مصر: تأجيل حسم "الإيجارات القديمة" عشية ذكرى يناير

01 يناير 2025
يسيرون على جسر قصر النيل في قلب القاهرة، 16 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قرر البرلمان المصري تأجيل مناقشة تعديلات قانون الإيجارات القديمة لتجنب الغضب الشعبي، بعد توترات بين الملاك والمستأجرين، ولتمرير ذكرى ثورة 25 يناير بسلام.
- تسعى الحكومة والبرلمان إلى إعداد قانون موحد للإيجار يعالج الخلل التشريعي، بعد حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض مواد القانون الحالي، مع مقترحات لزيادة الأجرة وضمان حقوق المستأجرين.
- تواجه الحكومة تحديات في إعادة هيكلة العلاقة بين المالك والمستأجر، مع اقتراحات لإنشاء صندوق تكافل ودعوات لتعويض الملاك، مما يتطلب حواراً مجتمعياً موسعاً.

قرر مجلس النواب المصري (البرلمان)، تأجيل مناقشة تعديلات قانون الإيجارات القديمة إلى إبريل/ نيسان المقبل، تجنباً لغضب الملاك والمستأجرين على حد سواء، وأيضاً لتمرير ذكرى ثورة 25 يناير/ كانون الثاني.

وكشف عدد من أعضاء المجلس لـ"العربي الجديد"، عن تأجيل أمانة البرلمان تلقي أي مقترحات أو مناقشات حول هذا القانون لحين انقضاء الشهر الجاري، مكتفية بمطالبة رؤساء الهيئات البرلمانية للأحزاب بتقديم مشروعات بقوانين للإيجار لإدراجها ضمن جدول أعمال اللجان المختصة في البرلمان، في إبريل/ نيسان.

ورأى نواب أن تأجيل المناقشات يترجم سعي البرلمان إلى امتصاص الغضب الذي شهدته جلسات الحوار المجتمعي على مدار الشهرين الماضيين، التي عقدت داخل بعض الأحزاب والمؤسسات البحثية، وكادت تتحول إلى عراك بين الملاك والمستأجرين، وهو ما أفزع الحكومة في وقت تشهد فيه البلاد حالة من التوتر الاجتماعي ومخاوف من تصاعد الأزمات الاقتصادية والأمنية.

وفسر محمد عبد العليم، رئيس الهيئة البرلمانية السابق لحزب الوفد (ليبرالي)، إجراءات البرلمان بأنها تستهدف منح الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني المشاركة بحوار مجتمعي حول حكم المحكمة الدستورية العليا وفسحة من الوقت لإعداد مشروعات بقوانين تضمن تحقيق التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين، والقفز على قضية ساخنة تفجر أزمة عميقة بين الحكومة والمواطنين في وقت تتصاعد فيه مشاعر الغضب من تراجع مستوى المعيشة، وتتجه الحكومة إلى تغيير نظام الدعم للسلع الأساسية ورفع أسعار المحروقات والكهرباء.

ويؤكد نواب محسوبون على الجهات الرسمية تأجيل الحكومة أي مناقشات رسمية حول قانون الإيجارات، مع حلول ذكرى 25 يناير، في عام يشهد سخونة سياسية جراء ما يحدث في سورية وغزة ويثير توترات أمنية محلية، واستدعى نشر قوات أمنية بكثافة بالميادين الرئيسية بالقاهرة والمحافظات.

وألغى حزب المحافظين ندوة كانت مقررة الأسبوع الجاري لإعداد مشروع قانون للإيجار، فيما حولت عدة أحزاب المناقشات حول القانون إلى جلسات مغلقة تقتصر على بعض نواب البرلمان والخبراء.

وأفصح رئيس لجنة الإسكان والتعمير في مجلس النواب محمد عطية الفيومي عن تأجيل الحكومة عرض تصوراتها حول قانون الإيجارات، وحضور وزير الإسكان اجتماعاً استهدف مناقشة مقترحات الحكومة لفك الاشتباك بين الملاك والمستأجرين، بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مواد القانون رقم 136 لسنة 1981، الذي يثبت قيمة الأجر ويجعل من عقد الإيجار أبديا دون إرادة المالك. وقال الفيومي في تصريحات صحافية أخيراً، إن الحكومة لم تبد أي تحرك حقيقي حتى الآن تجاه القانون المطعون بدستوريته الذي ستسقط حجيته مع انتهاء الدورة البرلمانية في يوليو/ تموز المقبل.

وقال عضو في مجلس النواب لـ"العربي الجديد"، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الحكومة تتجه إلى إصدار قانون موحد للإيجار، بما يلغي عدة قوانين تحكم السوق العقارية ما زالت تفرق بين المحلات التجارية والشقق السكنية والمؤجرة للأفراد والشخصيات الاعتبارية، بما يضمن دخول نحو 3 ملايين وحدة عقارية مغلقة ضمن حركة المعاملات اليومية لسوق العقار.

ومن جانبها، لم تلتزم الحكومة بطلب النواب تقديم آخر إحصاءات حول عدد الوحدات السكنية المؤجرة، والذين يعملون على إحصاءات سبق أن ناقشها البرلمان ضمن مقترحات لأعضائه، صادرة عن جهاز الإحصاء الحكومي، تبين وجود 1.7 مليون وحدة سكنية مؤجرة وفقا للقانون 136، من بينها 450 ألف وحدة مغلقة، لامتلاك مستأجريها أكثر من سكن أو عقار.

وأربكت الحكومة خطط لجنة الإسكان المختصة بإعداد القوانين الجديد، بالتعاون مع اللجان التشريعية والإدارة المحلية والتضامن، التي حددت أربعة اجتماعات مع وزراء الإسكان والتنمية والعدل والتضامن للاستماع إلى رؤاهم بشأن ملف قانون الإيجارات، ما دفع ممثلي الأحزاب إلى تأجيل المناقشات العامة بحضور ممثلي الملاك والمستأجرين داخل مقراتها لمدة شهرين، والاكتفاء بإعداد النواب مقترحات بقوانين وتسليمها عند الطلب للبرلمان.

وتكشف المقترحات الأولية لبعض الأحزاب عن رغبة واسعة بتغيير قانون الإيجارات المطعون في شرعيته، منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وذلك قبل انقضاء الدورة البرلمانية الحالية حتى يصبح طرد الملاك للمستأجرين أمراً مقضياً، بما يدخل المحاكم في حالة من الفوضى، مع وجود تباين كبير في مواقف كل حزب من سبل فك العلاقة المتأزمة منذ 42 عاماً بين الطرفين المالك والمستأجر. يسمح حكم الدستورية العليا للملاك باللجوء إلى قاضي الأمور الوقتية لطرد المستأجرين فوراً، في حال عدم صدور قانون جديد يعالج الخلل التشريعي.

وتعكس الرؤى هشاشة دور الأحزاب بين جمهور غاضب، التي تكتفي بإصدار بيانات صحافية حول مقترحات بزيادة سعر الأجرة للعقارات القديمة مع طمأنة المستأجرين بعدم طردهم من أماكنهم، وفق محللين. ويطلب الملاك في مناقشاتهم العلنية المحدودة ووسائل التواصل الاجتماعي إخلاء الأماكن المؤجرة وحصولهم على تعويضات عن خسائرهم التي تحققت خلال عقود جراء خفض الإيجارات بقرارات حكومية، بينما يتمسك المستأجرون بحقهم في البقاء بوحداتهم المستأجرة وتوريث العقود لجيل آخر من الأبناء.

وتبحث الأحزاب عن علاقة متوازنة تحقق عدالة لم تحدث من قبل، في وقت تبدي فيه الحكومة أقوالاً تخفي ما في صدور المسؤولين الذين يخططون لاسترداد وحدات سكنية مؤجرة لمئات الآلاف من المواطنين مقابل عدة جنيهات. تأمل الحكومة بأن تدر وحداتها القديمة مليارات الجنيهات بصورة إيرادات عامة، تشمل عقارات تابعة لوزارة الأوقاف والري والسكك الحديدية وأخرى لشركات عامة وإدارات محلية.

ويؤكد رئيس اللجنة الاقتصادية في نقابة الصحافيين محمد خراجة أن رغبة الحكومة بتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر أصبحت أمراً محسوماً، حيث تستهدف أن يصب القانون الجديد في مصلحتها بالمقام الأول، مشيراً في ندوة نظمتها اللجنة أخيراً حول الآثار المترتبة على حكم الدستورية العليا بعدم دستورية قانون الإيجارات 136 لسنة 1981، إلى أن الحكومة ترغب في بيع 24 ألف وحدة سكنية في وسط القاهرة، وتحصيل نحو 3 مليارات جنيه (نحو 59 مليون دولار)، من عوائد تأجير شقق الأوقاف، واسترداد الوحدات المؤجرة بالمحافظات مع الاستفادة من تحرير تلك العلاقة في رفع الإيجارات بصفة عامة، بما يضمن لها إيرادات متزايدة من الضرائب العقارية.

وقال خراجة إن الحكومة لديها الرغبة في إعادة هيكلة شاملة للعلاقة بين المالك والمستأجر، ولكن خوفها من مواجهة الطرفين يدفعها إلى التمهل باتخاذ قرار سريع وحاسم يفك الاشتباك المزمن، مؤكدا ضرورة توسيع دائرة الحوار المجتمعي حول تلك القضية، ووجود ممثلي الحكومة بالمناقشات، ليخرج القانون المنتظر متوازنا محددا سبل إنقاذ المتضررين من التغيير المنتظر والواسع لسوق العقارات.

وفي السياق، وضع ائتلاف ملاك العقارات أمام الندوة وثيقة قانونية تحدد جذور المشكلة التي تمر بها مصر منذ قرن ونيف، دون أن يوجد شبيه لها في العالم. وأشار رئيس الائتلاف مصطفى عبد الرحمن إلى أن تدخل الدولة في تحديد العلاقة بين المالك والمستأجر بفرض سعر قسري للإيجار وجعله أبديا حرم الملاك من عوائد استثماراتهم، لافتا إلى أن لجان التقديرات التي أنشأتها الدولة تحت ضغوط الحرب ماضياً والانتقالات بين الأنظمة الرأسمالية والاشتراكية، عمقت الأزمة بين الطرفين، واقترح أن ينشئ القانون الجديد صندوق تكافل لمساعدة المستأجرين المتضررين من إخلاء مساكنهم على تأجير وحدات بديلة يحدد سعرها وفق المعدلات السائدة بسوق العقارات، أو دعم الراغبين في استمرار الإقامة بوحداتهم بالتراضي مع الملاك.

ويقدم المُلّاك إغراءات للحكومة بعرضهم المساهمة في تمويل صندوق تكافل الإسكان بنسبة من قيمة الإيجارات الجديدة، مع استفادة الموازنة العامة من زيادة عوائد الضرائب العقارية في حال إعادة تقييم الأصول العقارية، وترميم المتهالك منها بسبب عدم رغبة المالك والمستأجر في الإنفاق على عمليات الصيانة الدورية لمئات الآلاف من المباني الآيلة للانهيار.

واستعرض النائب السابق إسماعيل نصر الدين مشروع قانون يتضمن رفع أسعار الإيجارات على 3 سنوات، بما يمثل ما بين 10% و15% سنوياً من قيمة دخل الأسرة، على أن يتولى صندوق التكافل للإسكان تحمل فروق القيمة العادلة للإيجار.

وحذر المستشار القانوني والمحامي بالنقض والدستورية العليا محمود عطية من تصاعد الخلافات بين الملاك والمستأجرين، في حال صدور قانون يضمن للملاك طرد المستأجرين وذريتهم من الوحدات التي يقيمون فيها منذ عقود، مشيرا إلى تراجع قيمة الدخل وارتفاع كلفة المعيشة، الأمر الذي لا يمكّن الأسر من تحمل أي أعباء ناتجة عن تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر.

واقترح خبراء أن تبدأ الحكومة بسحب 450 ألف وحدة سكنية فوراً وردها لأصحابها، مسجلة من قبل جهات رسمية بأنها مغلقة منذ سنوات، دون أن يردها المستأجر لمالكيها، رغم حيازة بعضهم عقارات فارهة أو يقيمون بالخارج لفترة زمنية طويلة. ويأمل الخبراء بأن تصل الإيجارات لقيمة سوقية عادلة خلال ثلاث سنوات.

المساهمون