استمع إلى الملخص
- الاعتماد على الضرائب والرسوم: تعتمد الدول العربية غير النفطية بشكل كبير على الضرائب والرسوم لمعالجة عجز الموازنة، مما يضع عبئاً إضافياً على المواطنين في دول مثل مصر ولبنان والأردن.
- الإنفاق العسكري وأعباء الدين: تخصص الموازنات جزءاً كبيراً من الإيرادات للإنفاق العسكري وسداد الديون، مما يثير تساؤلات حول ما يتبقى لتحسين مستوى معيشة المواطن.
نظرة إلى معظم موازنات الدول العربية الجديدة لعام 2025، نلحظ أنها أقرب إلى موازنات حروب وديون أو هكذا تُوصف، موازنات سقط فيها المواطن كلية من حساب الأنظمة الحاكمة والحكومات وأولوياتها واهتماماتها، لا موازنات دول تسعى السلطات بها إلى تحقيق الرفاهية للمواطن عبر توفير السلع المعيشية بسعر مناسب، وتقديم الخدمات الأساسية من صحة وتعليم ومواصلات عامة، وتطوير البنية التحتية وغيرها من الخدمات الحياتية، وزيادة الدعم المخصص للسلع الرئيسية.
ليس هذا هو الملمح الوحيد في تلك الموازنات والتي أقرتها الحكومات مؤخرا، بل هناك ملمح ثاني وهو أن معظمها يعاني من عجز مالي حاد رغم زيادة الإيرادات العامة، والذي يقابله سفه الإنفاق العام وجيش المستشارين في الجهاز الإداري للدولة، وهو العجز الذي تعالجه تلك الحكومات عبر وضع يدها في جيب المواطن بشكل لا يتوقف واغتراف ما تبقى منه، أو التوسع الرهيب في الاقتراض الخارجي والمحلي، أو بيع أصول الدولة، أو زيادة الأسعار بشكل متواصل.
من حق الدول أن تهتم بالإنفاق العسكري وتقوية قطاع الأمن والدفاع وحماية أمنها القومي وحدودها، لكن من حق المواطن أن يلقى أيضاً معاملة معيشية أفضل
أما الملمح الثالث في الموازنات العربية، فهو أن الجزء الأكبر من معظم الإيرادات العاملة للدول العربية يأتي من بند رئيسي هو الضرائب والرسوم باستثناء الدول النفطية التي تعتمد على مبيعات النفط والغاز في تمويل تلك الموازنات، ونظرة إلى بنود الموازنة، نجد أن معظم الحكومات باتت تعتمد على الضرائب في تمويل الإيرادات العامة ومعالجة عجز الموازنة، ومع بداية كل عام، يبدأ مارثون فرض مزيد من الضرائب واستحداث رسوم وضرائب وجمارك جديدة، وأجراء زيادات في الضرائب القائمة ومنها القيمة المضافة.
تتساوى في هذا الملمح معظم الدول العربية ومنها مصر ولبنان والأردن والجزائر وتونس والمغرب والسودان وسورية وغيرها.
أما الملمح الرابع، فهو توجيه بعض الموازنات العربية الجزء الأكبر من موارد الدولة لسداد أعباء الدين العام سواء الداخلي أو الخارجي، بل إن إيرادات بعض الدول على مدى عام باتت لا تكفي لتغطية هذا البند وحده، وهنا يأتي السؤال: ماذا يتبقى للمواطن من مخصصات مالية مع مواصلة الحكومات مسلسل الاستدانة رغم مخاطره الشديدة على الأمن الاقتصادي للدولة؟
معظم موازنات 2025 العربية لا تختلف كثيرا عن سابقتها، حيث تخصص جزءا مهما من إيرادات الدولة للإنفاق العسكري، وذلك على حساب الإيرادات الموجهة لخدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم والبحث العلمي، أحدث مثال على ذلك ما كشفت عنه الموازنة السعودية الجديدة، وهي الأضخم والأهم في المنطقة، حيث يتجاوز إجمالي الإيرادات نحو 1.184 تريليون ريال (315.73 مليار دولار)، فحسب الأرقام، تبلغ قيمة النفقات العسكرية بالمملكة، سواء على الأمن أو الدفاع في موازنة العام المقبل، نحو 272 مليار ريال (72.53 مليار دولار).
معظم موازنات 2025 العربية لا تختلف كثيراً عن سابقتها، حيث تخصص جزءاً مهماً من إيرادات الدولة للإنفاق العسكري
وهذا الرقم يزيد عن مخصصات 2022، حيث بلغت قيمة النفقات نحو 228 مليار ريال (60.8 مليار دولار)، بينما بلغت 248 مليار ريال (66.13 مليار دولار) في 2023، ونحو 269 مليار ريال (71.7 مليار دولار) في 2024.
من حق الدول أن تهتم بالإنفاق العسكري وتقوية قطاع الأمن والدفاع وحماية أمنها القومي وحدودها، خاصة في ظل زيادة المخاطر الجيوسياسية والتوترات السياسية في المنطقة، وبما يحمي كيان الدولة في النهاية، لكن من حق المواطن أن يلقى أيضا معاملة معيشية أفضل باعتبار أن هذا الهدف الذي من أجله تأسست الحكومات والدول.