مصر... طوابير على الأدوية وسط حرب تكسير عظام

16 يوليو 2024
ارتفاع حاد في تكلفة العلاج الحكومي والخاص (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **أزمة الأدوية في مصر:** تشهد مصر أزمة حادة في سوق الأدوية بسبب ارتفاع سعر الدولار وتوقف العمل في العديد من المصانع، مما أدى إلى تسريح بعض العمالة.

- **معاناة المواطنين:** يعاني المواطنون من ندرة الأدوية وارتفاع أسعارها، مما يعرض حياة الملايين للخطر، خاصة مع نقص الأدوية الحيوية مثل الأنسولين.

- **تدخلات حكومية وتحديات مستقبلية:** الحكومة رفعت أسعار الأدوية بنسبة تصل إلى 100% لضمان توفرها، لكن السوق السوداء زادت من تعقيد الوضع، ويتوقع استمرار الأزمة لشهرين.

 

وسط ارتفاع حاد في أسعار الأدوية وشح وجوده في الأسواق، تشهد الأسواق امصرية حرب تكسير العظام بين الحكومة ومصانع إنتاج الأدوية المحلية والمستوردة وتسويقها.

تتجه الحكومة إلى بناء عدة مصانع لإنتاج خامات الدواء، بمدينة السلام شرق العاصمة، تتولى تدبير الخامات للمصانع التي توافق على إنتاج الأدوية اللازمة للمستشفيات العامة والتابعة للتأمين الصحي والجامعات والجيش والشرطة، بينما تسابقها شركات القطاع الخاص والأجنبي، في الاستحواذ على نوعية الأدوية المطروحة في السوق، والهيمنة على النوعيات الأكثر طلباً في الأسواق. لجأت بعض شركات الأدوية إلى تسريح جزء من العمالة التابعين لها، للحد من نفقات التشغيل.

تأتي المنافسة بين الطرفين بينما تشهد الأسواق ارتفاعاً حاداً في أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية، مدفوعة بارتفاع سعر الدولار وتوقف العمل في أغلب المصانع، وعدم قدرة الجهات الحكومية السيطرة على سوق تقدر مبيعاتها بنحو 122 مليار جنيه سنوياً.
سبّب خروج الشركات الحكومية من 97% من حصة صناعة الدواء، على مدار السنوات الماضية، إطلاق يد المصانع والموزعين، في رفع أسعار أدوية تشمل 17 ألف صنف، تزداد حدتها مع تراجع قيمة الجنيه، وسط اختلال سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار العالمية.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

تلقي الحكومة والمصانع بأزماتها في وجه المستهلكين المحاصرين بين ندرة الدواء وارتفاع الأسعار، واختفاء الأدوية من المستشفيات العامة والتابعة للدولة.


طوابير على الأدوية في المستشفيات

يتدفق ملايين المصريين يومياً للوقوف في طوابير الكشف بالمستشفيات الكبرى في المحافظات، أملاً في الحصول على الأدوية غير الموجودة في الصيدليات والتي يقررها الأطباء.

بعضهم يأتي بتوصية خاصة من الأطباء الذين يتعاملون معهم بعياداتهم الخاصة، لكنّ نقص الأدوية أزمة تواجه الجميع.
على أعتاب مكتب التأمين الصحي بمدينة الجيزة غرب العاصمة- المجاور لمكتب المحافظ، يصطف المرضى من كبار السن والسيدات والرجال والأطفال، قبل طلوع الشمس، لتسجيل أسمائهم في جدول الحضور، لضمان الحصول على فرصة للكشف المجاني وصرف الأدوية. تندب السيدة السبعينية نعيمة عبد الرحيم حظها وصولها المتأخر، بما يضعها في ذيل كشف المرضى الذين يضطرون إلى الوقوف لساعات في طوابير العلاج، تحت لهيب شمس يوليو الحارقة.
تخشى السيدة أن ينتهي دواء الأنسولين من خزينة صيدلية التأمين الصحي، قبل وصولها إلى الطبيب المختص. تقول السيدة لـ"العربي الجديد" إن الدواء لم يعد متوفراً في الأسواق، وإذا وجدته فإنّ سعره ارتفع إلى الضعف، من 500 إلى 1000 جنيه دفعة واحدة.
على المقعد المجاور تتمتم شابة تحمل طفلاً رضيعاً، تنتظر معها للحصول على جرعة الأنسولين من التأمين الصحي، بعد أن تعذر الحصول عليه بسعر مقبول من الصيدليات. تشير الأم الشابة إلى أن تكلفة دواء الطفل المصاب بالسكر منذ ولادته، تصل إلى 5 آلاف شهرياً، بالأسعار الجديدة، مشيرة إلى أن هذه التكلفة لا تزيد عن 500 جنيه (الدولار = نحو 48 جنيهاً) عن طريق التأمين الصحي، مع ذلك فإن التأمين غير قادر على توفير الحصة الشهرية المقررة من أطباء المكتب والموصى بها في تقارير رسمية.
في مقابلة مع الطبيب المختص، الذي يرفض ذكر اسمه لأنه غير مخول بإصدار تصريحات صحافية، يؤكد أن ارتفاع أسعار الأدوية، جعل المستشفيات العامة والحكومية غير قادرة على الوفاء باحتياجات المرضى، بما يزيد من حالات التكدس الشديد يومياً.
يشير الطبيب إلى أن شركات الأدوية تمارس ضغوطاً على الحكومة لرفع أسعار الأدوية بمعدلات كبيرة رغم المكاسب الهائلة التي تحققها، من صناعة تعد الأعلى ربحية عالمياً، منوهاً إلى الدعم الذي تقرره الحكومة لتوفير الدواء للمواطنين أصبح غير كاف، في ظل تزايد أعداد المرضى وتراجع الدخل، وتوجه الدولة إلى تقليص أعداد المستشفيات العامة، وإسناد إدارتها وتشغليها إلى القطاع الخاص، بدلاً من التوسع في مشروع التأمين الصحي الشامل على مستوى البلاد، المعطل تعميمه منذ أربع سنوات.

يؤكد الطبيب أنه مخول بكتابة تقارير بعلاج أي مريض، وصرف الأدوية اللازمة له، على نفقة الدولة أو مستشفيات التأمين العامة، مستدركاً بأن العقبة التي تواجه المرضى، عدم توافر الدواء، ليظل القرار المالي غير ذي قيمة لحين وصول الأدوية من مخازن الشركات والموزعين.
تعرض الأدوية الناقصة حياة الملايين للخطر، وتصيب الأدوية المختفية من المستشفيات العامة والتأمين الصحي المواطنين بصدمة، عدم القدرة على شراء بديل لها من الصيدليات الخاصة، مع حاجتهم الماسة إلى مواجهة المشكلات الصحية خاصة المزمنة.

تعطيل مصانع الأدوية

أدى تعطيل العمل في مصانع الأدوية إلى شح هائل بأدوية التخدير والإفاقة والسكر والأمراض المعدية والمناعية والغدد، وضمور العضلات وتخثر الدم ودعامات القلب، وصعوبة الحصول على المستلزمات الطبية التي تشمل شرائح ومسامير إصلاح الكسور والعظام ومعدات الجراحة وتشغيل أجهزة المسح الذري والإشعاعي، والقفازات المعقمة وأجهزة الحماية الشخصية بغرف الطوارئ، والمقاعد المتحركة والأطراف الصناعية.
تحول شراء الدواء بالحبة والحبتين إلى ظاهرة، بعد أشهر من توزيع الدواء في الصيدليات، بالشريط بدلاً من العلبة الكاملة، خاصة الأدوية المستوردة مرتفعة الثمن. يعتبر صيادلة تلك الوسيلة مفيدة للمرضى الباحثين عن فرصة للعلاج الطارئ، تناسب دخولهم في الوقت نفسه.
يشير صيادلة لـ"العربي الجديد" إلى أن تصاعد أزمة الدواء وشحه في الأسواق، يجب أن تنتهي بسرعة، بعد أن تحركت عجلة الإنتاج في الشركات وموافقة الحكومة على رفع أسعار الأدوية المحلية والمستوردة، وتدبير الدولار لشراء مستلزمات الإنتاج وفقاً لسعر الصرف السائد.
حدثت زيادة هائلة في أسعار الأدوية في مقابل وعد أطلقه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أمام البرلمان الأسبوع الماضي، بأن يكون "تحريك الأسعار بنسبة مقبولة للأدوية ومحسوبة بدقة، تراعي تكلفة الإنتاج في الشركات وضمان توافر الدواء". يقول مدبولي إن سعر الدواء المصري ما زال الأرخص عالمياً، متجاهلاً تدني مستوى الدخل، وتراجع قيمته مع التدهور المستمر بقيمة الجنيه مقابل العملات الحرة، إذ بلغ سعر الدولار نحو 48 جنيهاً عام 2024، مقابل 17.7 جنيهاً مع توليه الوزارة لأول مرة في يونيو 2018.

تأتي تراجعات الحكومة وسط شح شديد في كميات الأدوية المطروحة في الصيدليات والمستشفيات العامة، يتوقع أن تستمر لمدة شهرين لحين اكتمال مراحل التصنيع والتوزيع التي تجري بين شبكات الإنتاج والتسويق و80 ألف صيدلية منتشرة في أنحاء البلاد.


سوق سوداء لبعض الأصناف

أقر رئيس لجنة التصنيع في نقابة الصيادلة، محفوظ رمزي، في تصريحات صحافية بموافقة الحكومة على زيادة أسعار المنتجات الدوائية حتى تتناسب مع التكلفة الجديدة للمنتجات، التي توقف العديد من المصانع وشركات الأدوية، خلال الفترة الماضية بعد تحرير سعر الصرف، منوهاً إلى وجود قرارات رسمية تسمح بزيادة أسعار الدواء في حالة زيادة سعر الصرف للدولار أمام الجنيه، بنسبة 15%، بينما قفز الدولار بنحو 54% دفعة واحدة في 6 مارس/ آذار الماضي.
ألقى رمزي بمسؤولية عدم توافر الأدوية وظهور سوق سوداء لبعض الأصناف لتباع بنحو 70 ضعفاً عن قيمتها الرسمية، على الحكومة التي تأخرت في منح الشركات الدولار اللازم للشراء، بسعر الرسمي قبل 6 مارس، عند 31 جنيهاً، بينما بلغ 70 جنيهاً في السوق السوداء.
أكد رمزي انفراد "العربي الجديد" الذي نشرته نهاية يونيو/ حزيران 2024، حول موافقة الحكومة على رفع أسعار 1200 صنف دواء محلي ومستورد، بنسبة تتراوح ما بين 80% - 100%، مقابل التزام المصنعين والمستوردين بتوفر الدواء في الأسواق، قائلاً في تصريحاته، إنّ 175 مصنعاً و1500 شركة تتولى التصنيع للأدوية لدى الغير، يمثلون جميع الشركات والمصانع المحلية، حصلوا على الموافقات الخاصة من هيئة الدواء بزيادة أسعار منتجاتهم الشهر الماضي.
وفقاً لرئيس لجنة التصنيع في نقابة الصيادلة، بلغت الزيادة في أسعار الأدوية المزمنة والطارئة الحادة الشائعة بين المصريين كالسكر والقلب والضغط والفشل الكلوي، ما بين 25% و40%، وأنّ الحكومة وافقت على رفع 20% فقط من الأصناف المطلوب زيادتها، مع وجود موافقة على رفع باقي الأصناف تدريجياً خلال الفترة المقبلة.
في جولة ميدانية لـ"العربي الجديد" رصدت ارتفاعاً في أسعار دواء " كلافيموكس" لعلاج الانسداد الرئوي من 89.5 جنيهاً إلى 130 جنيهاً، للـ24 حبة، و"أبيسفين" غرام واحد لعلاج العدوى البكتيرية من 45 إلى 47 جنيهاً، كما ارتفع غيرها من الأدوية.
تقدر لجنة الصحة في مجلس النواب، نسبة الزيادة في أسعار الأدوية ما بين 70% و200%، عن الأسعار الرسمية المنفذة خلال عامي 2022 و2023.

المساهمون