بدأ مزارعو الجزائر في جني ثمار حظر استيراد بعض أنواع الفواكه كالحمضيات، وإخضاع أنواع أخرى إلى الرسم الإضافي الوقائي. ويتحدث العاملون في القطاع بكثير من التفاؤل حول مستقبل واعد للزراعة بسبب القرارات الحمائية، التي أعطت دفعاً للإنتاج في قطاع يعاني من غياب الاستثمارات وضعف اليد العاملة، فيما امتدت الفوائد إلى المواطنين، مع خفض أسعار المنتجات الزراعية في وقت تسجل فيه البلاد قفزات معتبرة في غلاء المعيشة.
ويعتبر حظر استيراد التفاح خاصة "مصيبة" على المزارعين الفرنسيين بحكم استيراد الجزائر 40 في المائة من محاصيل التفاح الفرنسي، إلا أن القرار تحول إلى نعمة بالنسبة إلى مزارعي الجزائر، خاصة في منطقة "الأوراس" في أقصى شرق البلاد، حيث عاد التفاح الجزائري ليأخذ مكانه فوق طاولات بائعي الخضر والفواكه.
وأكد محمد التومي، مزارع ومالك لحقل للأشجار التفاح من "الأوراس"، أن حظر استيراد الفواكه من الخارج رفع الإنتاج المحلي وضاعف العائدات المالية للعاملين في القطاع. وقال المزارع الجزائري لـ"العربي الجديد" إن "العودة للاستيراد تعتبر كارثة لنا، فعندما تقلصت كميات التفاح المستورد السنة الماضية، الكثير من المهنيين عادوا للاستثمار في زراعة التفاح، ومنهم من زرع الأشجار في الجبال، فمن كان لديه 500 شجرة ضاعف العدد في ظرف سنة، وأحدهم أصبح يمتلك 25 ألف شجرة تفاح".
وحسب المزارع ذاته، فإن العودة للاستيراد سيكون لها أثر أيضاً على اليد العاملة التي تشتغل في حقول التفاح، ففي السنة الماضية، شغّل محمد التومي 40 شاباً، فيما شغّل مزارع آخر قربه 80 شخصا، بأجرة 1500 دينار (8 دولارات) في اليوم".
لا منافسة
وظهرت ثمار توقيف استيراد الفواكه المنتجة محلياً على طاولات ورفوف تجار الخضر والفواكه، إذ باتت الفواكه الجزائرية من دون منافس، وبأسعار معقولة جدا، وهو ما أكده عبد الرحمن حاج عمر، رئيس جمعية تجار الجملة للخضر والفواكه، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن "منع استيراد ما ينتج محليا من فواكه عاد بالفائدة على المنتج والتاجر والمواطن، خاصة بالنسبة للفواكه التي تعرف موسم إنتاج طويل، كالتفاح الذي يتميز بموسمه الذي يمتد لقرابة 10 أشهر إذا كانت الحرارة معتدلة، كما هو حال الجزائر، لذلك لا يغادر رفوف التجار طيلة السنة إذا أضفنا الكميات المخزنة.
ولفت إلى أن إنتاج التفاح تضاعف سنتي 2021 و2022، والمنتجون أغرقوا الأسواق بالتفاح الأحمر خاصة، كونه الأكثر إنتاجاً. وأضاف المتحدث ذاته لـ "العربي الجديد" أن "الكثير من المزارعين كانوا متخوفين من تجميد استيراد الفواكه المنتجة محلياً، لكن الأسواق، بحكم أنها المكان الذي يمكّن من قياس نجاعة القرارات، أظهرت نجاح حظر الاستيراد، حيث إن التوجه لحماية الإنتاج الجزائري من الفواكه عاد بالإيجاب على الزراعة والمواطن الذي أنهكه غلاء المعيشة".
وتابع:"سعر كيلوغرام التفاح مثلاً انخفض بما يقارب 15 إلى 20 في المائة عن أسعاره في السنوات الماضية، حين تقلص الإنتاج المحلي تاركاً المجال للتفاح المستورد المُكلف كثيراً، من دون الحديث عن النوعية التي تعتبر كارثية بالنظر لظروف إنتاجه غير الطبيعية وطول مدة تخزينه".
مخاوف التخزين
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أمر الحكومة، نهاية 2020، بتجميد استيراد الفواكه المنتجة محلياً، مع فرض رسم إضافي وقائي بين 150 و300 في المائة على عمليات استيراد الفواكه خارج مواسم إنتاجها، وذلك لحماية الإنتاج المحلي، مع دعم مصانع التحويل الغذائي، حتى تتكفل بشراء المنتجات الزراعية التي تسجل وفرة معتبرة في إنتاجها.
ويتخوف مزارعو "التفاح" في الجزائر من أن يتكرر معهم سيناريو مماثل للذي وقع السنوات الماضية مع "البطاطا" و"الطماطم"، اللتين أرقت وفرة إنتاجهما المزارعين ودفعت الحكومة الجزائرية للتدخل من خلال شراء المحاصيل، فمع تجميد الاستيراد، تتحول وفرة إنتاج التفاح من نعمة إلى نقمة في ظل عدم دعم المزارعين لتخزين الإنتاج، ما يكلف العديد من العاملين في القطاع استثماراتهم في زراعة المحاصيل.
ورأى عبد الباقي جربوع، رئيس شعبة "الفواكه" في محافظة "باتنة" (منطقة الأوراس) المشهورة بإنتاج التفاح والإجاص، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة مطالبة باقتصاد 35 مليون دولار التي كانت تُصرف لاستيراد التفاح وتحويل جزء منها لدعمٍ للمزارعين، وفتح غرف تبريد حتى لا تفسد المحاصيل الوافرة، وخاصة دعم عمليات التخزين التي تكلف فاتورة كبيرة".
كما طالب نفس المتحدث مصانع إنتاج المربى والعصائر بالتوجه إلى المزارعين المحليين لتعويض ما كانوا يستوردونه من الخارج، فحسب عبد الباقي، "شراء التفاح من الجزائر سيوفر ثلث ما تصرفه مصانع المربى والمشروبات في شراء الفواكه والمنكهات من أوروبا وجنوب أميركا".