قفزت معدلات التضخم في مصر مسجلة رقما قياسيا على مدار 4 سنوات، بلغت نسبتها 15.3%، خلال سبتمبر/أيلول الماضي، على أساس سنوي، و1.6% للشهري، في الوقت الذي توقع فيه خبراء مواصلة التضخم الارتفاع ووصوله بنهاية العام إلى 18%، خاصة مع اتجاه الحكومة المصرية لخفض دعم الخبز ورفع أسعار الوقود.
واقتربت معدلات التضخم من أعلى مستوى بلغته في القرن الحالي، والتي ارتفعت إلى 15.7%، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بعد تنفيذ قرار تعويم العملة عام 2016، والتي أدت إلى فقدان الجنيه نحو 60% من قيمته، وموجات غلاء حادة، مع تراجع القوة الشرائية للمستهلكين.
وكشف تقرير جهاز التعبئة العامة والإحصاء في مصر، الصادر اليوم الإثنين، عن تخطي معدلات التضخم للأرقام التي توقعها البنك المركزي ووزارة التخطيط، التي استهدفت أن يكون في حدود 7%، مع احتمالية صعوده أو هبوطه درجتين.
بل إن أرقام البنك المركزي أظهرت اليوم أيضا، أن التضخم الأساسي وصل إلى 17.996% في سبتمبر على أساس سنوي مقارنة بنسبة 16.7 في أغسطس/آب.
وأظهرت إحصاءات جهاز التعبئة أن المعدل القياسي الجديد للتضخم يفوق معدل التضخم القياسي الذي سجل 1976، حيث بلغ 13.3%، والذي تبعته مظاهرات الخبز، بعد ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
وجاءت الزيادة في معدلات التضخم مدفوعة بارتفاع معظم منتجات السلة الغذائية والخدمات التي يحدد جهاز المحاسبات على أساسها أسعار المستهلكين، وتراجع قيمة الجنيه، الذي فقد 25% من قيمته مقابل الدولار والعملات الحرة، واستمرار قيود الاستيراد للسلع ومستلزمات الإنتاج، وعدم اليقين الجيوسياسي الذي تشهده الأسواق مع استمرار الحرب في أوكرانيا.
وبلغ الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، على أساس شهري بأنحاء البلاد، 133.8 نقطة، بارتفاع 1.6% عن أغسطس الماضي، مع ارتفاع أسعار الدواجن والألبان، والجبن والبيض والخضروات والدخان والوجبات الجاهزة، والمعدات الطبية وخدمات المستشفيات.
وجاء التغيير الشهري لشهر سبتمبر مسجلا زيادة تقترب من ضعف معدلات الأسعار، مقارنة بنظيره العام الماضي، حيث بلغ 15.3%، مقابل 8% عام 2021.
اتجاه لخفض دعم الخبز
وقال رئيس شعبة المخابز باتحاد الغرف التجارية في مصر، عطية حماد، لـ"العربي الجديد"، إن "الأسواق تشهد ارتفاعا في مدخلات صناعة الخبز منذ 4 سنوات، بمعدلات متتالية، مع زيادة تكلفة الخامات، والعمالة والوقود، ثم اندلاع الحرب الروسية، التي رفعت أسعار الحبوب، وبخاصة القمح، الذي تستورد الحكومة معظم احتياجاتها من الخارج".
وأوضح رئيس شعبة المخابز باتحاد الغرف التجارية في مصر أن "الحكومة ما زالت هي المسؤول الأول عن تحديد أسعار الخبز، سواء المدعوم أو الحر، رغم ارتفاع التكلفة على المنتجين".
ونفى حماد علمه بأية أنباء عما تقدمت به الحكومة للبرلمان أمس بطلب لإعادة توزيع الخبز، مستهدفة خفض الدعم المقرر سنويا للخبز الذي توزعه عبر بطاقات التموين على المواطنين.
وتقدم وزير التموين المصري علي المصيلحي بطلب لمجلس النواب، يدعوه إلى تشكيل لجنة مشتركة من النواب والمسؤولين بالحكومة، للنظر في "إعادة إصلاح منظومة الخبر المدعم في البلاد".
وقال الوزير المصري في اجتماع للجنة الزراعة بالمجلس، مساء أول أمس، إنه يسعى لخفض واردات القمح وتخفيف الضغط عن الموازنة العامة للدولة وتوفير العملات الأجنبية، والتأكد من أن الدعم يصل إلى مستحقيه.
أشار برلمانيون إلى أن الوزير يعمل على خفض عدد المستفيدين من الخبز المدعم، البالغ عددهم نحو 60 مليون فرد، مع تعرض الحكومة لنقص حاد في العملة الصعبة، جعلتها غير قادرة على توفير قيمة القمح المستورد من الخارج.
وأكد نائب في مجلس النواب المصري، لـ"العربي الجديد"، طالبا عدم ذكر اسمه، أن الوزير طلب أن يتحول الدعم العيني إلى نقدي يوزع على المواطنين المستحقين للخبز المدعوم، مستهدفا الأسر الأكثر احتياجا، والتي يحصل بعضها حاليا على أقساط شهرية، بمشروع "تكافل وكرامة" المدعوم من الاتحاد الأوربي والدول المانحة.
وقال رئيس لجنة الزراعة في البرلمان المصري، النائب هشام الحصري، في تصريحات صحافية: "إن اعتماد برامج دعم الغذاء والطاقة الذي يفيد جميع السكان يكلف 13.2 مرة أكثر من السماح بزيادة الأسعار ودعم أفقر 10% فقط من السكان بمساعدات نقدية".
وتظهر تصريحات رئيس لجنة الزراعة وجود اتجاه موحد بين الحكومة ومجلس النواب للتخلص من الدعم العيني لرغيف الخبز في المرحلة المقبلة، بما يخالف التعليمات الرئاسية التي تخشى من تسبب رفع الدعم في حدوث اضطرابات اجتماعية، تؤثر على استقرار الحكم، في ظل تراجع قيمة الدخول وتدهور الجنيه، والغلاء المتزايد شهريا.
ويأتي تحالف الحكومة والنواب في سياسات الدعم متوافقا مع مطالب صندوق النقد الذي دعا الحكومة إلى اتخاد خطوات حاسمة تتعلق برفع الدعم عن الخبز والوقود، وعدم التحكم الإداري في سعر العملة، وتحقيق إصلاحات مالية وهيكلية، وإبعاد الأجهزة العسكرية والأمنية عن إدارة الأنشطة الاقتصادية.
واشترط الصندوق وضع تلك السياسات في خطط واضحة، قبل الموافقة على منح مصر قروضا جديدة.
وكانت الحكومة قد تقدمت للحصول على دعم عاجل من صندوق النقد، لمواجهة الزيادة في الأسعار العالمية للسلع الاستراتيجية، بعد تأثير تداعيات الحرب سلبيا وبشدة على الاقتصاد، وأجل الصندوق حسم المفاوضات إلى ما بعد اجتماعاته، التي بدأت أمس، وينتظر أن تنتهي الشهر المقبل.
توقعات برفع أسعار الوقود
وتخطط الحكومة لرفع أسعار الوقود للربع السابع على التوالي، عندما تجتمع لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، التي لم تحدد موعد اجتماعها الدوري ربع السنوي، الذي يعقد عادة بنهاية الأسبوع الأول من الشهر.
وبلغت نسبة الزيادة في أسعار الوقود 28% عما كانت عليه منذ عام ونصف العام.
ووضعت الحكومة في موازنة العام 2022-2023 توقعات بأن يكون سعر برميل البترول في حدود 90 دولارا بالمتوسط، حتى نهاية يونيو/حزيران المقبل، بزيادة 20 دولارا عن المخصصات التي رصدتها لدعم الوقود في العام الماضي، بما يعني أنها ستتجه إلى رفع الأسعار، طول الفترة المقبلة.
ويرى عمرو عصفور، عضو الشعبة العامة بالغرف التجارية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه رغم هبوط أسعار السلع الغذائية والقمح والحبوب في أنحاء العالم منذ 3 أشهر عالميا، فإن الزيادة في الأسعار التي تشهدها الأسواق ترجع عالميا إلى ارتفاع تكلفة الشحن والتأمين، وعدم اليقين مع استمرار الحرب، بينما تأتي القيود المشددة على استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج، وعدم حصول الموردين على الدولار للإفراج عن بضائعهم الموجودة في الموانئ، لتدفع التجار والمصانع إلى تحميل الزيادة في تكلفة التشغيل إلى أسعار كافة السلع والخدمات المقدمة للجمهور.
ويتوقع خبراء استمرار زيادة معدلات التضخم الشهري في المرحلة المقبلة ليتراوح ما بين 17% إلى 18%، بنهاية العام الحالي، مدفوعا بارتفاع تكاليف الإنتاج، مع زيادة ارتفاع أسعار المواد الخام والوقود، وتراجع قيمة الجنيه، ليصل إلى نحو 23 جنيها مقابل الدولار بنهاية العام الحالي.
ويؤكد اقتصاديون أن الاقتصاد المصري تقوده سياسات حكومية مضطربة، تؤدي إلى تآكل نفوذ مصر الإقليمي، مع إصرارها منذ 9 سنوات على التحكم الواسع في إدارة الاقتصاد عبر مؤسسات أمنية وشبكة ضيقة من رجال الأعمال، بالتزامن مع إغلاق المجال السياسي العام، ما يحول دون مشاركة المصريين في مواجهة شبح الانهيار.