استمع إلى الملخص
- يعاني الصيادون من مخاطر كبيرة أثناء الصيد بسبب الاستهداف الإسرائيلي، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق المحلية نتيجة قلة الكميات المتوفرة.
- يواجه المزارعون صعوبات بسبب القصف المستمر، مما أدى إلى تدمير القطاع الزراعي واعتمادهم على تقنيات بدائية، مع ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية.
يناضل أصحاب المهن في قطاع غزة ضد الظروف القاسية التي فرضتها حرب الإبادة والاعتداءات الإسرائيلية، لتوفير قوت أسرهم التي تعاني الويلات، في ظل الظروف القاسية والصعبة والتي تتزايد يوماً بعد يوم، وتلقي بظلالها على مختلف جوانب الحياة المعيشية.
وعلى الرغم من انقطاع معظم العمال عن مهنهم من جراء محاربة الاحتلال مختلف القطاعات الاقتصادية، بما فيها الصناعية والتجارية، عبر تدمير المصانع والمحال التجارية والأسواق، أو الزراعية عبر قصف الأراضي وتجريف المحاصيل وإفساد المواسم، وقطاع الصيد عبر الملاحقة النارية الدائمة، إلا أن أعدادا من العمال يخاطرون من أجل إيجاد مصادر دخل لعوائلهم، متحدّين الخطر وظروف الملاحقة الميدانية المستمرة.
ويسعى العديد من أصحاب المهن الصغيرة ممن يعملون وفق نظام المياومة في المحال التجارية والمطاعم والفنادق والشركات إلى العمل في مهن صغيرة، مثل فتح البسطات أو العمل في محال تجارية ما زالت قادرة على مواصلة أعمالها، للتغلب على أزماتهم الاقتصادية الناتجة عن فقدانهم أو خسارتهم مصادر دخلهم، خاصة في ظل الغلاء الشديد في مختلف مقومات الحياة الأساسية.
مخاطرة الصيادين في غزة
يخاطر الصياد أحمد الأيوبي من خلال خوض بحر مدينة دير البلح لتوفير كفاف أسرته، على الرغم من إغلاق البحر والاستهداف الإسرائيلي للصيادين، من خلال إطلاق الزوارق الحربية بالأعيرة النارية والقذائف بشكل مستمر على مراكبهم، وإصابة أو قتل الصيادين، علاوة على تخريب معداتهم البسيطة.
يقول الأيوبي الذي يعيل أسرة من 5 أفراد لـ"العربي الجديد" إنه توقّف عن الصيد لفترة طويلة بسبب استشهاد اثنين من أفراد عائلته خلال ممارسة عملهم في البحر، فيما لم يجد بُداً من معاودة العمل بفعل انعدام مصادر الدخل وعدم قدرته على توفير مصدر رزق آخر يمكّنه من الإيفاء بمتطلبات أسرته.
ووفق رواية الأيوبي فإنه أجبر على العمل في ظل الظروف الخطرة وغير المستقرة، والتي تشهد إطلاقا كثيفا ومتواصلا للنيران من الزوارق الحربية الإسرائيلية بفعل الحاجة الماسة إلى مصدر دخل، فيما يعمل وفق أبسط الإمكانيات، حيث يضع ضوءا صغيرا على إطار مطاطي مثبت بثقل خلال ساعات الليل لتجميع الأسماك، فيما يتحرك فجراً لصيد الأسماك عبر شباك الجر، مبيناً أن حجم الإرهاق والمخاطرة لا يتوافق مع الدخل البسيط الذي يحصل عليه جراء عملية الصيد.
ويشكو الفلسطينيون من ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق المحلية إلى عشرة أضعاف على الأقل، فيما يقول الصيادون إن الكميات التي تخرج من البحر قليلة للغاية، ويخضع تسويقها لعملية العرض والطلب، إضافة إلى عامل المخاطرة الذي يزيد من سعرها.
مخاوف المزارعين
تتزايد الخطورة عند المزارعين داخل الأراضي التي يتمكنون من الوصول إليها، في ظل استهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية للأراضي الزراعية بشكل يومي، أو عمليات الاجتياح المستمرة والتي لا تخلو من تجريف المساحات الخضراء، التي تقلصت جراء العدوان المتواصل إلى أقل من 10% من المساحة المزروعة قبل الحرب.
يقول المزارع خالد أبوسويلم لـ"العربي الجديد" إنه تعرّض لخسارة كل محصوله منذ بدء الحرب، حيث تعرضت أرضه للقصف ومن ثم إلى التجريف، بما فيها من شجر وأنظمة ري وبذور مجهزة للزراعة، إلى جانب هدم بئر المياه الخاصة بأرضه، كما تعرّض لخسارة مواسم العنب والزيتون والزيت، وغيرها من أصناف الخضار الموسمية وبعض أصناف الفواكه.
وحسب أبوسويلم فإنه لم يتمكن من الوصول إلى أرضه منذ بدء العدوان لإعادة زراعتها، ما اضطره إلى استصلاح قطعة أرض صغيرة داخل منزله وسط مدينة دير البلح لزراعة بعض أصناف الورقيات، مثل النعناع والفجل والبقدونس والجرجير، وذلك لسهولة التعامل معها وبساطة العناية بها، في ظل الأوضاع الصعبة التي لا تمكّنه من زراعة باقي أصناف الخضار ذات التكلفة العالية، بفعل منع دخول مختلف أنواع البذور.
ويشير أبو سويلم إلى محاولته العمل في العديد من المهن الصغيرة خارج اختصاصه الزراعي إلا أنه لم ينجح، ما دفعه إلى معاودة الزراعة بأبسط الإمكانيات، في محاولة لتوفير المتطلبات الأساسية لأسرته، في ظل الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي يتسبب فيها طول أمد العدوان، وتفاقم تلك التداعيات يوماً بعد آخر.
في السياق، يشير الخبير الزراعي نزار الوحيدي إلى المحاولات الحثيثة لبقاء الصيادين والمزارعين على تواصل مع عملهم، في ظل تدمير أكثر من 90% من القطاع الزراعي بشقيه والذي بات "مشلولاً وخارج الخدمة"، بعد أن كان يشكل قرابة 12% من الناتج المحلي الفلسطيني قبل الحرب المدمرة.
ويلفت الوحيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن محاولات بعض الصيادين الدؤوبة للبقاء على تواصل مع البحر، وتوفير مصدر دخل بسيط يعينهم على الأعباء المعيشية في ظل العدوان، تعكس مدى إصرار الصياد الفلسطيني على البقاء في ساحة العمل، على الرغم من الاستهداف الإسرائيلي وإطلاق النار من دون توقف، خاصة بعد تدمير مزارع الأسماك التي اشتهرت بشكل كبير في القطاع، وتوقفت بشكل تام نتيجة عدم توفر مدخلات الإنتاج، مثل أحواض التربية والتسمين والتكاثر والشباك والأدوات والطاقة الكهربائية.
ويشير الوحيدي إلى عودة الصيادين للصيد في ظل الخطر الشديد، وبحدود أقل من واحد كيلومتر من الشاطئ، في ظل استخدام الوسائل البسيطة والبدائية القديمة، مثل شبك الجر والسنارة والتحويط بالشبك على الشاطئ، وهي أدوات لا تكاد ترتقي إلى 1% من تقنيات الصيد المتبعة قبل الحرب.
وإلى جانب ذلك، يلفت إلى المحاولات الحثيثة لبقاء العديد من المزارعين على رأس عملهم في ظل الحرب، على الرغم من الاستهداف الإسرائيلي عبر القصف المباشر والتجريف وتخريب المواسم، والمشاكل الكبيرة التي يعانيها القطاع الزراعي، مشيرا إلى أن محاولة المزارعين العودة إلى دفيئاتهم وبعض الأراضي الزراعية التي يمكن الدخول إليها تأتي في ظل تضاؤل مقومات الإنتاج التي قد تكون معدومة أو متوفرة بأسعار مرتفعة بشكل كبير، إلى جانب أزمة توفير ونقل وضخ المياه في المناطق البعيدة.
النحت في الصخر
يصف الوحيدي المحاولات الحالية بـ"النحت في الصخر"، خاصة فيما يتعلق بتوفير المياه عن طريق لوحات الطاقة الشمسية والأسمدة العضوية، فيما وصل ثمن المبيدات إلى أسعار فلكية، الأمر الذي لا يمكن المزارعين من التوسع لسد احتياجات المواطنين، مبينا أن نسبة تغطية الإنتاج الزراعي لحاجة السوق وفق الآليات المتبعة خلال الحرب لا تتجاوز 20% للخضار، فيما لا تتجاوز نسبة 5% للفواكه.
وكان القطاع الزراعي قبل الحرب يتمتع باكتفاء ذاتي في كل المنتجات الزراعية باستثناء بعض الأصناف المحدودة، بينما كان يضم أكثر من 66 ألف مزارع وعامل يعملون في القطاع الزراعي، فيما لا يتجاوز عددهم خلال الحرب المئات، يمارسون الزراعة غير المنتظمة وغير المستقرة على امتداد القطاع، وفق الوحيدي.
وتتركز المحاولات الزراعية على المحاصيل البلدية التي لا تحتاج إلى استيراد بذور، وهي لا تصل بمجملها إلى 20% من كمية الإنتاج الزراعي قبل العدوان، في الوقت الذي يتم استيراد بعض الخضار والفواكه بطرق صعبة وشروط قاسية ومعقدة، الأمر الذي ساهم في تضاعف أسعار المنتجات الزراعية إلى أكثر من 10 أضعاف، وهي أسعار باتت في غير مقدور المواطن الفلسطيني، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.