين يتقاضون رواتب أيضاً من موارد الدولة.
إهدار للأموال
يقول المحلل الاقتصادي علي ميلاد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه الأموال يجري إنفاقها على الكثيرين الذين لا وجود لهم واقعياً، فما يجري هو إهدار للأموال دون وجود أمن في الشارع".
لكنّ الخبير في مركز أبجد للدراسات والتنمية، نور الدين بن عمر، يشير إلى أنّ مشكلة ليبيا في انتشار السلاح الموجود خارج سيطرة الدولة، فهناك ما يقرب من 20 مليون قطعة سلاح.
وأضاف نور الدين لـ"العربي الجديد" أنّ الأوضاع الاقتصادية في ليبيا مرتبطة بشكل أساسي بالوضع الأمني. ودخلت ليبيا في حالة من الفوضى منذ 2011، وأفرزت الصراعات السياسية والمسلحة المتكررة منذ سنوات إدارتين متنافستين، تدعم كلًّا منهما جماعات مسلحة.
وأكد علي الجبري، محافظ المصرف المركزي في البيضاء (الموازي) في تصريحات صحافية أخيراً، أنّ مجموع ما صُرف لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر خلال السنوات الماضية (من دون تحديدها) بلغ نحو 6.4 مليارات دولار، وهي تمثل ثلث ميزانية الإنفاق التي اعتمدها المصرف في السنوات الماضية.
بينما كانت وكالة رويترز قد ذكرت في تقرير لها في 2019، أنّ حفتر حصل على تمويلات من خلال سندات غير رسمية وأموال نقدية مطبوعة في روسيا، وودائع من بنوك في شرق البلاد تقارب 25.18 مليار دولار.
وخلال الفترة بين 2012 و2018، صرفت الحكومات المتعاقبة في ليبيا 22.5 مليار دولار على وزارة الدفاع دون تأسيس جيش حقيقي في مواجهة المليشيات المسلحة والقضاء على الفوضى بالبلاد.
إفقار المجتمع الليبي
وأدى تدهور الأوضاع الأمنية واندلاع الاشتباكات المسلحة واستمرارها في بعض المناطق وتفاقم حدة الانقسام السياسي واقتصاد الحرب في زيادة إفقار المجتمع الليبي.
وتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت من اتفاق سياسي قبل عام ونصف يرأسها عبد الحميد الدبيبة الرافض تسليم السلطة إلّا إلى حكومة منتخبة، والثانية برئاسة فتحي باشاغا عيّنها مجلس النواب (البرلمان) في فبراير/شباط الماضي ومنحها ثقته في مارس/آذار وتتخذ من سرت (بين طرابلس غرباً وبنغازي شرقاً) مقراً مؤقتاً لها.
وخلال الأيام الماضية، اندلعت معارك بالأسلحة الثقيلة في وسط طرابلس المكتظ بالسكان بين قوات تابعة لحكومة الوحدة الوطنية وجماعات مسلحة داعمة لإدارة باشاغا، وحوصرت مئات الأسر بين طرفي الاقتتال، وتعرضت مبانٍ سكنية وحكومية كثيرة لأضرار كبيرة، وشوهدت سيارات محترقة متناثرة في مناطق الاشتباكات.
وفشلت القوات المتحالفة مع باشاغا في السيطرة على العاصمة والإطاحة بحكومة الدبيبة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها.
وكانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، قد توقعت في تقرير لها في ديسمبر/ كانون الأول 2020، تجاوز خسائر ليبيا بسبب الصراع الدائر تريليون دولار في حال تواصُل الحرب والاضطرابات، مشيرة إلى تعرض الاقتصاد لانكماش حاد في ظل التدمير الذي تعرضت له الأصول في الكثير من القطاعات الاقتصادية، فضلا عن تهاوي احتياطيات النقد الأجنبي.
الفقراء يدفعون الثمن
وفي تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، قال الخبير الاقتصادي محمد الشيباني، إنّ جميع الحروب التي مرت على ليبيا منذ عام 2011 يدفع ثمنها الفقراء خسارة في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.
وأضاف الشيباني أنّ الدولة لم تصرف حتى الآن أي تعويضات لأصحاب 130 ألف مسكن تضررت في منطقة جنوب طرابلس من عدوان حفتر بسبب نقص الأموال، والآن هناك مساكن وسيارات تنضم إلى قائمة الأضرار مع الاشتباكات الأخيرة في وسط العاصمة.