دخل السوريون والأتراك بالتشارك في الموت والخسائر بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غربي سورية، الإثنين الماضي، واستمرت الهزات الارتدادية له حتى أمس.
فبعد زيادة عدد القتلى بالبلدين عن 10 آلاف وتقدير عدد المصابين بعشرات الآلاف، يبقى هاجس البلدين انتشال أكبر عدد ممكن من العالقين الأحياء تحت الأنقاض.
لكن يبدو أن نكبة الناجين من الزلزال ليست بالهينة، فكثير من السوريين الذين نجوا من الموت في تركيا وشمال سورية باتوا يواجهون كارثة أخرى وهي فقدان مصادر رزقهم، ليعيشوا حياة أصعب بالمناطق المنكوبة، عبر المساعدات أو بمراكز الإيواء، كما أقرانهم الأتراك، خلال فترة اتفق فيها المراقبون على أنها أصعب مرحلة معيشية بالعصر الحديث في المنطقة.
ويشير المواطن السوري إبراهيم عوض، من ولاية أنطاكيا، إلى توقف العمل وتهديم مشروعه الصغير وهروبه وأسرته إلى مسكن جماعي على طريق زراعي يسكنه عشرات الأتراك والسوريين، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كل مدخراته من العمل بقطاع الإنشاءات، منذ خمسة أعوام، ذهبت سدى، لكن الأهم حسب قوله، سلامته وأسرته "لأننا رأينا الموت بأعيننا بعد انهيار المبنى بالكامل".
ومن غازي عنتاب يقول السوري عمر حسين لـ"العربي الجديد"، إن منشأة عصر الزيتون التي كان يعمل بها توقفت تماماً بعد التصدع وما حدث للولاية، مبيناً أن معظم سكان مدينة عنتاب منشغلون بأمان أسرهم والحديث عن العمل مؤجل، مضيفاً: "هناك جمعيات وهيئات إغاثية تؤمن الطعام والمسكن للبعض، لكنّ معظم السكان على الطرقات في سياراتهم، بلا مأوى". ويلفت حسين إلى شح شديد بالمشتقات النفطية بالمدينة، لكن المواد الغذائية متوفرة وتصل المساعدات من خارج ولاية غازي عنتاب تباعاً.
وحول حجم الخسائر المادية للزلزال، يقدرها الاقتصادي التركي مسلم أويصال بـ"عشرات مليارات الدولارات" بعد تهدّم نحو 7 آلاف مسكن ومنشأة اقتصادية وخدمية، وتعطيل شبكات الاتصال والكهرباء والغاز بمعظم الولايات المنكوبة.
ويقول أويصال لـ"العربي الجديد"، إن الوقت لا يزال مبكراً لإحصاء حجم الخسائر، وربما بإصدار بلاده إنذاراً من المستوى الرابع، ثم إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان حالة الطوارئ لثلاثة أشهر بالولايات المنكوبة، دليل على عدم قدرة تركيا وحدها على أعمال الإنقاذ وتحمل الأعباء والخسائر، وحاجتها لدعم دولي عاجل، فضلاً عن إعلان الحداد العام في البلاد لمدة أسبوع منذ اليوم الأول.
سألت "العربي الجديد" المهندس محروس الخطيب، المستثمر السوري بأعمال الطاقة الشمسية والري الحديث بولاية هاتاي، جنوبي تركيا، ومزارع شمال غربي سورية (المناطق المحررة)، عن خسائر السوريين جراء الزلزال المدمر، فقال: "أتى الزلزال على جلّ ممتلكات السوريين واستثماراتهم بولايات جنوبي تركيا، خصوصاً أنطاكيا وغازي عنتاب التي أسميها حلب الجديدة، لكثرة احتضانها استثمارات سورية بقطاعات الغزل والنسيج والصناعات الغذائية والجلديات"، وأشار إلى تعاظم مساهمة الصناعيين والتجار السوريين بالولاية التي زادت صادراتها خلال العام الماضي 2022 بشكل ملحوظ.
وفي السياق، يؤكد المهندس السوري عدنان التامر أن مناطق جنوبي تركيا، عنتاب ومرسين خصوصاً، هي عصب التصدير بتركيا، بل هناك إحصاءات رسمية تقول إن ولايات الجنوب تساهم بنحو 56% من الصادرات، علماً أنّ الصادرات هي عصب تركيا الاقتصادي الأهم وتشكل نحو ثلث الناتج الإجمالي.
ويقول تامر، من ولاية هاتاي التركية، لـ"العربي الجديد"، إن الشركات السورية والتجار ساهموا بزيادة تدفق المنتجات التي تحمل عبارة "صنع في تركيا" سواء المنتجة بمنشآت سورية أو تركية، إلى منطقة الخليج العربي والدول الأوروبية، مقدراً أن ما نسبته 36% من الشركات السورية بالولايات الجنوبية تقوم بتصدير إنتاجها أو معظمه للخارج، وأيضاً الشركات الصناعية السورية جنوبي تركيا.
وبوصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ولاية قهرمان مرعش، مركز الزلزال المدمر، أمس الأربعاء، نشرت الجريدة الرسمية التركية القرار الرئاسي بشأن إعلان حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر في الولايات العشر المتضررة من الزلازل جنوبي البلاد، ليدخل بذلك حيز التنفيذ.
بالتوازي مع ذلك، توقعت منظمة الصحة العالمية أن يصل عدد المتضررين من الزلازل في تركيا وسورية إلى "23 مليون شخص، بينهم 1.4 مليون طفل". وقالت المنظمة إن تركيا "لديها قدرة قوية على الاستجابة للأزمة" لكن التحدي الحالي يكمن في تلبية الاحتياجات على الحدود السورية - التركية.
الباحث الاقتصادي ومدير وكالة إخلاص التركية السابق بسورية غياث سحلول، وصف الوضع في شمال غرب سورية بـ"الخطير" نظراً لقلة المعدات ومرور الوقت على العالقين تحت الأنقاض واشتداد برودة الطقس. وقال سحلول إن الخسائر كبيرة جداً، لأن أكثر من مليوني سوري يعيشون ضمن الولايات المنكوبة، فهي الأقرب إلى سورية وكانت أول من استقبل السوريين عامي 2011 و2012، لذا وجدنا الاستثمارات السورية، خصوصاً الصناعية، تركزت في ولايات غازي عنتاب، وأورفا، ومرسين، وأنطاكيا، مقدراً عدد الشركات التي يملكها سوريون في تركيا بنحو 13 ألفاً و880 شركة، أي ما نسبته 29% من مجموع الشركات المملوكة لأجانب في البلاد.
وكانت صحيفة تركيا غازيتيسي قد نقلت سابقاً عن رئيس تجمع رجال الأعمال والصناعيين العرب (أسياد)، عبد الغفور صالح عصفور، أن استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا تجاوزت 10 مليارات دولار أميركي.
يقول سحلول لـ"العربي الجديد"، إن استثمارات وأعمال السوريين العقارية والصناعية تضررت إن لم نقل تلاشت، في الولايات المنكوبة، لكن تبقى أعمال ولايات إسطنبول وأنقرة وبورصة ومدن البحر الأسود، وهي أعمال "لا يستهان بها" وهي تركز على الخدمات والسياحة والعقارات والاستثمارات المالية، وبعض الاستثمارات الصناعية بولايتي يالوا وبورصة.
وتأثرت الأعمال السياحية والخدمية بنسب متفاوتة، بحسب صاحب شركة ياشا بساحة تقسيم محمود آيدن، الذي توقع خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، تأثر الموسم السياحي "بشكل كبير"، خصوصاً السياحة الشتوية التي تستقطبها ولايات بورصة والولايات التي تحتوي مضمارات تزلج أو مياه معدنية. أضاف آيدن أن نسبة السوريين العاملين بالقطاع الخدمي والسياحي، بالمدن الكبرى، كبيرة جداً.
وتبقى مأساة السوريين الكبرى بمناطق المعارضة، بحسب ما ينقل العامل بالشأن الإغاثي عصام عيد، مؤكداً من مدينة سرمدا عبر اتصال مع العربي الجديد"، أن كل ما يقال عن مساعدات إنسانية دولية "هو كذب"، إذ لم تصل أي شاحنة مساعدات حتى ظهر الأربعاء، في حين يتاجر نظام بشار الأسد بالكارثة، وبدأت المساعدات الدولية تصل إلى مناطقه كما تصل إلى تركيا "ونحن منسيّون".