أن تواجه الدول العربية غير النفطية أزمات مالية حادة في ظل تفشي وباء كورونا وتأثر الأنشطة الاقتصادية بالوباء، فهذا أمر متوقع، خاصة مع اعتماد إيرادات تلك الدول على قطاعات خدمية مرتبطة أكثر بالخارج مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية وتحويلات المغتربين والصادرات.
لكن الأزمات طاولت أيضا وبشكل أكبر الدول العربية النفطية التي يصنف بعضها على أنها بالغة الثراء كما هو الحال مع الكويت، أو كانت تمتلك احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي تجاوزت قبل سنوات قليلة 200 مليار دولار كما هو الحال مع الجزائر، أو كانت تعوم على بحار من النفط والسيولة النقدية كما هو الحال مع العراق وليبيا.
في الكويت يخرج وزير المالية خليفة مساعد حمادة قبل أيام بتصريح صادم يقول فيه إن السيولة في خزينة الدولة وصندوق الاحتياطي العام تقترب من النفاد، ليثير مخاوف الجميع حول مدى قدرة الدولة على سداد رواتب موظفي القطاع العام والجهاز الإداري.
يواكب ذلك مواجهة البلاد أزمة مالية غير مسبوقة بسبب تهاوي إيرادات النفط، والخسار الناتجة من تفشي وباء كورونا، وهو ما دفع الحكومة إلى التحرك بسرعة للبحث عن حلول للأزمة ركزت معظمها على التوسع في الاقتراض، أو تسييل الأصول الخارجية.
كان من أبرز الخطوات التي اتخذتها الحكومة لمحاصرة الأزمة المالية، السحب من احتياطي الأجيال لتغطية عجز الموازنة العامة، وتقدر الأموال التي تم سحبها بنحو 24.7 مليار دولار، وتقديم مشروع قانون يتيح للحكومة اقتراض نحو 65 مليار دولار على مدى 30 عاماً، مع العمل على توفير سيولة لتدبير بند الرواتب البالغ 39 مليار دولار سنويا وتغطية عجز في الميزانية من المتوقع أن يصل إلى 47 مليار دولار.
وفي الجزائر تواجه البلاد أزمة مالية غير مسبوقة، وتراجعا في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، وهبوطا تاريخيا لسيولة المصارف مع تهاوي صادرات النفط، المورد الأساسي للإيرادات العامة، ووفق الأرقام فقد تراجعت صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي المسال بنحو 30% في عام 2020. واستمر الاتجاه هذا العام.
كما تراجعت مبيعات النفط في الخارج إلى 290 ألف برميل فقط يومياً الشهر الماضي، أي أقل بنسبة 36% مما كانت عليه في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأقل رقم منذ العام 2017 على الأقل.
يواكب ذلك مرور الجزائر بأزمة نقدية غير مسبوقة، بل وباتت أزمة السيولة الحادة تهدد النظام المصرفي، وأكبر دليل على تلك الأزمة تهاوي سيولة المصارف خلال النصف الثاني من عام 2020 إلى 4.8 مليارات دولار مقابل 8 مليارات دولار في يونيو 2020.
كما خسرت البنوك 304 مليارات دينار خلال ستة أشهر، وهذه خسارة كبيرة تستنزف السيولة المتاحة بالبنوك وتضع في مستويات تاريخية متدنية وربما مأزق مع عملائها.
هذه الأزمة المالية المتفاقمة في الجزائر تعني حدوث مزيد من المعاناة لمعيشة المواطن، وهو ما قد يدفعه إلى النزول للتظاهر مجددا في الشوارع كما جرى في العام 2019.
وفي العراق، ثاني أكبر منتج للخام في منظمة "أوبك" بعد السعودية، حدث عن الفساد المالي ونهب المال العام وتهريب الأموال والمشروعات الوهمية الكبرى ولا حرج، وهو ما يجعل البلاد في مواجهة ضغوطاً مالية مستمرة وغير مسبوقة دعمها تراجع عائدات النفط وتهاوي الأسعار واستشراء الفساد الذي تسبب في خسارة البلد نحو 450 مليار دولار حسب أرقام رسمية.
ورغم تعهدات الحكومات المتعاقبة بتعقب الفساد، ومحاولة استرداد الأموال المنهوبة ومليارات الدولارات المهربة إلى الخارج، فإن هذا لم يحدث، وكانت الحصيلة صفر ومخيبة لآمال الشعب العراقي الذي ثار على هذا الوضع أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة.
والنتيجة لكل ذلك غرق البلاد في أزمة مالية حادة دفعت الحكومة إلى التوسع في الاقتراض الخارجي، والاستنجاد بصندوق النقد الدولي للحصول على قروض عاجلة بقيمة 6 مليار دولار، وبيع النفط الخام عبر الدفع المسبق، وهو ما اعتبره كثيرون رهنا لثروات النفط. وهدرا للمال العام.
أما ليبيا فقد استنزفت حرب أهلية دامت سنوات مليارات الدولارات من ثرواتها، وقبلها هرب نظام معمر القذافي ثروات الدولة إلى الخارج وبدد عشرات المليارات الأخرى على معارك وزعامات وهمية وقبلية وعنصرية، ودمج بين ثروته الشخصية وثروات ليبيا المستثمرة في الخارج أو المودعة في بنوك العالم، والنتيجة مواطن فقير محروم من أبسط الخدمات الأساسية في بلد يعوم على بحار من النفط والغاز والموارد الطبيعية.
هذا هو حال عدد من الدول النفطية التي من المفروض أن تتدفق مئات المليارات سنويا على خزائنها من ثرواتها الباطنية، فما بالنا بالدول غير النفطية، خاصة في زمن كورونا التي ضربت اقتصادات دول كبرى؟