ربما "دبلوماسية الباب الخلفي" هو التعبير الأقرب، لحفاظ تركيا ومصر على علاقاتهما الاقتصادية، رغم التوتر السياسي بين البلدين، منذ الانقلاب على الرئيس المنتخب، محمد مرسي منتصف عام 2013، وإلا، من يبرر تنامي الاستثمارات وزيادة حجم التبادل التجاري، رغم ملامح التصعيد، الذي وصل قبل أشهر، جراء تحالفات غاز شرقي المتوسط والملف الليبي، حدود المواجهة والاصطدام.
بيد أن أحداثاً وتطورات، وربما تغيير سياسة تركيا الخارجية ونهجها الاقتصادي الجديد، تضع العلاقات على سكة جديدة، بعد الذي قيل، عن "انشقاق مصر عن التحالف المعادي لتركيا" وزيادة التوقعات بتوقيع اتفاقية بين مصر وتركيا، لترسيم الحدود البحرية، تليها إعادة النظر باتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين، عام 2005 والتي دخلت حيز التطبيق عام 2007.
إن قفزنا على السياسة المتحولة وتقلباتها، وآثار الإدارة الأميركية الجديدة باحتمالات إعادة رسم خرائط وتحالفات جديدة، أو دور المصالحة الخليجية بالتقارب المتوقع بين أنقرة والقاهرة، أو حتى ما يمكن أن يحدث من مقايضات ومفاجآت، خاصة بعد "الجنون اليوناني" ووصف مصر بالغادرة ومراعاتها لحدود الجرف القاري لتركيا "حدود الرقعة رقم 18" ب"اللعبة الخبيثة" لنتوقف عند الثابت، وهو مصالح البلدين وحقوق شعبيهما، والذي، بحسب الأرقام والوقائع الاقتصادية منذ ما بعد حكم العسكر بمصر، لم تتبدل إن لم نقل أنها زادت ودخلت مجالات لا تحدث إلا بين الحلفاء، كزيادة الاستثمارات التركية بمصر، وتنامي حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 5 مليار دولار.
إذاً، عرفت تركيا، بالاعتماد على التبدلات بالمنطقة، كيف تكسر جليد العلاقات وتسحب فتيل التوتر مع مصر، إن عبر التلميح لتقديم المساعدة بملف سد النهضة المؤرق للقاهرة، نظراً لعمق العلاقات التركية الأثيوبية ووزنها الاقتصادي بأديس أبابا، أو بالتصريح عن أثر ودور تحسين العلاقات الاقتصادية، بإخراج نظام السيسي من أزمته الاقتصادية وتنامي الديون الخارجية.
لترمي أنقرة الكرة بالملعب المصري الذي لم يزل يرى بالعلاقات مع أنقرة" ملف حساس وشائك للغاية"، ليقارن نظام السيسي بين مصالح بلاده الداخلية والهوى الجديد الذي ربما يهب قريباً بين السعودية وتركيا، وبين رغبة التوتير الإماراتية أو ضغط من تعتبرهم مصر، شركاء استراتيجيين، إن بأثينا أو باريس وروما.
على الأرجح، أن تحسين العلاقات بين أكبر دولتين بالمنطقة، سيحمل بشائر أمل بواقع الاحباط والتشرذم الذي بات سمة منطقة الشرق الأوسط، بعد الثورات المضادة التي واجهت أحلام شباب الربيع العربي.
حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا يتجاوز 5 مليارات دولار سنويا رغم تنامي الخلافات السياسية
فالنظر للتقارب التركي المصري، ربما يتعدى كون مصر بوابة تركيا إلى أفريقيا، أو أنها سوق لتصريف البضائع يضم زهاء 100 مليون مستهلك، كما تزيد آمال مصر عن نقل التجربة والتكنولوجيا و5 مليارات دولار، استثمارات تركية مباشرة ونيف و4 آلاف من رجال الأعمال، آثروا البقاء بمصر رغم توتر العلاقات خلال السنوات الثماني الماضية.
لأن استمرار التوتر يعني استنزافاً مستمراً واحتمالات مواجهة. تزداد توقعاتها كلما أرادت الدول الأوروبية، إعاقة المشروع التركي أو رأت إسرائيل والإمارات، خطراً تركياً على خطوط نقل الغاز أو استشعرتا بزيادة النفوذ التركي بالمنطقة، خطراً على مشاريعهما التطبيعية والتقسيمية.
نهاية القول: الأكيد أن طريق عودة العلاقات التركية المصرية، وإن الاقتصادية فقط، ليس مفروشاً بالورود والسجاد الأحمر، فالقضية تتعلق باستقلالية القرار وتغليب المصالح الوطنية واحتياجات الشعوب، وربما استعداد القاهرة مواجهة عقابيل سوء العلاقات مع دول أوروبية تتقدمها فرنسا واليونان، أو ضغط من تل أبيب وعلى مستويات عدة، رغم محاولات إسرائيل الخروج بمظهر التوفيقية، ومسارعة وزير طاقتها لإعلان استعداد بلاده التعاون مع تركيا وأمله بانضمام أنقرة لمنتدى غاز الشرق الأوسط.