سلطت المنصة الإلكترونية التي أطلقتها الحكومة الكويتية لإقامة مزادات لبيع السلع الغذائية الأساسية، الضوء على احتياج البلد الخليجي إلى آليات لتعزيز الأمن الغذائي وضبط الأسواق، خاصة بعد تكرار أزمات نقص المعروض من بعض السلع الغذائية في السنوات الماضية، ومنها القمح والبصل والبيض.
وتُمكن المنصة المنتجين المحليين أو المستوردين من بيع منتجاتهم عبر مزادات علنية، بحيث يتم عرض السلع التي يرغبون في بيعها من خلال ذكر اسم المنتج وبلد المنشأ والكمية التي لديه عبر المنصة في الموقع الإلكتروني لوزارة التجارة.
وبذلك ستساهم المنصة في منع التلاعب بالأسعار وكسر الاحتكار والقضاء على السوق السوداء لبيع الخضروات واللحوم والأسماك وتعزيز الشفافية في عمليات البيع والشراء، ومحاصرة المضاربين في أسعار السلع الأساسية، إذ ستكون بمثابة "بورصة موحدة" لعرض السلع والمنتجات الغذائية، حسبما نقلت صحيفة "القبس" المحلية عن مصادر حكومية مطلعة.
وتستورد الكويت ما لا يقل عن 90% من احتياجاتها الغذائية من الخارج، وفقًا لمؤشر الأمن الغذائي العالمي، ما يجعلها عرضة لمخاطر الاستيراد، خاصة بعد ظهور عقبات تواجه الإمدادات العالمية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي أثر سلبا على توفر بعض المنتجات الغذائية في الأسواق خلال العامين الماضيين، وساهم في ظهور بعض ممارسات الاستغلال والاحتكار.
فالإعلان عن إطلاق منصة الخضروات واللحوم في الدولة جاء بعدما كشف جهاز حماية المنافسة أن ممارسات الاستغلال امتدت حتى للجمعيات التعاونية، معلنا تغريم 12 جمعية بخصم 5% من إيراداتها، التي حققتها خلال السنة المالية السابقة، بسبب تحكّمها في عرض وبيع البيض الطازج.
وأشار الجهاز، في بيان أصدره في 30 مارس الماضي، إلى أن الجمعيات المغرمة أساءت وضعها المهيمن بالتحكم في خدمة عرض وبيع البيض الطازج في أسواقها، مشيراً إلى أنها ألزمت الشركات بتزويد الجمعية بالبيض المجاني لإتمام عملية الشراء والتوريد منها وإقصائها في حالة الرفض.
ويرى الخبير الاقتصادي الكويتي، عبدالله الشامي، أن توصيف المنصة الحكومية الإلكترونية لإقامة مزادات بيع المنتجات الزراعية والمواشي والأسماك، بالبورصة يعد أعلى من مستوى الواقع بصيغة متقدمة للغاية.
ويوضح أستاذ الاقتصاد القياسي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن السوق الكويتية بحاجة إلى "تكوين" وتأسيس ثم إلى "تنظيم"، ولا يمكن تحقيق التكوين إلا بوجود منظومة تعليمية تخرج الكوادر المتخصصة في الإنتاج الزراعي والحيواني أولا، وهو ما تفتقده منظومة التعليم الكويتية إلى اليوم.
أما التنظيم فيكون من خلال قواعد وآليات العمل بالسوق، وهو ما يمكن إطلاق وصف "بورصة" عليه في المستقبل.
وأشار إلى أن العشوائية هي سمة حالة السوق الراهنة بالكويت، وهي نتاج عدم التأسيس على أسس علمية، وعدم وفرة الكوادر المتخصصة الضامنة لتنظيم آليات السوق بالأساس.
لكن الشامي، مع ذلك، ينوه إلى أهمية إطلاق المنصة الإلكترونية الحكومية، كخطوة على طريق عملية تكوين السوق، لافتا إلى ضرورة أن يكون هذا التكوين على أسس علمية، وليس مجرد إنشاء أطر وآليات بشكل عشوائي.
وفي السياق، يرى المحلل الاقتصادي الكويتي، علي العنزي، أن منصة الخضروات واللحوم من شأنها تحفيز المزارعين والمنتجين على زيادة إنتاجهم في ضوء وجود آلية تضمن لهم شفافية وعدالة المنافسة، مشيرا، في تصريحات للعربي الجديد، إلى أن أهم عقبة واجهتهم، خلال الفترة الماضية، هي الربط بنقاط البيع والتصريف، ما أدى إلى وجود معروض بالأسواق دون قنوات لبيعه أحيانا، وبالتالي تنخفض أسعار السلع بشكل مجحف بهم.
وإزاء خيبة الأمل والإحباط جراء هذا الوضع، خرج كثير من المزارعين والمنتجين من السوق، وحولوا مزارعهم إلى "استراحات خاصة"، حسبما يؤكد العنزي، مشيرا إلى أن وجود المنصة الإلكترونية للخضروات واللحوم تمثل آلية لحل هذه المشكلة، فضلا عن توفيرها تكاليف بعملية تسويق وتوزيع السلع الغذائية.
ويتوقع العنزي أن تساهم آلية المنصة في زيادة إنتاج الزراعي والحيواني في الكويت، وبالتالي تعزيز الأمن الغذائي، خلال السنوات القادمة، عبر تذليل العقبات التي تواجه المزارعين والمنتجين.
يشار إلى أن الحكومة الكويتية تولي أهمية خاصة بزيادة الإنتاج الزراعي والحيواني، في إطار مستهدفها لضمان الأمن الغذائي، وفي هذا الإطار أنجز مركز أبحاث البيئة والعلوم الحياتية، التابع لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، عام 2020، مشروعاً لـ "تطوير تقنيات ونظم زراعية متكاملة لتعزيز الإنتاج الزراعي المستدام".