أشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نهاية عام 2021 إلى أن بلاده تمتلك ما يعادل 115 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي، خلال وصف ما تتعرض له بلاده من "حرب اقتصادية" وتأكيده أن تركيا غير مدينة لصندوق النقد الدولي، بل لا تجري محادثات معه، رداً على ما قيل خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول، عن احتمال لجوء البلاد إلى الصندوق وقت هوى سعر الصرف إلى نحو 18 ليرة مقابل الدولار.
ولكن حجم الاحتياطي الأجنبي تراجع مجدداً، كما يؤكد مختصون، بعدما لجأت تركيا إلى التدخل المباشر بالسوق عبر بيع الدولار من احتياطاتها لوقف تراجع سعر الصرف. بل لا تزال حكومة أنقرة، برأي البعض، تعتمد على دولار المصرف المركزي لتوازن العرض مع الطلب المتزايد بالسوق، مستدلين على ذلك، بثبات سعر الصرف على نحو 13.5 ليرة للدولار الواحد. بذا، تتزايد المخاوف على الاحتياطي من التبديد.
ويعتبر عدد من الخبراء أن أهم أهداف الحملة ضد عملتهم خلال العام الماضي (وقت تراجعت مقابل الدولار من 7.4 ليرات إلى أكثر من 13 ليرة)، كان دفع الحكومة إلى استخدام الاحتياطي، وبالتالي، إضعاف موقف تركيا الاقتصادي وربما السياسي. فهل انجرت تركيا إلى ساحة المضاربين؟
يرى أستاذ النقد مسلم طالاس خلال حديثه مع "العربي الجديد" أنه مع تراجع الموارد والقطع الأجنبي بسبب هبوط عائدات السياحة والتصدير والاستثمار، خاصة خلال عام كورونا وما تلاه، من حق تركيا وأي دولة بالعالم أن تستخدم الاحتياطي الأجنبي في مصرفها المركزي، لأن من أهداف الاحتياطي، حماية سعر العملة، فما قامت به تركيا، وفقاً لطالاس، مشروع ومتعارف عليه عالميا وإن كان ربما الحل الأسهل.
ولكن، يستدرك طالاس قائلاً "علينا أن نتفق على أمر أولاً، هل سعر العملة الرخيصة كان هدفاً تركياً لزيادة الصادرات أم لا؟ لأنه إن كان هدفاً ضمن السياسة العامة التوسعية التي تهدف إلى جانب زيادة الصادرات الصعود بنسبة النمو خاصة قبل الانتخابات العام المقبل، فالسؤال لماذا تدخلت الدولة في السوق وخسرت المليارات؟".
ويضيف: "أما إن لم تكن العملة الرخيصة هدفا استراتيجياً للحكومة التركية، فتدخلها كما قلنا اقتصادي ومشروع". ويتابع طالاس: "لكن تظهر أسئلة أخرى كثيرة، تتعلق بالسياسة الاقتصادية العامة التي تدلل على نهج التوسع المالي والنقدي لتحقيق نتائج وأرقام مرتفعة. كما أن التركيز على رقم صادرات قياسي بقيمة 225 مليار دولار العام الماضي كنا نراه هدفاً رئيساً إلى جانب نسبة النمو المرتفعة، ما يعيدنا إلى السؤال حول تعمد تركيا الوصول إلى سعر عملة رخيص".
وحول أثر تراجع حجم الاحتياطي على الاقتصاد والقرار التركي، يؤكد طالاس أن الاقتصاد التركي قوي ومتنوّع، وهذه حقيقة رغم المبالغات أحياناً وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها، كما أن الاحتياطي النقدي الحالي، لا يزال كبيرا جداً.
ولكن، يختم طالاس، "لنتفق أن ليس كل ما يجري في تركيا هو مؤامرة خارجية، لأن ذلك يعفي المسؤولين من تحمل وزر قراراتهم، وهنا أشير إلى التدخل السياسي بالقرار الاقتصادي والنقدي والذي كان له السبب الأهم بتراجع الثقة، وبالتالي تراجع سعر صرف الليرة".
بدوره، يؤكد الباحث الاقتصادي محمد كامل ديميريل لـ"العربي الجديد" أن تراجع احتياطي تركيا من العملات الأجنبية بعد خمس جلسات تدخل في السوق نهاية العام الماضي، هو نهج غير متبع في البلاد، وآخر مرة لجأت إليه تركيا على نحو محدد ومؤقت، كان عام 2014. ويتابع أنه في عام 2021 بعد التراجع المستمر بسعر الليرة التي فقدت نحو 45 في المائة من قيمتها، اضطرت تركيا للجوء إلى هذا الحل لوقف نزيف العملة، خاصة أن التراجع كان يلي قرارات لجنة السياسات بالمصرف المركزي بتخفيض سعر الفائدة.
ويضيف ديميريل: "كانت الأولوية في الخطط التركية، الابتعاد عن سعر الفائدة المرتفع وإن كانت له تكاليف، لأن الحكومة أصرت على تخفيض سعر الفائدة بهدف تحقيق الهدف الاقتصادي المعلن خلال عام 2023، سواء نسبة النمو أو التضخم والبطالة، بعد إخراج الإيداعات من خزائن المصارف إلى القطاعات الإنتاجية والخدمية".
ويقدر ديميريل حجم التدخل "المعلن" بنحو 9 مليارات دولار، ولكن ربما هناك تدخلات أو طرائق لم تعلنها الحكومة، كان هدفها "تلقين المضاربين درساً" وزيادة ثقة السوق والمتعاملين بالليرة التركية.
بيد أن وزير المالية التركي، نور الدين النبطي وخلال تصريحات صحافية مؤخراً، أشار إلى تراجع الاحتياطي الأجنبي بالمصرف المركزي بنحو 18 مليار دولار.
ويؤكد أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير بإسطنبول، فراس شعبو لـ"العربي الجديد" أن تدخل المصرف المركزي "اقتصادي وسليم" خاصة خلال الأزمة التي عصفت بالليرة، ولكن الركون إلى هذا الحل يشكل مخاطر تنذر بتبديد الاحتياطي الأجنبي، لأن المضاربات لم تنته، ولا بد من استخدام أدوات نقدية ومالية متنوعة، للحفاظ على سعر الصرف، من دون مخاطر تبديد الاحتياطي أو ترك أمراض اقتصادية أخرى، بمقدمتها التضخم الذي زاد عن 36 في المائة والتوقعات أن يتعدى 40 في المائة هذا العام.
وفي حين لا يستبعد شعبو استهداف الاقتصاد والعملة التركية، من مضاربين بالداخل ودول ومصارف، بل ومؤسسات التصنيف الائتماني بالخارج، يرى أن تركيا احتاطت ولم تبالغ بالتدخل المباشر، وعرفت كيف تمرر عاصفة المضاربات خلال الربع الأخير من العام الماضي، والمؤشرات اليوم تدل على تحسن بالأرقام والنسب، وبالتالي استقرار أو تذبذب بسيط بسعر الليرة التركية.