استمع إلى الملخص
- أرجع الخبراء التحسن المؤقت في قيمة الليرة إلى توقف الاستيراد وتدفق الدولار، لكن الانخفاضات الكبيرة كانت نتيجة مضاربات لسرقة أموال صغار المدخرين.
- أكد الخبراء أن استمرار التقلبات يعود إلى فتح باب الاستيراد وفقدان الثقة بالليرة، مشددين على ضرورة تعزيز الاحتياطي النقدي والسيطرة على السياسة النقدية.
ثارت مخاوف في الشارع السوري من تلاعب تجار النظام السابق بالعملة المحلية التي شهدت انخفاضاً مفاجئاً وكبيراً، أمس الخميس، "بشكل مفتعل"، إلى ما يراوح بين 14 و15 ألف ليرة مقابل الدولار.
واعتبر السوريّون أن أولى بشائر النصر المحقق بفرار رئيس النظام السابق بشار الأسد تمثلت بانخفاضات متتالية في سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، فبعدما وصل إلى 40 ألف ليرة قبيل ليلة السقوط، انخفض تدريجياً ليصل إلى 11 ألف ليرة في دمشق، فبات ذلك مؤشراً كبيراً إلى تحسن الاقتصاد السوري الذي بدأت تظهر معالمه من الأسبوع الأول.
ولكن لم يدم فرح السوريين طويلاً، حيث عاود سعر الصرف للارتفاع ليصل إلى 14 ألف ليرة للشراء و15 ألف ليرة للمبيع، وهذا أحبط تفاؤل الكثير من السوريين الذين استبشروا خيراً بتلك التغيرات السريعة.
في جولة ميدانية لـ"العربي الجديد"، يقول أسامة الحسن (37 عاماً)، وهو صاحب متجر لبيع الهواتف، إنه أصبح يراقب عن كثب تطورات الليرة السورية في الأيام التي أعقبت فرار الأسد، وعندما رأى أن سعر صرف الدولار يهوي تدريجياً يوماً بعد يوم قرر أن يبيع جزءاً من مدخراته من القطع الأجنبي، والتي قدرت بثلاثة آلاف دولار، فباع العملة الأميركية بسعر 11 ألف ليرة، لتكون الصدمة الكبرى بعد أيام قليلة فقط، حيث ارتفع سعر صرف الدولار مرة أخرى إلى 15 ألف ليرة. ووصف الحسن ما حصل معه بأنه مثّل خسارة كبيرة سببها التحولات والتبدلات السريعة.
تلاعب بأسواق العملات
نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية في جامعة حماة عبد الرحمن شعبان، رأى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تحسن سعر صرف الليرة السورية في الأيام التي أعقبت سقوط الرئيس السابق بشار الأسد وهروبه يعود لعدة عوامل، أهمها: توقف عمليات الاستيراد تماماً خلال التطورات الأخيرة في سورية، ما أدى إلى انخفاض حجم الطلب على الدولار، كما شكّلت حريّة دخول الدولار إلى البلاد بعد القيود الصارمة التي كانت مفروضة عليه في فترة حكم النظام السابق أحد العوامل الرئيسية في هذا التحسن، حيث تدفق الدولار من مختلف الاتجاهات وأصبح تصريفه آمناً دون القلق من التعرض لأي مساءلة، بعد أن كان مجرد الحديث عنه يعتبر كارثة ومصيبة المصائب آنذاك.
وكان للحالة السياسية الإيجابية دور كبير أيضاً في تحسن سعر صرف الليرة السورية، برأي شعبان، إضافة إلى العامل النفسي الإيجابي التفاؤلي لدى الناس لفرحة النصر السوريّة.
ولكن مع ذلك، لم ينفِ شعبان أن الانخفاضات الكبيرة في سعر صرف الدولار لا يقبلها المنطق ولا العقل الاقتصادي، ولا يوجد لها أي مبرر سوى أنها حصلت نتيجة مضاربة لعينة بهدف سرقة أموال صغار المدّخرين السوريين، وخاصة أن مصرف سورية المركزي لا يقوم بواجباته المطلوبة في هذه الأيام.
ولفت الانتباه إلى وجود مؤامرة تقودها بعض شركات تحويل الأموال، التي كانت أداة بيد النظام السابق، مستغلة الآثار النفسية الإيجابية للتحرير، وإلغاء القوانين التي كانت مسلّطة سابقاً على رقاب السوريين في ما يخص التعامل بغير الليرة السورية.
وأشار شعبان إلى أن تحسن قيمة الليرة كانت له آثار إيجابية على الأسواق، حيث انخفضت الأسعار بنسبة قليلة، ولكنها لا تتناسب مع التطورات التي طرأت على سعر الصرف، معتبراً أن ما يحدث حالياً هو مجرد تلاعب بالأسعار، وأن سعر الصرف الحالي وهمي ومؤقت.
عوامل انخفاض قيمة الليرة
بعد مضي أسبوع واحد على سقوط نظام بشار الأسد، بيّن الأكاديمي السوري أن قيمة الليرة السورية بدأت بالانخفاض، ويعد هذا الانخفاض منطقياً اقتصادياً لو أنه حصل بنسبة قليلة، كون الاحتياطات الأجنبية للمصرف المركزي السوري شهدت تراجعاً حاداً، حيث انخفضت من 18.5 مليار دولار في عام 2010 إلى حوالي 200 مليون دولار في العام الحالي، فيما لم تشهد الأسواق السورية حالياً أي نشاط تجاري ملحوظ.
وفي السياق، لفت الأكاديمي السوري إلى وجود عدة عوامل ستساهم في انخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار خلال الفترة المقبلة، منها: فتح باب الاستيراد الذي سيزيد إقبال المستوردين على شراء الدولار، وفقدان ثقة السوريين بالليرة، والتوسع الملحوظ باستيراد السيارات القديمة المستعملة وخروج ملايين الدولارات بدون فائدة للاقتصاد، إضافة إلى إغراق الأسواق بالبضائع التركية على حساب المنتج الوطني، وإلغاء منصة تمويل المستوردات وتحرير مئات المليارات من الليرات السورية المجمدة للمستوردين.
الحفاظ على الاحتياطي
وحول السماح بالتعامل بالدولار والليرة التركية إلى جانب العملة المحلية، أفاد شعبان بأن ذلك ليس له تأثير سلبي على الاقتصاد السوري في حال كان محدداً بمجالات معينة، فمثلاً سيسهل ذلك عمليات الاستيراد على سبيل المثال، حيث ستكون لدى المستورد سلة عملات أجنبية ستساهم في إنجاح عمله، معتبراً أن قرارات منع التعامل بغير الليرة السورية وإغلاق مراكز الصرافة المخالفة في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، فشلت فشلاً ذريعاً ومدمراً للاقتصاد السوري. فعلى سبيل المثال نجح المرسوم رقم 5 لعام 2024 في منع انخفاض قيمة الليرة بالفعل، أو إبطاء عملية انهيارها، ولكن كان ذلك نتيجة لانخفاض مستوى النشاط الاقتصادي لأقل من 20%، وحرمان خزينة الدولة من المليارات القادمة من تحويلات المغتربين والعاملين في الخارج.
وتبقى فرصة الحفاظ على احتياطي مصرف سورية المركزي من النقد الأجنبي وزيادته واردة في حال اتخاذه العديد من الإجراءات، حسب ما صرّح به شعبان، إذ يجب عليه أن يعود إلى دوره الطبيعي عبر التحكم في السياسة النقدية، ومن بين أدواتها معدلات الفائدة، وسندات الخزانة التي سيصدرها وغير ذلك، وأن يتعامل مع المصارف المركزية الأخرى، وتحديد علاقته مع البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، كما يتوجب عليه أن يضبط استخدام العملات الأخرى وتقوية الاحتياطات لتعزيز القدرة على تسعير الليرة السورية مستقبلاً، وأن يفعّل الأدوات المالية، لا سيما تلك المتمثلة ببيع وشراء السندات من الأفراد والمؤسسات، وتحديد معدلات الفائدة.
مضاربون أثاروا المخاوف
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي الأكاديمي عابد فضلية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القطاع المالي يعد أحد أكثر القطاعات تأثراً بالظروف الأمنية والسياسية والعسكرية، معتبراً أن ارتفاع سعر صرف الدولار الذي سبق الأحداث الأخيرة ارتبط بالظروف المضطربة، فهو يتأثر بالتوقعات والمخاوف المرتبطة بالظروف المحيطة، وأشار إلى أنه عندما سقط النظام السابق اتضح وجود جهات محسوبة على عهد الرئيس الهارب اشترت كميات كبيرة من القطع الأجنبي من الأسواق إما لإخراج أموالها من سورية، أو للمضاربة بالقطع الأجنبي، وهذا ما أدى إلى أول موجة انخفاض بسعر صرف القطع الأجنبي أمام الليرة، وهنا بدأت مخاوف الكثير من المواطنين الذين اكتنزوا بعض الدولارات في الأيام السابقة، وتخلصوا من مدخراتهم وحوّلوها إلى الليرة السورية على الفور، خوفاً من مزيد من الانخفاضات في قيمة الليرة، لذلك وصل سعر صرف الدولار إلى ثمانية آلاف ليرة في بعض المحافظات خلال الأسبوع الفائت.
صحوة أوقفت التحسن
واعتبر فضلية أن تغير سعر الصرف ارتفاعاً أو انخفاضاً بهذه السرعة لا يعد حالة اقتصادية طبيعية على الإطلاق، وإنما جزء منها مفتعل بمساعدة الظروف وجزء آخر يرتبط بالظروف النفسية والأمنية، وبالخوف والشائعات والدعايات التي نجحت واستغلت ضبابية الرؤية وعدم الاستقرار وترقب الناس في هذه المرحلة الحساسة، لافتاً إلى أنه لوحظ قيام الكثير من الأشخاص بتوعية غيرهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأن هذه الحالة مؤقتة، فتوقف المواطنون عن بيع مدخراتهم، لذا ارتفع سعر الصرف ووصل إلى أكثر من 15 ألف ليرة.
وعن خسائر تلك الفوضى الحاصلة في سعر الصرف، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن المواطن الذي باع ما لديه من قطع أجنبي هو حتماً خاسر لأنه غير قادر على شراء الكميات نفسها التي كان يمتلكها من الدولار.