محنة المؤسسات الألمانية في روسيا...40 ألف شركة تتعرض للخسائر وإلغاء الوظائف

17 مارس 2022
مصنع سيارات مرسيدس بالقرب من العاصمة موسكو (Getty)
+ الخط -

حافظت الشركات الألمانية على علاقات وثيقة مع روسيا لعقود، لكن فجأة اندلعت الحرب في أوكرانيا، وبعدها بات كل شيء مختلفاً، ورغم الحديث عن خطط طوارئ، فإن الانسحابات وتعليق الشركات لأعمالها في السوق الروسية توالت.

كما تم إنهاء التعاون ووقف عمليات الإنتاج والتسليم، ما قد يترجم بشطب المليارات، لتطرح تساؤلات عما إذا كانت الشركات الألمانية ستبقي الباب مفتوحاً لإعادة تنشيط أعمالها التجارية في روسيا.
يبدو واضحاً أن حظر نظام سويفت للتحويلات المالية سيصعب المحافظة على الأعمال التجارية الألمانية مع روسيا، لأن تحويل الأموال والتعامل مع عمليات التسليم لن تعمل بالطريقة المعتادة بدون رمز التعاملات المالية المصرفية.
ووفق صحيفة هاندلسبلات الألمانية فإن شركة كناوف المصنعة للجبس والتي توظف 4000 شخص في 14 موقعاً في روسيا تعاني من العقوبات الغربية.

ويقول عضو مجلس إدارة الشركة يورغ شناوف للصحيفة إن "الوضع في مصانعنا الروسية مضطرب، وهناك اختناقات في توريد قطع الغيار والتحويل، ما يسبب نقصاً في الانتاج".

ووفق خبراء اقتصاديين، فإن ممارسة الشركات لنشاطها في روسيا سيكون مرهقاً وأكثر تكلفة. وفي الإطار نفسه، لفتت الصحيفة الى أن عدداً من الشركات الألمانية ربما تفضل الانسحاب بالكامل من روسيا ووقف أنشطتها هناك، ومن أهمها الشركات المصنعة للسيارات الألمانية، والأخطر أن الأمر قد يؤدي إلى عمليات شطب لمليارات اليوروهات.

وفي السياق ذاته، أشار رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية فولكر تراير أخيراً مع قناة "ايه ار دي الإخبارية" الألمانية إلى أن هناك حوالي 40 ألف شركة ألمانية لديها علاقات تجارية مع روسيا، وأن نحو 3650 شركة نشطة هناك.

وبالتالي فإن دفاتر الطلبات المنتفخة لن تكون ذات فائدة إذا لم يتم حل المشكلات قريباً. ويشير إلى أن حوالي 250 ألف وظيفة بدوام كامل في ألمانيا تعتمد بشكل مباشر على الصادرات الى روسيا.
ويشعر الاقتصاد الألماني بالفعل بعواقب العقوبات التي تم فرضها على روسيا، وبالتالي فإن الحرب ستصبح مكلفة للغاية على الحكومة بعد أن قررت دعم الشركات الألمانية.

في هذا الصدد، أعلن وزير الاقتصاد روبرت هابيك أن الحكومة الفيدرالية تريد مساعدة الشركات الألمانية التي تعاني من الحرب ضد أوكرانيا أو العقوبات ضد روسيا بمنحها قروضاً حكومية.

ويضيف أنه "بعد محادثات مع كبار ممثلي الأعمال التجارية، تتجه الوزارة لوضع برنامج قروض من بنك التنمية الألماني حتى تتمكن الشركات التي تواجه مشاكل من الاستفادة من أسعار الفائدة الجيدة، مشيراً إلى أن القروض ستكون طويلة الأمد وبشروط سداد ميسرة.
كذلك أوضح الوزير هابيك أن عواقب الحرب على الاقتصاد متوقعة، وقد بدأنا بالفعل نتحسسها في العديد من القطاعات، متوقعاً "تأثيرها على نمو الاقتصاد والمعاملات التجارية، بعدما كان الأمل بأن يكون هناك تعافٍ اقتصادي" في ربيع عام 2022، قبل أن تعلن الحرب على أوكرانيا.
وأبرز الوزير أن "الاقتصاد الالماني استثمر 20 مليار يورو في روسيا، بينها حوالي 7,4 مليارات يورو بضمانات الاستثمار الحكومية، فيما هناك حوالي 13 مليار يورو غير مؤمن عليها، وتمثل الخطر الذي يتعين على الاقتصاد الألماني أن يتحمله الآن".

كما أوضح أن الحكومة الألمانية قامت بتأمين الصادرات الألمانية إلى روسيا بضمانات مؤسسة هيرميس بحدود 11 مليار يورو.

وأشار إلى أن المخاطر على الدولة الألمانية تقدر بحوالي 20 مليار يورو، واصفاً "الخطر المالي بأنه كبير، لكن يمكن تحمله".

ومن أبرز الشركات التي لها استثمارات ضخمة في روسيا فولكسفاغن وبوش وسيمنز للأدوات الكهربائية وكلاس لصناعة الآلات الزراعية ومجموعة مترو لبيع المواد الغذائية بالجملة.
وعن إمكانية عودة الشركات لتفعيل أعمالها مستقبلاً في روسيا، قال الباحث الاقتصادي في معهد كيل الاقتصادي العالمي ألكسندر ساندكامبن في تعليقات لشبكة "ايه اردي الإخبارية" إن الضغط التجاري على الشركات التي تمارس نشاطاً في روسيا كبير.
وذكر أن المسار المستقبلي للأمور يعتمد على كيفية تطور هذا الصراع، لا سيما أن بعض الشركات تنسحب طواعية من روسيا، كما سيتوقف الأمر على ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيفرض عقوبات أكثر صرامة، بما في ذلك الحظر التجاري الشامل.

ولفت إلى أنه بالفعل هناك تقارير شبه يومية عن الشركات التي تنسحب من الأعمال التجارية في روسيا، أو على الأقل تجميد تطوير أعمالها الجديدة، بينها شركة سيمنز التي علقت الأعمال بعد 165 عاماً من الشراكة مع الجانب الروسي مع اعتراف الشركة بمسؤوليتها عن الموظفين والالتزام التعاقدي معهم، كما أن بعض أعمال الصيانة ذات الصلة قائمة بينها في قطاع سكك الحديد والنقل.
من جانبه نصح المحامي اندرياس كنول من مكتب رودل وشركاه للمحاماة في نورمبرغ، خلال مؤتمر عبر الإنترنت مع المستثمرين الألمان، بعدم الاستغناء عن السوق الروسي على عجلة وتعليق الإنتاج في روسيا في ظل الصراع الحالي، وذلك وفق ما ذكرت صحيفة "ميركور أونلاين".

موقف
التحديثات الحية

وحذر "من الامتثال والطاعة المفرطة وتحليل الوضع الحالي بهدوء، ومن أن السلوك المتوازن والذكي هو الطريق الصحيح". كذلك أشار إلى أن الحرب والعقوبات يجب ألا تمنع ممثلي الشركات الألمانية بالطبع من الاستمرار في التحدث إلى شركاء الأعمال الروس والشركات التي أبقت على حضورها في البلاد على الرغم من الصعوبات الحالية حتى تتمكن من استئناف العمل بسرعة نسبية بمجرد انتهاء الحرب.
أما بالنسبة للشركات التي ترغب في الاستمرار بالتعاون مع روسيا ولأسباب مختلفة فيبدو الوضع مختلفاً، بينها شركة هينكل المصنعة لمساحيق التنظيف في 11 موقعاً في روسيا، ولديها 2500 موظف وتحقق الشركة نسبة 5% من مبيعاتها هناك، وتعتزم خلال المرحلة الراهنة مواصلة أعمالها.
أما شركة مبيعات المواد الغذائية بالجملة مترو، فهي بدورها، وعلى الرغم من الأوضاع المضطربة، تريد الاحتفاظ بنشاطها التجاري في روسيا، وفق ما نقلت هاندلسبلات عن رئيسها شتيفان غرويبل في رسالة إلى موظفيه، وأبرز غرويبل أن وقف العمليات التجارية في روسيا سيكون له تأثير كبير على وظائف 10 آلاف شخص وأعمال 2.5 مليون شركة.

وتحقق المجموعة ما يقرب من عشر مبيعاتها في 93 سوقاً وتجمع أرباحاً أكثر بكثير من السوق الألمانية.
كذلك قالت مجموعة باير للأدوية والمستلزمات الطبية إنها ستبقي على أعمالها، وستتحمل مسؤولية الاستمرار في تزويد المرضى بالأدوية وتوظف 100 شخص في روسيا وتمثل الأخيرة 2% من مبيعاتها.

ووفق صحيفة هاندلسبلات، فإن الشركات الأجنبية في روسيا لديها ثلاثة بدائل، وهي: أولاً، يمكن لها مواصلة أعمالها في روسيا، وثانياً، التوقف عن العمل، أي إيقاف الإنتاج وتسريح القوى العاملة، وثالثاً، تتاح للمالكين الأجانب فرصة التنازل عن حصصهم لشركاء روس والعودة لاحقاً.

لكن الخيارات الثلاثة لها مخاطر، فمن يختارون الخيار الأول قد يعانون من العقوبات الغربية وضوابط رأس المال الروسية، ولم يعد بإمكان الشركات الغربية في روسيا التعامل مع العملاء والموردين المتأثرين بالعقوبات، كما سيفرض عليها تحويل 80% من أرباحها التصديرية الى الروبل بأثر رجعي.

أما الخيار الثاني، فقد يهدد الشركات بإجراءات سريعة، بينها التعرض لخطر المصادرة وربما التصفية للمصانع المغلقة، ما قد ينتج عنه خسائر كبيرة. أما الخيار الثالث فتتمثل مخاطره في التنازل عن الأسهم لرجال أعمال وشركاء روس.

وهذا الأمر يبدو أيضاً خطيراً، لأنه يعني ببساطة أنه يمكن للشركة أن تفقد أعمالها لأنه وبعد كل شيء لا يمكن لأحد أن يضمن أن الصفقة ستلغى لاحقاً، والمسؤولية والسيطرة ستعودان بالفعل للشركاء الأساسيين، لا سيما أن كل ذلك يعتمد على مسار الحرب وحسن نية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.