أحدثت السلطات المصرية تغييرا شاملا في إجراءات تجميع ونقل المساعدات الإنسانية المتجهة لإغاثة الفلسطينيين داخل قطاع غزة.
ووجهت السلطات الجهات المتبرعة من داخل البلاد بتسليم تبرعاتها لجمعية الهلال الأحمر، التي ستنقل بدورها المساعدات إلى مناطق الحدود برفح والمخازن المعدَة لاستقبال معونات الدول والمنظمات الدولية في مدينة العريش شمال سيناء.
يقوم الهلال الأحمر المصري- وفق الإجراءات الجديدة- بالتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، بنقل المساعدات المحلية والدولية القادمة عبر مطار وميناء العريش، إلى المنافذ الحدودية برفح وكرم أبو سالم، وإدخالها غزة.
تعكس التغييرات رغبة السلطات المصرية في إسناد التصرف في المساعدات لجهات محايدة، لتكون تحت إشراف كامل من الجهات التابعة للأمم المتحدة، ومواجهة الادعاءات التي وجهتها إسرائيل، أمام محكمة العدل الدولية الجمعة الماضية، حول مسؤولية مصر عن تعطل دخول المساعدات الإنسانية للقطاع.
استغلت السلطات، شهادة المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين "الأونروا"، فليب لازاريني، الذي زار مناطق استقبال المساعدات الإنسانية بالعريش، ومعبري رفح وكرم أبو سالم، قبل دخوله إلى قطاع غزة أمس الأول، لتلقي على الجهات الأممية مسؤولية دخول المساعدات للقطاع، عقب تأكيده للصحافيين أن مصر لم تغلق المعابر منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، واتهامه آلة الحرب الإسرائيلية بأنها لم تميز أو تستثن بشرا ولا حجرا ولا حيوانا من القتل.
تواكب الإجراءات توترا في العلاقات الحميمة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي وقيادات حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة نتنياهو، التي كشفت عن نواياها لخوض معركة طويلة الأمد في إطار عدوانها الوحشي الذي تخطى 100 يوم، والسيطرة على ممر فيلادلفيا الممتد لمسافة 14 كيلومترا، المؤدي إلى بوابات معبر رفح، المركز الأساسي لحركة الأفراد ودخول المواد الإغاثية العاجلة من الحدود المصرية إلى المنكوبين في القطاع. تخطط إسرائيل للبقاء مهيمنة على بوابات غزة مع مصر للأبد، في وقت تدفع فيه السلطات المصرية التزامها بفتح المعابر على مدار الساعة، منذ بداية العدوان، وعدم تسهيلها تهريب أسلحة إلى مقاتلي "حماس".
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حذر، الشهر الماضي، من أن أكثر من 570 ألف شخص في غزة يواجهون جوعا كارثيا. وأفاد أحدث تقرير لبرنامج الأغذية العالمي عن تحليل الأمن الغذائي في غزة بأن جميع سكان غزة (نحو 2.2 مليون شخص) يعانون من أزمة، أو ما هو أسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وحسب مراقبين، تبدو السلطات المصرية مرتبكة في مواجهة حملات التلاسن التي يقودها وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين.
وفي هذا الإطار، أوقفت السلطات حملات "تحيا مصر" التي تقود نقل التبرعات التي يجمعها رجال النظام من رجال الأعمال والمؤسسات الخيرية والعامة.
ورفضت الأجهزة الأمنية السماح بتوجيه قافلة مساعدات إنسانية يقودها عدد من قيادات التنظيمات السياسية والحزبية، أعضاء التحالف الشعبي لدعم أبناء غزة.
تجاهلت الأجهزة طلبا تقدمت به نقابة الصحافيين وعدد من اللجان النقابية للمحامين والأطباء، بالسفر إلى رفح، مصطحبين قوافل المساعدات التي تمكنوا من جمعها كتبرعات من أعضاء النقابات، خلال الشهر الماضي.
واشترطت السلطات على النقابات والمتبرعين من الجمعيات الأهلية أن ترسل المساعدات إلى الهلال الأحمر في القاهرة وأماكن التبرع المحددة منه في المحافظات، ليتولى توصيلها إلى العريش ورفح، وتسليمها للفلسطينيين تحت إشراف الجهات الدولية.
من جانبه، قال رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية طلعت مطاوع لـ"العربي الجديد" إن تبرعات التحالف الشعبي التي يقدمها رجال الأعمال أو المؤسسات الخيرية، وما يتبرع به الأفراد والجمعيات تحولت مباشرة إلى مندوبي الهلال الأحمر.
وأكد عضو التحالف الشعبي لدعم فلسطين والبرلماني السابق عبدالحميد كمال، أن السلطات زادت من القيود التي تفرضها على المواطنين الراغبين في دعم إخوانهم الفلسطينيين، رغم الخسائر الهائلة التي أوقعها العدوان الوحشي، بما أدى إلى استشهاد نحو 23 ألفا، منهم أكثر من 10 آلاف طفل، وإصابة ما يقرب من 70 ألفا آخرين بجروح خطرة وإعاقة دائمة، وتدمير 80% من المنازل والمنشآت، خاصة المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس. قال كمال لـ"العربي الجديد" إن السلطة مطالبة بأن تفتح المجال أمام التبرعات الشعبية من الأفراد، خاصة البسطاء المصريين الذين ساهموا في قوافل الإغاثة لغزة من قبل بجزء من قوت يومهم، للتعبير عن وقوفهم مع إخوانهم المنكوبين، مشيرا إلى تفضيل النظام تنظيم مهرجانات التبرع التي يقدمها بعض رجال الأعمال والسياسيين الداعمين للنظام، لتظل قضية احتلال فلسطين الوحشي الإسرائيلي على شعبها بعيدة عن عيون الشعب، الذي قدم آلاف الشهداء، ويعمل على نصر القضية وأهلها بشتى السبل.
من الملفت أن تختار قناة "القاهرة" الإخبارية المقربة من النظام المصري، إذاعة تقرير موسع مساء أول من أمس الأحد، حول "استغلال جماعات التطرف القضية الفلسطينية في جمع التبرعات وتجنيد العملاء للقيام بأعمال إرهابية".
جاءت إذاعة التقرير وسط حملات شعبية واسعة تطالب السلطات بفتح أبواب التبرع الشعبي لأبناء غزة، وتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة مناقشة وتبادل للأخبار والأفلام حول المعاناة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع مطالب واسعة بقطع العلاقات المصرية مع إسرائيل التي تهدد بطرد الفلسطينيين إلى داخل سيناء.
وفي هذا السياق، قال عضو التحالف الشعبي لدعم فلسطين، عبدالحميد كمال، لـ"العربي الجديد"، إن تصرفات الإعلام الرسمي تعكس حجم التضييق الذي تمارسه السلطة على الشعب، مبينا أن خذلان القضية الفلسطينية يمثل تهديدا للأمن القومي المصري، في المقام الأول، قبل أن يعد تفريطا في القدس والأراضي المحتلة.
وأظهر خروج رئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان ببيان للرد على ادعاءات فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بأن مصر هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة، دون الرد من وزير الخارجية المصري أو المتحدث باسم الرئاسة، حالة الحذر والارتباك التي تتعامل بها السلطات المصرية في مواجهة التصعيد الإسرائيل بغلق معبر رفح، وتحجيم عدد الشاحنات، وإخضاعها لإجراءات تفتيش مطولة وعقيمة، وفقا لمراقبي الأمم المتحدة.
قال رشوان في تصريح صحافي إن مصر تمكنت من إدخال 7 آلاف طن من المساعدات الطبية إلى غزة، و50 ألف طن من المواد الغذائية، و20 ألف طن من المياه النقية، و1000 قطعة من الخيام، و11 ألف طن من المواد الإغاثية الأخرى، و88 سيارة إسعاف، و4.5 آلاف طن من الوقود وغاز المنازل، منقولة عبر 9 آلاف شاحنة.
قال رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية طلعت مطاوع إن تبرعات التحالف الشعبي التي يقدمها رجال الأعمال أو المؤسسات الخيرية، تحولت مباشرة إلى مندوبي الهلال الأحمر
أضاف رشوان أن مصر بذلت خلال المائة يوم الأولى من العدوان الإسرائيلي الغاشم، أقصى جهودها لاستمرار دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية للأشقاء الفلسطينيين. بين رشوان أن جيش الاحتلال قصف أبواب معبر رفح 4 مرات، بما دفع مصر إلى إصلاحه بسرعة وتوجيه الشاحنات بالمرور منه، رغم عدم جاهزيته إلا لمرور الأفراد، بما ساهم في نقل 1210 مصابين ومرضى من غزة للعلاج في المستشفيات المحلية، وخروج 23 ألفا من الفلسطينيين والمصريين وحاملي الجنسيات الأجنبية من القطاع.
من ناحية أخرى، تسلّم الهلال الأحمر مؤخرا، 46 طنا من المساعدات الإنسانية، أرسلتها منظمة الهجرة الدولية على متن طائرة تركية إلى مطار العريش، تمهيدا لنقلها إلى بوابة معبر رفح لتسليمها إلى الهلال الأحمر الفلسطيني.
استقبل المطار 484 طائرة، نقلت نحو 13 ألف طن من المساعدات العربية والأجنبية لغزة. وحسب مصادر، ينتظر دخول 170 شحنة من المساعدات يوميا إلى غزة، ترى مفوضية "الأونروا" والمنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، عدم كفايتها لحاجة القطاع الذي يعاني من شح خطير في مواد الإغاثة، خاصة من المياه النقية والوقود والإسعافات الطبية، وإعادة تشغيل المستشفيات والمنشآت الحيوية، لإنقاذ أبناء القطاع من مجاعة، وإيقاف المجزرة الدائرة خشية تحول غزة إلى أكبر مأساة إنسانية يشهدها العالم في العصر الحديث.