مرفأ بيروت في ذكرى تفجيره الثانية.. محطة مهمة لسلاسل الإمداد بين آسيا وأوروبا وأفريقيا
يستذكر لبنان، اليوم الخميس، الانفجار الضخم الذي شهده مرفأ بيروت قبل عامين، علما أن هذا الميناء البحري الحيوي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، وطوّره النافذون لأهداف تجارية وعسكرية، فكان على الدوام محطة مهمة لسلاسل الإمداد العالمية، نظرا لموقعه الجغرافي الاستراتيجي.
ويشكل المرفأ مركز التقاء للقارات الثلاث أوروبا وآسيا وأفريقيا، ما جعل منه ممرا حيويا لعبور أساطيل السفن التجارية بين الشرق والغرب. وهو يُعد أحد المعالم التاريخية البارزة في لبنان.
وتعود الجذور التاريخية للمرفأ إلى العهد الفينيقي، وأصبح في العهد الأموي مركزا لصناعة السفن الإسلامية. ولما سيطر العثمانيون على بيروت وبلاد الشام، شعروا بأهمية مرفأ بيروت، كما شعرت الدول الأجنبيّة بذلك، سواء على الصعيد الاقتصادي أم على الصعيد الاستراتيجي، ولهذا بدأت أهمية بيروت كمدينة ناشئة تظهر بوضوح.
وفي القرن الثامن عشر الميلادي، بدأت بيروت تحتل مكانة اقتصادية بارزة، وأصبحت أكثر مدن الساحل الشامي تجارة وسكانا، بفضل مينائها وعوامل اقتصادية أخرى، وهذا ما دفع التجار الأجانب، لا سيما الفرنسيين المقيمين في صيدا، إلى مراسلة حكومتهم عام 1753، مطالبين بإرسال بعض التجار والصناعيين إلى بيروت وجوارها من بين الذين يفهمون في غزل القطن لتوجيه الصناعة والتجارة بأسلوب مناسب.
وفي 4 أغسطس/ آب 2020، وقع انفجار ضخم في المرفأ أسفر عن مقتل 221 شخصا وإصابة نحو 6 آلاف آخرين بجروح، فضلا عن دمار مادي هائل في الأبنية السكنية والمؤسسات التجارية.
وبحسب تقديرات رسمية، وقع الانفجار في العنبر رقم 12 بالمرفأ، الذي كان يحتوي على نحو 2750 طنا من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، كانت مصادرة من سفينة ومخزنة منذ عام 2014.
رئيس جمعية "تراثنا بيروت" سهيل منيمنة، الذي يعد من أبرز الشخصيات التي تجري أبحاثا تاريخية حول المعالم العثمانية المهمة في لبنان، قال في حوار مع الأناضول إن تاريخ مرفأ بيروت "يمتد لآلاف السنوات، إلا أن أبرز أعمال التعديل والتطوير التي شهدها، وبالتالي دخوله مسار الخطوط التجارية العالمية، جرت في عهود السلاطين العثمانيين".
وأضاف أنه "تمكن عام 2016 من الوصول إلى صور تعود لفترة تحديث وتطوير مرفأ بيروت زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني"، وتابع أن "الصور التي وصل إليها في الأرشيف العثماني تظهر أن عملية تحديث وتطوير مرفأ بيروت جرت خلال تسعينيات القرن التاسع عشر"، علما أن لبنان بقي تحت حكم الدولة العثمانية في الفترة بين عامي 1516 و1918".
ولفت منيمنة إلى أن "الدولة العثمانية قررت، اعتبارا من عام 1880، إعادة تشييد وتأهيل مرفأ بيروت، وكان الهدف من ذلك تعزيز الصلات التجارية بين بيروت وإسطنبول، إلى جانب اعتبار بيروت مرفأ نموذجيا".
وأوضح أن "أعمال تطوير وتحديث المرفأ بدأت في عهد السلطان عبد الحميد، واستغرقت قرابة عامين".
وعقب انتهاء مشروع تطوير وتحديث مرفأ بيروت، وفق منيمنة، "بات يضم بداخله أقساما مخصصة للجمارك، وأخرى إدارية، إلى جانب مستودعات وخطوط حديدية وملاجئ، لم تكن فيه من قبل".
وأشار المؤرخ اللبناني إلى أن "ربط مرفأ بيروت مع دمشق عبر خط حديدي كان خطوة استراتيجية"، لافتاً إلى أنه "في أعقاب هذه الخطوات، تأسست روابط تجارية قوية بين بيروت والدول الأوروبية".
(الأناضول، العربي الجديد)