مناجم الذهب الجزائرية: ثروة بمليارات الدولارات خارج الاستغلال

21 سبتمبر 2024
محال ذهب في العاصمة الجزائرية، 31 أكتوبر 2022 (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من الاحتياطات الجزائرية الضخمة في مناجم الذهب الخام، إلا أنها تظل حبيسة تحت الأرض، بعيدة عن استغلالها من الناحية الاقتصادية لصالح البلاد، تارةً جراء ضعف الإمكانيات والاعتماد حصراً على طرق بدائية وتقليدية في التنقيب والاستخراج، وتارةً أخرى على خلفية غياب الأطر التنظيمية والقانونية... معادلة كثيراً ما فتحت المجال لممارسات من أطراف استغلت هذه الثروة الطبيعية بطرق غير شرعية.

وضمن مقاربة سعت من خلالها الحكومة الجزائرية إلى تقنين استغلال هذه الثروة، شرعت في مرحلة سابقة تحت إشراف وزارة الطاقة والمناجم بفتح المجال للمتعاملين الوطنيين للتنقيب واستخراج هذا المعدن النفيس، من خلال مجموعة مزايدات وطنية تُفتح دورياً، تُقسم من خلالها مساحات تُمنح لمتعاملين قصد التنقيب عن الذهب في جنوب البلاد، وفقاً لشروط تقنية حددتها لجان مختصة ضمن دفاتر الأعباء الخاصة بهذا النشاط.

ويقول المطّلعون على هذا الملف إنه بالرغم من هذه الخطوات العملية، إلا أن استغلال هذا المورد يبقى بعيداً عن الأهداف المرجوة، وأبعد عن تفعيل دوره في المساهمة بالاقتصاد الوطني، في وقت تصرّ فيه الحكومة، خلافاً للتصريحات ذات الأبعاد السياسية، على الاعتماد على المحروقات وما تدره آبار النفط على الخزينة لتمويل وتغطية النفقات العمومية.

صفقات التنقيب في مناجم الذهب

آخر الصفقات التي فتحتها وزارة الطاقة والمناجم فازت بها ست شركات جزائرية في نهاية إبريل/نيسان 2022، لفترة تستمر ثلاث سنوات قابلة للتجديد، باعتبار أن الشركات المعنية قدمت أفضل العروض المالية، في المزايدة الخاصة بالاستكشاف الصناعي للذهب على مستوى تسعة مواقع، سبعة منها في ولاية تمنراست وموقعان في ولاية تندوف. وقد تسلمت اللجنة المختصة في الوكالة الوطنية للنشاطات المنجمية 79 ظرفاً، قُبل منها 64 عرضاً في مرحلة العروض التقنية، بينما قدر المبلغ الإجمالي للعروض المالية المقدمة بنحو 747 مليون دينار (5.59 ملايين دولار).

ومن الناحية الإجرائية، فإن القانون الساري العمل به يمنح الشركة الفائزة بكل موقع مدة ثلاثة أشهر للانسجام مع دفتر الأعباء المتعلق بالنشاط، ثم الانطلاق في عملية الإنجاز في أجل سنة على أقصى تقدير، تبدأ من تاريخ منح الترخيص، بينما تصل عقود الاستغلال في حالة اكتشاف موارد منجمية من الذهب إلى ثلاث سنوات قابلة للتجديد.

وقال الخبير في الشأن الاقتصادي، عبد اللطيف بلغرسة، إن الجزائر تمتلك مخزون معادن ثمينة كبيراً وعلى رأسه الذهب، ما أهلها لتتصدر قائمة الترتيب في أفريقيا من حيث قيمة احتياطي الذهب، والذي قدر حسب إحصائيات "المنظمة العالمية للذهب" بـ173.6 طناً، كما أن الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عربياً.

وذكر المتحدث، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن اتجاه الحكومة الجزائرية إلى استغلال هذه الثروة عن طريق وضع استراتيجية وطنية لاستثمار مناجم الذهب "يعتبر خطوة إيجابية تصب في التوجه العام للحكومة والمتمثل في إيجاد مصادر دخل بديلة عن المحروقات، على الرغم من أن الجهود المبذولة في هذا الإطار تستدعي التطوير".

وأشار الدكتور بلغرسة إلى الإمكانيات المعتبرة من مخزون الذهب الخام في منجم الذهب "أمسمسا"، الواقع على بُعد 460 كيلومتراً غرب ولاية تمنراست، والذي اكتُشِف وطُوِّر بواسطة شركة "جي أم أيروسورس"، الأكثر إنتاجاً للذهب في الجزائر، حيث تبلغ ودائع الذهب فيه قرابة 70 طناً، ويبلغ حجم الاحتياطات فيه نحو 3.38 ملايين طن.

وذكر في السياق منجم "تيراك" الذي تبلغ الاحتياطيات به 730 ألف طن، إضافة إلى احتياطيات منجم "تيريرين" الواقع على بُعد 450 كيلومتراً شرق ولاية تمنراست، التي تصل احتياطاته إلى قرابة 100 ألف طن، وتُقَدر الاحتياطيات بمنجم "أبيجاي" بقرابة ثلاثة ملايين طن.

وإجمالاً، تملك الجزائر، كما أضاف، مخزوناً كبيراً من الذهب، قدر بـ200 طن، قادر على خلق ثروة صافية بقيمة عشرة مليارات دولار، لكن المشكلة الهيكلية هي تدني نسبة الإنتاج السنوي مما جعل الجزائر تخسر أرباحاً فائتة كبيرة.

تحديات تثمين الذهب الخام

وأكد الخبير الاقتصادي بلغرسة أن تثمين هذا المخزون وضمان الاستغلال الأمثل له لا يتعلق باستخراج خام الذهب من باطن الأرض فحسب، بل يتطلب قدراً كبيراً من التخطيط والدراسة قبل بدء عمليات التنقيب. فقبل الحصول فعلياً على بعض الذهب المكرر، يجب البدء بعملية الاستكشاف والتطوير لتحديد حجم رواسب الذهب الموجودة وكيفية استخراجها بأمان.

وقال: "عادة ما تستغرق هذه المرحلة ما بين عشرة إلى 20 عاماً، وبمجرد التأكد من حجم رواسب الذهب يمكن أن تبدأ مرحلة التنقيب عنه، بمعنى أن صعوبة العملية وطول مدتها يتطلبان وضع خطة محكمة ومتناسبة مع خصائص العملية".

ومن الناحية المقابلة، تفرض هذه العملية "حزمة من القوانين المنظمة لهذا النشاط، وهو ما قامت به الجزائر مؤخراً ضمن مساعي تنظيم وتثمين النشاطات المنجمية. على أنه من الضروري، كما يضيف بلغرسة، إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام في عملية الاستغلال، خاصة المؤسسات الصغيرة التي يمتلكها الشباب.

واقترح لتطوير الطرق المستعملة للتنقيب والاستخراج التعاقد مع المؤسسات العالمية المتطورة والخبيرة في هذا المجال من خلال اقتسام الحصص المستخرجة عبر التعاقد من الباطن، إضافة إلى تفعيل دور تمويل البنوك لاقتناء التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في هذا المجال لصالح المؤسسات الشبابية والتعاونيات الحرفية.

ممارسات النهب مستمرة

وشدد بلغرسة، في موازاة ذلك، على محاربة عمليات التنقيب غير القانونية، من خلال تكثيف عمليات المراقبة لحماية الثروة المنجمية غير المتجددة التي تتعرض للنهب المنظم، ودعا إلى اتخاذ إجراءات ميدانية عملية أكثر صرامة ضد المخالفين، مقابل فتح المجال للمزيد من التعاونيات والشركات المصغرة للاستثمار في نشاط الاستغلال الحرفي المقنن.

فالملاحظ، يقول عبد اللطيف بلغرسة، أنه رغم تقنين النشاط وإغراءات الحكومة، إلا أن سرقة هذه الموارد عبر ممارسات تتعلق بالتنقيب غير الشرعي عن الذهب تتواصل في الجزائر بل ازدادت، ولطالما تضمنت حصيلة مفارز الجيش الوطني الشعبي، الأسبوعية والشهرية، عمليات وأرقاماً عن مكافحة التنقيب غير المشروع عن الذهب في الجنوب.

واستدل بحصيلة في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023 تمكنت فيها مفارز للجيش الوطني الشعبي من توقيف 312 شخصاً ينشطون في مجال التنقيب غير المشروع عن الذهب، بكل من تمنراست، برج باجي مختار، وجانت. وأضاف: "يمكن القضاء على هذه الظاهرة عبر تشجيع الاستغلال القانوني والضرب بيد من حديد على المنقبين غير الشرعيين، بداية من عملية التنقيب ونهاية بعملية البيع".

المساهمون