شهدت سوق الأسهم الأميركية تباطؤاً في الارتفاع الذي أعقب الانتخابات، وهو أمر متوقع بعد القفزة الكبيرة التي حدثت عقب فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، لكن التساؤل كان حول المحفز الرئيسي لهذا التراجع، وهو ما ظهر في تصريحات رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي جيروم باول خلال ظهوره في دالاس يوم الخميس.
وذكّر باول المستثمرين بأن البنك الفيدرالي ليس في عجلة لخفض الفائدة مرة أخرى، مع استقرار الاقتصاد، وهي نفس الرسالة التي أشار إليها بعد خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في 7 نوفمبر، وهو خفض تبع خفضاً آخر بمقدار 50 نقطة أساس في أكتوبر/تشرين الأول. لكن هذه الرسالة قوبلت بقلق أكبر هذه المرة، إذ أثارت مخاوف بشأن وتيرة خفض الفائدة المستقبلية وتأثيرها على خطط ترامب الاقتصادية.
وبعد تصريحات باول، واصلت مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية تسجيل خسائرها البسيطة يوم الخميس، قبل أن تتراجع بحدة يوم الجمعة، إذ أنهى مؤشر داو جونز الصناعي الأسبوع بخسارة 1.3%، بينما انخفض مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 2.2%، وتراجع ناسداك المركب بنسبة 3.3%. وعانى أيضاً مؤشر راسل 2000 للشركات الصغيرة، الذي استفاد كثيراً من تداولات "ترامب"، من انخفاض تجاوز 4% خلال الأسبوع.
وتزامنت تصريحات باول مع بيانات تضخم أميركية جاءت أقوى من المتوقع في وقت سابق من الأسبوع، إلى جانب تعليقات من مسؤولي البنك الفيدرالي تشير إلى أن خفض الفائدة في ديسمبر/كانون الأول ليس مضموناً. وأدى ذلك إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة، مما زاد من الضغط على الأسهم الأميركية. وأشار لاري آدم، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة ريموند جيمس لإدارة الأصول، إلى أن تجاوز عائد السندات لعشر سنوات مستوى 4.5% قد يضغط على سوق الأسهم ويؤدي إلى تراجع قصير الأجل.
وفي حين أن العوائد قد لا تشكل تهديداً دائماً لسوق الأسهم الأميركية طالما واصلت الأرباح النمو، إلا أن المستثمرين قد يظلون تحت رحمة تقلبات سوق السندات. ويرتبط ذلك كثيراً برؤية الأسواق لسياسات ترامب الاقتصادية، التي تتضمن تخفيضات ضريبية، وإنفاقاً حكومياً متزايداً، ورسوماً جمركية، وهي عوامل قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.
وأكد باول أن السياسات المالية ليست من ضمن افتراضات صانعي السياسة النقدية، لكن المراقبين يشيرون إلى أن عدم اليقين بشأن أجندة ترامب دفع البنك الفيدرالي إلى تعزيز خياراته بشأن وتيرة وحجم التخفيضات المستقبلية لسعر الفائدة. ووفقاً لكريشنا جوها، رئيس فريق السياسة العالمية والاستراتيجية في شركة استشارات بنك الاستثمار Evercore ISI، فإن البنك الفيدرالي قد يكون أكثر حساسية لمفاجآت التضخم الصاعدة في البيانات الحالية، بينما يحاول التعامل مع المخاطر المرتبطة بسياسات ترامب بشكل غير مباشر.
وأدى ارتفاع هائل في الأسواق، عقب الإعلان عن فوز ترامب في الانتخابات، إلى زيادة أسعار كل شيء، بدءاً من أسهم عمالقة التكنولوجيا والتصنيع وصولاً إلى العملات المشفرة. ويراهن العديد من المستثمرين على أن هذا الارتفاع لا يزال يسمح بمزيد من المكاسب، حيث اندفع المستثمرون بقوة إلى الصناديق التي تتبع الأسهم الأميركية في مختلف القطاعات، على الرغم من تجاوز مؤشر ستاندرد أند بورز حاجز 6000 نقطة لأول مرة في تاريخه.
ووفقاً لبيانات EPFR المتخصصة بتحليل الأسواق، جذبت صناديق الأسهم الأميركية المتداولة في البورصة وصناديق الاستثمار المشتركة قرابة 56 مليار دولار خلال الأسبوع المنتهي يوم الأربعاء، في ثاني أكبر تدفق أسبوعي منذ عام 2008. وشهدت هذه الصناديق تدفقات إيجابية لمدة سبعة أشهر متتالية، وهي أطول فترة منذ عام 2021، عندما دفعت موجة ارتفاع قياسية الأسهم إلى مستويات قياسية متكررة.